أنار صادقوف، العالم الروسي في مجال العلوم السياسة، و الخبير في الشئون القوقازية والشرق الأوسطية، دكتوراه الفلسفة في العلوم التاريخية. حصراً ل Eurasia Diary
يوم 30 مايو، في الأردن بدأت الاحتجاجات الناجمة عن مشروع قانون الضريبة على الدخل، والذي كان ينص على زيادتها بنسبة 5% على الأقل، وهذا تلبيةً لمتطلبات صندوق النقد الدولي المرتبطة بالائتمان في عام 2016 بقدر 723 مليون $ ولمدة ثلاث سنوات، إلى جانب القيام بالإصلاحات الاقتصادية وإدخال تدابير التقشف.
دعت النقابات العمالية المواطنين في البلاد إلى إضراب عام، وأصرت على استقالة الحكومة وإلغاء التغيرات المخططة من قبلها. وصلت المظاهرات ذروتها عندما أعلنت الحكومة الأردنية زيادة أسعار الوقود، وكانت النتيجة أن سكان العاصمة نظموا وقفة احتجاجية بسيارات أمام مبنى الحكومة.
وشملت الاحتجاجات جميع أنحاء البلاد على نطاق واسع، مما وكانت ضغطاً إضافياً على مجلس الوزراء الذي أظهرت استطلاعات الرأي في السنوات الأخيرة المستوى المنخفض لشعبيته واضطر الملك عبد الله الثاني إلى اقالة رئيس الوزراء الحالي هاني الملقي في 4 يونيو، وعين وزير التربية والتعليم عمر الرزاز رئيساً للوزراء وأنه حصل على شهادة الدكتوراه في التخطيط الحضري من جامعة هارفارد، وكذلك شهادة الدكتوراه في القانون من نفس الجامعة. وكان من 2002 إلى 2006، مديراً للبنك الدولي في لبنان، وكما أنه سحب رسمياً فاتورة ضريبة الدخل. كلف رئيس الوزراء الجديد بمهام إعادة النظر في النظام الضريبي، وإقامة الحوار مع النقابات العمالية، وتحقيق الاستقرار في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. بينما ينظر الكثير من الأردنيين إلى هذه التغييرات في مجلس الوزراء وعلى وجه الخصوص، شخصية رئيس الوزراء الجديد بإيجابية، ولكنهم على استعداد لتكرار الحركات الاحتجاجية في حالة عدم الرضا عن عمل الحكومة الجديدة.
وكان الوضع مماثلاً في يناير كانون الثاني عام 2011، عندما أدى الشغب الجماهيري الناجم عن ارتفاع الأسعار والبطالة والذي استمر عشرة أيام، إلى حل الحكومة، وأنه اقتصر هذه المرة على خمسة أيام.
الملك عبد الله الثاني
على خلفية الأحداث الدامية في سوريا واليمن وليبيا، والتي تحولت إلى حرب مدمرة، وتحمل الاحتجاجات في الأردن طابعاً سلمياً، والتي لم تؤد إلى إسقاط القيادة الحالية للدولة، كما حدث في تونس ومصر، ومارست الضغط اللازم على الملك لتغيير في الهيئات التنفيذية للسلطة. من الناحية الأخرى، لم تؤد الحكومة الحالية هي السابعة منذ تولي الملك عبد الله الثاني قيادة البلاد في عام 1999 والثانية بعد حل البرلمان في عام 2016 إلى تغييرات نوعية في مستوى معيشة الأردنيين العاديين.
ودعا المتظاهرون لتخطيط ميزانية طويلة الأجل، وزيادة الشفافية، ومحاربة الفساد، وأنه لا بد من مراجعة كاملة لنهج الحكومة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية.
كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية في الأردن هو وقف الدعم المالي من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى عدم وجود تمويل من وكالات الأمم المتحدة، على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين يصل عددهم الإجمالي إلى 1 مليون شخص على الأقل. بعد أحداث "الربيع العربي" في عام 2011 قررت دول مجلس التعاون لدول الخليج تقديم المساعدات للنطامين الملكيين الأردني والمغربي بمبلغ 5 مليارات دولار لكل منهما في الإطار الاتفاق الذي مدته خمس سنوات. اجتمع ممثلو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بسرعة في مكة في 11 يونيو واتخذوا قراراً بتخصيص الأموال لعمان بمبلغ 2.5 مليار دولا، مما يشير إلى قلقهم الشديد وتصميمهم على وقف الاحتجاجات في الأردن من حيث المبدأ.
قمة مكة المكرمة حول الأزمة الاقتصادية في الأردن
سيتم تخصيص مبلغ بقدر 1 مليار دولار، وثم يلحقه خط التمويل بقدر 300 مليون دولار لمدة خمس سنوات. ولكن أعرب المسئولون الاردنيون عن خيبة آمالهم، حيث كانوا يتوقعون مساعدات أكبر، باعتبارها غير كافية لحل المشاكل الاقتصادية الملحة. وأعربت الدوحة عن استعدادها لاستثمار 500 مليون دولار في البنية التحتية والسياحة الأردنية، وخلق 10 ألاف فرصة لعمل المواطنين الأردنيين في قطر نفسها. أعرب الاتحاد الأوروبي، في المقابل، عن قناعته في أن الأردن بحاجة إلى دعم اقتصادي، وأكدت رئيسة المفوصية للشئون الخارجية فيديريكا موغيريني في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في عمان، استمرارية المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي كما كان في وقت سابق.
وأما صندوق النقد الدولي فمن المرجح أن تطالب عمان تمديد تنفيذ الخطة لعدة سنوات، وتخفيف بعض المواقف، لأن الحكومة الماضية أخطأت بشدة في تقييم مخاطر التأثير السلبي على السكان.
وقد تم بالفعل رفع الضرائب على مدى العامين الماضيين، وأدى هذا إلى زيادة إرادات الميزانية ب1.4 مليار دولار، واثارت هذه الإجراءات سلباً على الطبقة المتوسطة والشركات الخاصة التي تحملت إلى حد كبير العبء الأكبر من الديون. يقيّم البنك الدولي التوقعات الاقتصادية الفورية بشكل ضعيف، وقد وصل معدل البطالة إلى 25 سنة كحد أقصى.
تتزايد تكلفة السلع اليومية باستمرار، منذ عام 2006، وتضاعف التضخم، في عام 2018 فقط ارتفع سعر البنزين خمس أضعاف ، وارتفعت فواتير الكهرباء بنسبة 55 %.
المهاجرون العاملون في دول الخليج
تعود الحصة الكبيرة من الإنفاق إلى مصروفات أجهزة الدولة والقوات المسلحة.
وفقا للبيانات الرسمية ، كانت حصة الميزانية العسكرية في ميزانية البلاد بقدر 1.87 مليار دولار (15.8 % من الإنفاق الحكومي أو 4.8 % من الناتج الوطني الإجمالي) في عام 2017. وهذا من أحد أعلى المعدلات في المنطقة التي هي عسكرة للغاية. تتلقى عمان بشكل منتظم المساعدات الأمريكية التي بلغت أكثر من 20 مليار دولار منذ عام 1951، بالإضافة إلى ذلك، قدمت واشنطن في وقت سابق 1.1 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية للاجئين السوريين في المملكة الهاشمية.
من خلال تقديم المساعدات المالية، تحاول الولايات المتحدة، وكذلك السعودية، ممارسة التأثير على السياسة الخارجية الأردنية. على وجه الخصوص، أعلنت عمان في 15 يونيو عن استدعاء سفيرها من إيران ، وهذا نتيجة مباشرة للدعم المالي المقدم من الرياض وحلفائها، والذي تم إيقافه في عام 2017 بسبب عدم الرضا عن تصرفات عمان في يونيو من العام الماضي بعد فرض حصار على قطر، ولم يقطع الأردن العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة واكتفى بخفض مستواها فقط.
ازدادت العلاقات بين عمان والرياض برودة بعد قرار دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك. ووفقاً للمحللين المحليين، عارض السعوديون دعوات المملكة الهاشمية لعقد القمة الطارئة للدول الإسلامية مباشرة بعد الإعلان عن القرار الأمريكي، ومارسوا الضغوط على الملك عبد الله الثاني، لعدم حضوره شخصياً.
على ما يبدو أن قرار استدعاء السفير الأردني من طهران سيكون خطوة أولى في سلسلة القرارات المملكة بشأن القضايا الأكثر أهمية وحساسية بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، على الرغم من أنت في الماضي القريب، سعى الأردن إلى اتخاذ موقفاً أكثر حيادياً وتجنب المشاركة في التكتلات الإقليمية أو الائتلافات.
ملخصاً، على الأردن إنجاز الإصلاحات الاقتصادية الأساسية لكيلا يتواجه الاحتجاجات، وإقالة الحكومات بصورة دورية ولا يخضع في انتهاج السياسة الخارجية لرغبات الجهات المانحة التي مع مرور الوقت ستؤثر أيضاً على السياسة الداخلية، مما يجعل قيادة البلاد دمية لهم.