احتجاجات البصرة.. كسر "تابوهات" السياسة في العراق

الاحتجاجات أظهرت تغيرا في تشكيل القوى الفاعلة والمحركة بعيدا عن تأثير القيادات الدينية الشيعية

تحليلات 09:00 23.09.2018

منذ غزو العراق عام 2003، ظل العقد الاجتماعي بين النخب الشيعية بشقيها الديني والسياسي أشبه بالمقدس، أو من "التابوهات"، في حالة تكاملية لفرض الهيمنة المطلقة على السلطة والثروات في البلاد.

ورغم الخلافات السياسية الدائمة بين الأحزاب الشيعية، وغالبا ما يكون عنوانها التنافس على السلطة، إلا أن تلك الخلافات ظلت في إطار البيت الشيعي.

ولم تظهر بوادر انقسام سياسي ينعكس على الوسط الاجتماعي إلا خلال الأسابيع الأخيرة بحدود ضيقة، بعد تصاعد حدة الصراع على تشكيل الحكومة الجديدة.

ويعكس التنافس والصراع بين الائتلافين الشيعيين (الإصلاح والبناء) على تشكيل الحكومة الجديدة، الانقسامات العميقة ـ إلى حد ما ـ داخل البيت الشيعي، وتأثير التدخلات الأمريكية والإيرانية.

توفر الكثافة السكانية والصلات الاجتماعية في وسط وجنوب العراق إمكانات هائلة لنمو وتصاعد أي حركة احتجاجية عادلة تهدف إلى تحقيق مطالب مشروعة.

ومع الإقرار بتعرض مئات المحتجين للاعتقال ومقتل العشرات منهم وإصابة المئات، إلا أنهم واصلوا الخروج بتظاهرات احتجاجية بعيدا عن محاولات تقويض العملية السياسية، أو إسقاط نظام الحكم القائم.

وهي في عمومها احتجاجات يغلب عليها طابع المطالبة بالخدمات ومعالجة سوء الأداء الحكومي ومحاربة الفساد في مفاصل الدولة العراقية.

وأفرزت احتجاجات البصرة تغيرا في تشكيل القوى الفاعلة والمحركة للأوساط الاجتماعية بعيدا ـ إلى حد ما ـ عن تأثير القيادات الدينية الشيعية وفق ما ظل سائدا في مرحلة ما بعد غزو العراق.

وأدت المتغيرات الأخيرة في البصرة إلى حالة تراجع في مكانة القيادات الدينية لدى قطاعات واسعة من المتضررين الذين يرون أنها ظلت دعامة أساسية لبقاء القيادات السياسية في أعلى قمة السلطة التنفيذية، وساهمت في تثبيتها على الرغم من تفشي الفساد الظاهر في أوساطها.

لا شك أن الاحتجاجات الأخيرة أحدثت شرخا غير مألوف بين السياسيين عموما، والقيادات الدينية الشيعية.

قلما يتدخل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في الشؤون السياسية، لكن دور القيادات الدينية الأخرى ظل داعما للمنظومة السياسية منذ غزو العراق، وتقلدت الكثير منها مناصب سيادية.

إلا أن دورها المتواطئ مع الحكومة المركزية في الاحتجاجات، أو مكافحة الفساد، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انتهاء ـ أو على الأقل ـ تراجع نفوذ تلك القيادات الدينية.

وباعتبارها السلطة الاعتبارية الأعلى في العراق، ظلت المرجعية الدينية الشيعية منذ الغزو تشدد على العراقيين ـ من منطلق الواجب الشرعي ـ الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم في مجلس النواب (البرلمان).

كما أن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني المعروف بندرة تدخلاته في الشأن السياسي، لم يكن بعيدا عنها، وظل يلعب الدور الأكبر في إدامة الهيمنة الشيعية على القرار العراقي.

إلا أنه في الانتخابات الأخيرة ـ خلافا لكل دعواته السابقة ـ طالب العراقيين بعدم إعادة انتخاب السياسيين الفاسدين ثانية.

قد تكون المرة الأولى التي تبدي فيها فصائل الحشد الشعبي (مسلحون شيعة موالون للحكومة) أو قوات الأمن، لا مبالاة بنداء المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في 4 سبتمبر / أيلول الجاري، الذي طالب بعدم إطلاق النار على المحتجين.

كما أن المحتجين أنفسهم أبدوا نوعا من اللامبالاة وعدم الالتزام بنداء السيستاني الذي طالبهم بعدم التعرض للممتلكات الخاصة والعامة، والتعبير عن مطالبهم بالطرق السلمية.

بعد نداء السيستاني، تعرض عشرات المحتجين للقتل أو الإصابة برصاص القوات الأمنية ومسلحي فصائل الحشد الشعبي، وأحرق المحتجون عشرات المباني والمكاتب التابعة للحكومة أو للأحزاب السياسية، ومنازل لمسؤولين سياسيين وحكوميين محليين.

وساهمت احتجاجات البصرة في كسر حاجز الخوف في مواجهة سلطة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، التي فرضت إرادتها طوال سنوات باستخدام القوّة والخطف والقتل والاغتيالات والاعتقالات التي تطول الذين يتجرؤون على المساس بها، أو انتقاد سلوكها.

وظلت المجموعات المسلحة تفرض سيطرتها على الشارع في معظم مناطق وأحياء العاصمة العراقية، وفي المحافظات الوسطى والجنوبية، في السنوات التي سبقت الاحتجاجات الراهنة.

غير أن المحتجين نجحوا خلال التظاهرات الأخيرة، لأول مرة، في فرض سيطرتهم على الشارع بمدينة البصرة، في الوقت الذي اتخذت تلك المجموعات موقع المدافع عن مكاتبها لحمايتها من المحتجين.

وعادت المجموعات للسيطرة على الشارع في البصرة ثانية خلال الأيام التي أعقبت موجة العنف غير المسبوقة بين 4 و9 سبتمبر / أيلول، التي كانت ذروتها إحراق القنصلية الإيرانية.

لم يكن متوقعا أن تتعرض القنصلية الإيرانية في البصرة لهجمات المحتجين لتخريبها وإحراقها.

كما لم يكن من اليسير على أي مواطن في العراق توجيه انتقاد لإيران، أو رفع شعارات مناهضة لها، أو تمزيق صور قائد الثورة الإيرانية الخميني، والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

في مرات عدة خلال الاحتجاجات في البصرة، أحرق محتجون صورا للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، ما خلف ردود فعل غاضبة من عناصر تابعة لفصائل الحشد الشعبي وقيادات اجتماعية وأحزاب شيعية.

كل ذلك أظهر حجم الانقسام في أوساط المجتمع، وغياب التجانس في وحدة الموقف من التدخلات الإيرانية.

وتحتفظ القيادات الدينية الإيرانية بمكانة خاصة لدى قطاعات واسعة من المجتمع العراقي في وسط وجنوب البلاد.

كما أن هذه القطاعات ظلت في معظمها راضية عن تغلغل النفوذ الإيراني أو غير مكترثة به، لكن ليس ثمة إشارات على حالة رفض للنفوذ الإيراني.

وانتشرت صور الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني في عموم المدن جنوبي العراق في أعقاب الغزو، في دلالة عكست عمق النفوذ الإيراني في تلك الأوساط الاجتماعية التي لم تبد ما يكفي من الرفض لمثل تلك الظاهرة.

ويُنظر إلى النظام الإيراني بأنه حامي الشيعة حول العالم.

يعتقد شيعة العراق والقيادات السياسية والدينية الشيعية، أن إيران ساهمت بشكل ما في الانتصار العسكري الذي تحقق على تنظيم داعش وإنقاذ السلطة الشيعية من السقوط عام 2014.

وعلى نطاق واسع، هناك حالة من الرضا لدى شيعة العراق عن المواقف الإيرانية السابقة في التنسيق مع الولايات المتحدة، والتمهيد لسقوط نظام الحكم السني وسيطرة الشيعة على السلطة.

وفي مراحل لاحقة بعد غزو العراق، انتعشت العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الشيعة العراقيين والشعب الإيراني عموما، ونظام الحكم القائم بشكل خاص.

ودعمت إيران الأحزاب والمجموعات الشيعية المسلحة بشكل مستمر لضمان نفوذ واسع في القرارين الأمني والسياسي.

ولا تزال إيران تلعب الدور الأهم في رسم المشهد السياسي على الرغم من تراجع بعض السياسيين الشيعة عن ولائهم لإيران، وتبني سياسات أكثر استقلالية.

غير أن الاحتجاجات أظهرت، بلا شك، تأكيدا واضحا على حالة رفض تتشكل في الأوساط الشيعية ضد تنامي النفوذ الإيراني والتدخل في الشؤون العراقية.

فيما لم يكن مسموحا طوال سنوات توجيه أي انتقاد لإيران، أو اتهام الحكومة العراقية بالتبعية لها وتنفيذ سياساتها في العراق والمنطقة، لأنه من المحرمات.

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار