- منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير كان واضحا أن قيادة الجيش تساير الانتفاضة الشعبية بدعوات إلى الاستجابة لمطالبها.
- ظهر التحول الجذري جليا عبر خطاب قائد الأركان في 26 مارس أشار فيه صراحة أن الحل يكمن بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تعلن شغور منصب الرئيس.
- تحول موقف الجيش كان في 30 مارس عندما استعمل لهجة شديدة ضد المحيط الرئاسي واتهمه بالقيام بمناورات لضرب سمعة ووحدة الجيش.
- عميد متقاعد أوضح أن "الجيش هو الضامن والمرافق للشعب حتى يصل إلى بر الأمان بمساره السياسي والديمقراطي" قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بعد ستة أسابيع من حراك شعبي، تصاعد معه ضغط قيادة الجيش تدريجيا، اضطر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الثلاثاء، إلى الرحيل الفوري عبر إعلان استقالته من منصبه.
ومنذ بداية الحراك في 22 فبراير / شباط الماضي، كان واضحا أن الجيش ساير الانتفاضة الشعبية من خلال دعوات إلى الاستجابة لمطالبها، أطلقها قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح.
وظهر التحول جليا في خطاب 26 مارس / آذار الماضي، الذي دعا "صالح" خلاله بصراحة إلى أن الحل يكمن في تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على إعلان شغور منصب الرئيس.
** قايد صالح يتخلى عن بوتفليقة
انحياز قايد صالح، إلى الحراك كان مفاجئا للبعض، خاصة خارج الجزائر كونه أحد المقربين من بوتفليقة منذ توليه منصب قيادة الأركان عام 2004، ليصبح بعد العام 2013 نائبا لوزير الدفاع أيضا، علما أن وزير الدفاع هو رئيس الجمهورية منذ العام 1999.
والثلاثاء ترأس قايد صالح اجتماعا لقيادة الجيش، يعتبر في العرف السياسي بمثابة اجتماع للمجلس الأعلى للأمن دون حضور الرئيس.
وحرص خلاله على التذكير بأن المؤسسة العسكرية كانت مند البداية داعمة للحراك وأن الحل يجب أن يكون في إطار الدستور.
وقال إنه "طيلة المسيرات، عبر عن تأييده التام لمطالب الشعب وتطلعاته المشروعة، انطلاقا من قناعته النابعة من تمسكه بالشرعية الدستورية وأن الشعب هو المصدر الوحيد والأوحد للسلطة".
ورغم أن تأييد الحراك كان واضحا، إلا أن قائد الأركان حاول في خطاباته الحفاظ على "حبل الود" مع بوتفليقة وحتى محيطه من أجل "ضمان انتقال سلس للسلطة وتجنيب البلاد الانزلاقات" كما أكد عدة مرات في خطاباته.
** تحول جذري
التحول الجذري لموقف الجيش كان في 30 مارس الماضي، عندما استعمل لهجة شديدة ضد المحيط الرئاسي واتهمه بالقيام بمناورات لضرب سمعة ووحدة الجيش من خلال اجتماعات "مشبوهة".
وتأكد فيما بعد من خلال مصادر إعلامية وبيان للرئيس السابق اليامين زروال، أن سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، حاول تجاوز القيادة العسكرية بالتحضير لمرحلة انتقالية بدعم من قائد المخابرات السابق الفريق توفيق مدين، الذي أقيل من منصبه عام 2015.
وكانت الخارطة التي وضعها المحيط الرئاسي تكليف زروال وهو جنرال متقاعد بمرحلة انتقالية بدعم من الفريق توفيق وشبكاته السياسية والأمنية، لكن زروال رفض العرض.
وبالتزامن مع هذه التطورات تم تسريب إشاعات حول قرار رئاسي بإقالة قائد الجيش عدة مرات، ووصل الأمر حد ظهور قوات خاصة تراقب مبنى التلفزيون الحكومي أول أبريل/ نيسان الجاري في خطوة قالت مصادر إعلامية إنها تحسبا لأي قرار مفاجىء.
وأظهرت التطورات أن مرحلة كسر عظم يعيشها أعلى هرم السلطة بين قيادة الجيش ومحيط الرئيس الذي وعد بقرارات هامة قبل رحيل بوتفليقة كانت وراء زيادة الضغط باتجاه الاستقالة.
كما أن تحرك القضاء ضد قرابة 12 رجل أعمال مقربين من المحيط الرئاسي وفي مقدمتهم الملياردير علي حداد، الذي أوقف على الحدود التونسية أظهر احتدام الصراع.
وكان ظهور قائد الحرس الجمهوري الفريق علي بن علي، أحد أهم المقربين من بوتفليقة في اجتماع قيادة الجيش الثلاثاء، بمثابة إعلان عزلة للرئيس ومحيطه.
** شعارات الحراك في خطاب الجيش
واستعمل قائد الأركان في خطابه الذي سبق استقالة بوتفليقة عبارات بمثابة شعارات للحراك والمعارضة مثل "عصابات" و"قوى غير دستورية" في إشارة إلى محيط الرئيس وشبكة حلفائه من رجال المال.
كما تضمن البيان الذي توج اجتماع القيادة العسكرية ما يشبه خارطة طريق للمرحلة القادمة، كان عنوانها عبارات تكررت عدة مرات مثل "أن الحل يكون في إطار الدستور" و"ضرورة عودة السيادة للشعب" و"أن موقف الجيش دافعه الحفاظ على الوطن".
ويقول قائد الأركان في خطابه "أكدت في العديد من المرات أنني بصفتي مجاهد كافحت بالأمس المستعمر الغاشم وعايشت معاناة الشعب في تلك الفترة العصيبة، لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضده من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع".
وتابع: "من أجل ذلك فأنا في صفّه وإلى جانبه في السراء والضراء، كما كنت، وأتعهد أمام الله والوطن والشعب أنني لن أدخر جهدا في سبيل ذلك، مهما كلفني الأمر".
** تحقيق مطالب الشعب والجيش ليس له طموح سياسي
قيادة الجيش ترد في بيانها على انتقادات من معارضين، بأن تحركها جاء للحفاظ على النظام القائم بأن "مسعانا لإيجاد حل الأزمة ينبع حصرا من ولائنا للوطن فحسب".
وأضاف المصدر نفسه: "إننا على يقين تام بقدرة الشعب الجزائري، لما له من مقومات تاريخية وحضارية وطاقات بشرية متشبعة بحب الوطن، على تجاوز الأزمات، مهما كانت حدتها".
** مرافقة الانتقال الآمن للسلطة
ويرى العربي الشريف، العقيد المتقاعد من الجيش، أن الانحياز إلى الشعب "شيء طبيعي"، لأن "هذا الجيش شعبي، عقيدته أن يمثل كل فئات المجتمع، وليس فئوي أو جهوي، وهو في خدمة الشعب وليس في خدمة أشخاص".
وذكر للأناضول بشأن المسار الذي يسبق تنظيم انتخابات رئاسية جديدة "الجيش هو الضامن والمرافق للشعب حتى يصل إلى بر الأمان بمساره السياسي والديمقراطي".
وأوضح أن "للجيش دورين هامين خلال المرحلة المقبلة، الأول تطبيق نص الدستور لضمان مخرج سلسل وسليم للأزمة".
والثاني - حسب الشريف - هو "مراقبة تطبيق القانون وتفعيل تنفيذه إلى غاية استرجاع الأموال التي نهبت" في إشارة إلى تحقيقات في الفساد بدأت قبل يومين، ضد مجموعة من رجال الأعمال محسوبين على المحيط الرئاسي.
وكان قائد الجيش وصفهم في خطابه بـ"العصابة التي نهبت مقدرات الشعب الجزائري وجمعت ثروات طائلة في وقت وجيز، مستغلة قربها من بعض مراكز القرار".