نمشـي على درب ما توطـاه الاقـدامي
وان وعرت الأرض يعجبني المشي فيها
لا يمشي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أرضٍ صحراء مثل هذه الأرض عبثاً، كما لا ينتقي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، صور والده العظيم عشوائياً، ولا يعلق عليها عبثاً. فكلاهما يفهم ما بداخل الآخر، وكلاهما ينقل الخطو مليئاً بالحكمة والتأمل، وكلاهما شاعرٌ ذو حس مُرهف، وهل يعقل أن يعيش الشاعر من غير أن يحسّ، وهل يمكن للشاعر أن يقول شعراً من غير مناسبة.
كلا، الشعر شعور، والشاعر هو المرآة التي تعكس ذلك الشعور، ومن العبث أن يقال: إن الشاعر ينبغي أن يقول الشعر من غير مناسبة. نعم.. لقد رأينا في هذه الأيام الكثيرين ممن يكتبون ما ليس بشعر ويسمونه شعراً مع الأسف، ويكتبه صاحبه من غير مناسبة كما يقال، فكانت النتيجة كلاماً لا يرتقي إلى مستوى الشعر، ولا إلى مستوى النثر الفني، بل جعجعة رحى من غير طحن، يعجب بها صاحبها، ويزكم منها صاحب الذوق الرفيع.
لكنني أعذر شاعر هذا الزمان عندما اختلف عن شاعر أمس، لأن السامع اختلف أيضاً، فلولا اختلاف ذوق السامع لما تجرأ أي كاتب أن يكتب ما يكتبه ويسميه شعراً، فصدق شاعر مصر الأول أحمد شوقي، عندما قال في وصف مسجد دمشق العريق:
مررت بالمسجد المحزون أسأله
هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت
على المنابر أحرار وعُبـدان
فلا الأذان أذان في منارتـه
إذا تعالى ولا الآذان آذان
على كل حال، لا يمر يوم إلا وأسجل إعجابي من جديد بشعر الوالد العظيم والولد العظيم، هناك ما يجمعهما، وهناك ما يجعل لكل منهما بصمة خاصة به، وفي النهاية نحمد الله على أن حاكمنا شاعر، وولي عهده شاعر أيضاً، فالحمد لله أولاً وآخراً.
وأما هذا البيت الذي شغلني به سمو الشيخ حمدان بن محمد فإنه بيت واحد، لكنني استخرجت منه عشرة عناوين على الأقل هي: الابتكار – المبادرة – الانتباه – الصبر على المكاره – حب التجديد – التصدي للصعاب – المغامرة – التفاؤل – الاستكشاف - حب الأول.
أجل.. كل هذه العناوين ذات الدلالات العميقة أستشفها من خلال النظر إلى هذه القامة التي نراها في الصورة الخاصة بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهو يمشي بخطى الواثق من نفسه، والمتأمل في ماضيه وحاضره ومستقبله بعين الفيلسوف البصير.
فالبيت هو:
نمشي على درب ما توطاه الاقدامي
وان وعرت الأرض يعجبني المشي فيها
هذا البيت ترتيبه الخامس عشر في قصيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تتألف من أربعة وعشرين بيتاً، استهلها سموه بالبيت الذي يقول:
يا مرحبا يا معنّى خطّ الأقلامي
مثايل شوّقتني في معانيها
استخرجت من بيت واحد عشرة عناوين تصلح لكتابة مقال كامل، ويعني هذا أن قصائد سموه يمكن أن يولد كل بيت منها عشرات العناوين، ومن الملاحظ على أشعار سموه النبطية والفصيحة أنها غزيرة المعاني، كثيرة الحكم، ولاسيما النبطية التي كعادة شعراء النبط يكثر سموه فيها من الأمثال والحكم.. فلنعد إلى بيت القصيد الذي نحن بصدده اليوم، ولنقف مع العناوين العشرة:
الابتكار
عرفنا أن شغف شاعرنا الأول أن يبتكر إذا قال، ويبتكر إذا فعل، وسموه لا يحب التقليد ولا الروتين الممل. لذلك، فإنه يحثنا على التجديد والتغيير، وينفق الكثير من الأوقات والملايين من الدراهم على ورش التدريب وإقامة المؤتمرات والندوات، بل ويغير الوجوه والمواقع إذا لم يجد تغييراً أو تجديداً في الشخص الذي يشغل ذلك المنصب أو ذلك الموقع، وقوله: «نمشي على درب ما توطاه الأقدامي» يوحي إليّ بهذا المعنى.
المبادرة
لاحظنا على صاحب السمو أنه أشجع الشجعان، فما من مشروع ناجح إلا ونراه هو أول من يبادر إليه بالقول أو بالفعل، وهذه صفة من صفات القائد الناجح، لأن الذي لا يملك زمام المبادرة، لا يصلح أن يكون قائد فريق، وأفهم هذا أيضاً من قوله: «نمشي على درب ما توطاه الأقدامي».
اليقظة والانتباه
قلت مراراً في كتاباتي إن الله رزق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حاسة سادسة، لذلك فإنه يقظ دائماً، وينتبه إلى ما لا ينتبه إليه الآخرون، وهذا يعني أن سموه لديه قدرة فائقة وخارقة، بحيث إنه في آن واحد يستمع ويتابع ويشاهد أكثر من واحد وأكثر من جهة.
الصبر على المكاره
لا أدل على هذا من قول سموه: «وإن وعرت الأرض يعجبني المشي فيها»، أي أنه مولع بركوب الصعاب، وله طاقة وجلد، وسموه لا ييأس، لذلك فإنه ينشط في الأزمات.
التجديد والتغيير
هذه الصفة جعلت سموه لا يصبر على خطته الخمسينية، ففي حين أن الناس عاجزون عن تنفيذ الخطة الخمسية فإنه يعدّ خمسينية جديدة قبل الفراغ من الخمسينية الأولى.
ومن هنا فإن الخطط تتداخل عنده، بمعنى أنه إذا وجد ما هو أنفع وأكثر إلحاحاً، فإنه يقدم هذا ويؤخر ذاك، كل ذلك لأنه مغرم بالتغيير والتجديد، ولا يحب أن يسبقه أحد إلى شيء، وأفهم هذا من قوله: «نمشي على درب ما توطاه الأقدامي».
التصدي للصعب
لاحظنا على سموه أنه لا يعجزه المستحيل، ولا يغلبه الشديد، لأنه الأشد والأعند، ومستعد أن يقهر كل المستحيلات، ويعتز دائماً بالقول إن معلمه في تذليل الصعاب وقهر المستحيلات هو المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الاتحاد، ووالده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما.
وقد رأينا بأعيننا كيف خرج سموه من أزمة تلو أزمة في فترات مختلفة، وكم من مشاريع نفذها في الأوقات الحرجة، في حين أن المُحبَطين والمُحَبــِّطين من حوله كانوا يلحّون عليه بالتراجع، لكنه المؤمن بربه والواثق بقدراته كان يقول:
النور في قلبي وبين جوانحي
فعلام أخشى السير في الظلماء
وكان يقول أيضاً:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرامها الأجسام
وقد فهمت هذا أيضاً من قوله: «وإن وعرت الأرض يعجبني المشي فيها».
صفة تحتاج إلى كثير من الجرأة والإقدام والثقة بالنفس في الوقت الذي يتراجع فيه الكثيرون، لأن المغامر يجازف، والمجازفة ليس فيها من الضمان إلا القليل، وربما شبهناها بالشيء غير المؤمن بتاتاً.
وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يلاحظ عليه هذا في الكثير من المواقف، والسبب أن له رؤية بعيدة، فحين ينظر الناس إلى مدّ البصر، ينظر سموه إلى ما وراء البحار، فيتخذ قراره ولا يلتفت إلى المترددين ولا إلى المتشائمين، لأنه يؤمن بالحديث الشريف: «اعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا»، وبالمناسبة فإن الكثيرين لا يملكون طبع المغامر، لأنهم واثقون بما عندهم أكثر مما عند الله، فقلة الإيمان بالله تخلق في الإنسان الجبن.
التفاؤل
لولا تفاؤل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لما وصلت دبي إلى هذا المستوى، مع العلم بأنها تعتمد على التجارة في الدرجة الأولى كمصدر للدخل، لكن سموه يستمد طاقته أولاً من سيرة آبائه وأجداده العطرة التي جعلت الناس في كل الأقطار يتعلقون بدبي، وينجذبون إليها. ويتفاءل أيضاً بتجاربه الشخصية، فسموه استطاع أن يشد أنظار الدول الكبرى إلى جزيرة النخلة وإلى مضمار «ميدان» الذي تقام فيه سباقات كأس العالم للخيول.
وكذلك إلى ميناء جبل علي، وبرج خليفة، وغيرها، ما جعل الفضاء الخارجي يسجل للعالم مشاهد من دبي ونرسلها إلى العالم، وأفهم هذا من قوله: «وإن وعرت الأرض يعجبني المشي فيها»، لماذا؟ لأنه على يقين بأن العسر بعده يسر.
الاستكشاف
في كل مرة نراه من خلال الصور التي تنتشر على «إنستغرام»، يطأ بقدميه أرضاً جديدة، ويعود بأفكار جديدة، وعندما ينزل بلداً لا يجلس في بهو الفندق كغيره، بل يدخل الأسواق والمطاعم ويختلط بالشعوب، ويقرأ كل شيء، وفي البرّ عندما يمشي وحده لا يمشي من غير هدف، بل يعود بفكرة أو صيد أو غير ذلك. وبالمناسبة خرجت في مجموعة من رجالات دبي مع سموه في رحلة بريّة، فمشينا معه من غير أن يعرف أحد منا إلى أين المسير.
وفجأة وقف سموه وأمر بالنزول فنزلنا، وجلسنا ننظر إلى الصحراء من حولنا، وكان الفصل شتاء، فلم نرَ شيئاً غير السراب أو ما يشبهه، لكن سموه خرج من بيننا فجأة فعاد بعد سبع دقائق وقد اصطاد أرنباً في ذلك الوقت القصير وفي بر كذلك البر الذي لم نرَ فيه ما يصاد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه يستثمر كل وقته، ويحاول أن يستكشف ما حوله ويتطلع دائماً إلى جديد يقدمه، وأفهم هذا من قوله: «نمشي على درب ما توطاه الأقدامي».
حب الأول
عُرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بقولته المشهورة: «أنا وشعبي نحب المركز الأول»، وهذا القول من سموه له فلسفة خاصة، وهي أنك إذا لم تكن الأول كنت الثاني، ولا أحد يسأل عن الثاني. أقول، ما أجمل الغوص في أعماق أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي كتب للوطن ما يحب الوطن أن يسمعه، وكتب للمواطن ما يحب المواطن أن يفخر به، وكتب للشعب ما جعل العالم كل العالم، يتمنى أن يكونوا من سكان دبي، فمرحباً بالقائد العظيم.