أوليغ كوزنيتسوف ، العالم السياسي والمؤرخ الروسي ، حصراً لـ Eurasia Diary
أثارت البيانات الجهورية والرنينة الأخيرة لرئيس الوزراء الجديدلأرمينيا نيكول باشينيان حول ضرورة إشراك النظام السياسي في قره باغ الجبلية للانفصاليين الأرمن دولة آرتساخ المزعومة في عملية التفاوض، الحيرة في البداية، وثم احتجاجات عنيفة ليس فقط في أذربيجان، وبل أيضا غيرها الكثير من المشاركين في هذه العملية الجارية تحت رعاية مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وليس بمستغرب هذا فيعود الوضع في الواقع في قره باغ الجبلية بربع قرن إلى الوراء، إلى منتصف 1990. لأذكركم بأن ممثلين عن الانفصاليين الأرمن في قره باغ الجبلية اشتركوا في المحادثات التي جرت في عام 1994 وأدت إلى التوقيع على "اتفاقية بيشكيك" التي تحمل الاسم الرسمي "اتفاق على وقف اطلاق النار الدائم" لأول مرة ومرة وحيدة فقط.
ومع ذلك، فإن تغيير الشكل الإداري في أرمينيا يودي إلى تغيير النظام السياسي، وبعده أدت موجات الاحتجاجات المرتبة بعناية وتنظيماً جيداً ارتقاء نيكول باشينيان إلى قمة السلطة في البلاد والذي أقر قواعد اللعبة أحادية الجانب محلياً ودولياً على حد سواء. لم ينس، وبطبيعة الحال، وعملية التفاوض حول النزاع في قره باغ الجبلية، في محاولة منه للإعادة إلى نقطة البدء الأولى منذ خمسة وعشرين عاماً.
يتبين التنافر الخارجي لسلوكه الذي يخالف جميع تراكمت على مدى السنوات ال20 الماضية من الصكوك القانونية الدولية المتعلقة بنزاع قره باغ الجبلية، ومع ذلك، يجب أن يكون تفسيراً معقولاً له، لأن باشينيانا ليس بسياسي يجعل غباءاً واضحاً تلقائياً بنفسه. ولذلك فمن المهم أن نفهم بالضبط ما هو العامل الذي دفعه لإصدار بيان حول الحاجة إلى إعادة النظام الانفصالي إلى طاولة المفاوضات بكونه طرفاً متساوياً، على الرغم من وثائق الأمم المتحدة، الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تعارض هذا؟
هناك الإجابة الواحدة فقط على هذا السؤال: قواعد التشريعات الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى وجه الخصوص المادة 907 من القانون لعام 1992. تنص هذه المادة على "القيود المفروضة على المساعدات إلى أذربيجان". وهذا الدليل على أنه لا يحق للولايات المتحدة تقديم المساعدات التكنولوجية والعسكرية الفنية لأذربيجان. طالما انها تفرض الحصار وتمارس أعمال العنف الأخرى ضد أرمينيا وقره باغ الجبلية. وبعبارة أخرى، قررت الولايات المتحدة لنفسها بالفعل كل شيء بخصوص نزاع قره باغ الجبلية، وليس على المستوى السياسي فقط وعلى المستوى التشريعي: أذربيجان هي الطرف المعتدي وأرمينيا وقره باغ الجبلية هما ضحيتان للعدوان، وليست قره باغ الجبلية منطقة خاضعة لسيادة أذربيجان، وأنها دولة مستقلة عنها.
وهكذا، يبدو أن نيكول باشينيان مع بيانه عن الحاجة لإشراك ممثلي قاره باغ الجبلية - آرتساخ في المفاوضات ولم يتقدم بأي مبادرة جديدة، ولكن لم يعلن سوى أحكام قانون الولايات المتحدة موجودة منذ فترة طويلة، ويعود تحقيقها في جنوب القوقاز على عاتقه وعاتق طاقمه الموالي للغرب. أصبح الأمر أكثر وضوحاً الآن، وما هي الأغاني التس يغنيها نيكول باشينيان: إنه دمية في يد واشنطن. وحتى لا يشك أحد في صحة كلماتنا، ونقدم صفحة من مجموعة من التشريعات الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية مع نص المادة المذكورة أعلاه، لذلك لا يمكن لأحد أن يتهمنا في الخمول ضد الولايات المتحدة. بالنسبة للولايات المتحدة ، فإن أرمينيا وقاره باغ الجبلية هما ظاهرتان من نفس الترتيب، وأسماءهما مدرجة بعد فاصلة.
يمكن أن نستنتج من كل ما ذكر أعلاه أن باشينيان غير مهتم في تسوية النزاع في قره باغ الجبلية في وقت قريب، شأنه شأن كفلائه الأمريكيين. تحتاج الولايات المتحدة لأرمينيا كأداة للضغط على ثلاثة من أخطر حتى الآن معارضيها الجيوسياسية: المنافس الرئيسي - روسيا والعدو الرئيسي- ايران، والحليف العنيد – تركيا، حيث يمكن ممارسة الضغط عن طريق يريفان قادر بصورة مباشرة وغير مباشرة على حد سواء. كما يمكن ممارسة الضغط على باكو بإدخخالها في الجولة الجديدة من تصعيد نزاع قره باغ الجبلية.
وبشكل عام، بدأ رئيس الوزراء الحالي لأرمينيا مؤخراً بتقديم الطلبات غير المقبولة تماما إلى الكرملين، وقد يؤدي تلبية كل منها حتي جزئياً إلى الخسائر سياسية، أو الاقتصادية لروسيا التي لا تزال حليفة لها. على سبيل المثال نشير إلى الطلب الأخير من موسكو بوقف بيع الأسلحة إلى أذربيجان. يجب أن نفهم أن روسيا، من حيث المبدأ، لا يمكنها الوفاء بهذا الطلب، لأنه سيضر بسمعتها في سوق السلاح العالمي كلها،حيث أن الفشل في الالتزامات التعاقدية من جانب واحد مع دفعة مستلمة مقدماً بالفعل هو دليل على إعسار الأعمال التجارية للطرف المقابل.
لنذكر الضررعلى سمعة روسيا في سوق السلاح العالمي، عندما جضع الرئيس ميدفيديف لضغوط الولايات المتحدة واسرائيل لإنهاء العقد لتوريد أنظمة الدفاع الصاروخية مضادة للطائرات إلى إيران وسوريا. وعلى غرار إجراءات الكرملين فيما يتعلق باكو الرسمية، إن وقع هذا، بتحريض باشينيان يعني هذا كسر عقود الأسلحة بين روسيا وتركيا، والمملكة العربية السعودية. وهذا ما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية له. في الواقع ، لا يمنح باشينيان مساحة للمناورة لبوتين: إما أنه في جانب أرمينيا كلياً، أو ...
وبعبارة أخرى، أخذ باشينيان بممارسة مهنته المحبوبة - الابتزاز السياسي والذي برع حقاً خلال الحملة ضد النظام السياسي لسيرج سركسيان الموالي للغاية للكرملين. فقط هذه المرة ، هدفان للابتزاز هما روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. من الواضح تماماً لماذا يفعل ذلك: فهو لا يحتاج إلى تنازلات من الكرملين. على العكس من ذلك، فإنه يعتمد على موقف صلب وحتى المتعنت من السلطات الروسية، لأنه ينوي إحداث "الكتلة الحرجة" في الشعب الأرمني وشعور الاستياء من سياسة روسيا تجاه أرمينيا. وهذا سيسبب الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة مع متطلبات إلغاء التحالف مع روسيا وإبرام المعاهدة المماثلة مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي الشمالي بشكل عام، وهذا يتوافق تماما مع مصالحها الجيوسياسية في منطقة البحر الأسود القوقاز.
يسعى باشينيان اليوم جاهداً لتحقيق "نقطة اللاعودة" في العلاقات مع روسيا، ويجعلها بكثر دهاء، أقل خشونة وغليظاً كما فعل ساكاشفيلي في جورجيا. وسيذهب إلى النهاية في تحقيق مهمته المتمثلة في نقل أرمينيا من احضان روسيا إلى أحضان الولايات المتحدة.