في الآونة الأخيرة، تعاني العلاقات بين واشنطن وأنقرة من التوتر الشديد. في 17 أغسطس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيادة الرسوم المفروضة على الألمنيوم والصلب من تركيا، مما تسبب في انهيار الليرة التركية إلى مستوى أكثر انخفاضاً في تاريخها. رداً على ذلك، رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرسوم على عدد من السلع الأمريكية، بما في ذلك التبغ والكحول والسيارات.
في مقابلة مع Eurasia Diary، صرح المؤرخ الروسي المعروف في الشئون القوقازية أوليغ كوزنيتسوف عما هو واقع في الحقيقة وراء الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة وإلى ماذا يمكن أن يؤدي الصراع بين الدولتين العضوين في حلف الناتو إلى المدى البعيد.
- في رأيك، ماذا يجري في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة؟
- في السنوات الأخيرة، يمكننا أن نرى مجموعة كاملة من الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة منذ فشل الانقلاب في تركيا، والذي تتجه آثاره إلى القاعدة الجوية في انجرليك وإلى العقوبات الأخيرة التي فرضتها حكومة ترامب على تركيا من خلال رفع الرسوم الجمركية على الحديد والألومنيوم التي يتم شراؤهما في تركيا، نظراً لحقيقة أن تركيا نفسها ليست منتجة للألومنيوم. فيما يخص للرسوم المفروضة على روسيا، أنها هي العقوبات المفروضة على الشركات المصنعة. ولكن فيما يخص لتركيا، في الواقع، هنا محاولة لمنع وسيط، مع الأخذ في الاعتبار أنه لن تلحق أي ضرر خطير للبنية التحتية للبلاد المصنعة.
في هذه الحالة ، هناك نغمات سياسية أكثر مما اقتصادية.
ترجع صبغة سياسية إلى حقيقة أن تركيا هي الآن الأكثر المتمردة وربما أضعف حلقة في منظمة حلف شمال الأطلسي، والتي تنتهج سياسة تتعارض مع سياسة حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير. أولاً، تمارس تركيا سياية مستقلة بشأن سوريا، وثانيا ،تدعم تركيا بشكل أو بآخر، جماعة حماس في قطاع غزة.
عندما تجبر تركيا في هذه الحالة، على الدفاع عن سيادتها على المستوى الإقليمي، يتوجب عليها بناء علاقات مع اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الصغرى، وأنها تشمل خصوم الولايات المتحدة التقليدية - روسيا وإيران. وأعلنت أمريكا صراحة أن إيران هي عدوها الرئيسي، وأن روسيا هي منافسها الرئيسي، وأن تركيا هي الحليف الأعظم للولايات المتحدة. في هذه الحالة، يسعى ترامب، بطبيعة الحال، لإعادة تركيا إلى دائرة تأثير الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لإعادتها إلى وضع الدولة التابعة التي كانت تركيا خلال الحرب الباردة. ومع ذلك، إدراكاً بأن التدابير العسكرية والسياسية لا تعمل، تبدأ إجراءات الضغط الاقتصادي، على الرغم من أن هذه التدابير هي اقتصادية فقط في الشكل ولكنها سياسية بطبيعتها
- في الأيام الأخيرة أعلن الرئيس التركي مقاطعة الإلكترونيات الأمريكية. كيف يمكن لتركيا استبدال البضائع الأمريكية؟
- من المستحيل التقارب مع روسيا في مجال الإلكترونيات لأنه لا توجد صناعة إلكترونية متطورة كما هو في الولايات المتحدة. في هذه الحالة، تركز تركيا بشكل أكبر على استبدال المنتجات الإلكترونية الأمريكية بمنتحات الصين وجنوب شرق آسيا.
طبيعاً، تتخذ تركيا بخطوة غير اقتصادية وسياسية خطيرة للغاية، قائلة إنها ستفرض عقوباتها المضادة على الولايات المتحدة. ومع ذلك، إذا أثبتت تركيا أنها قادرة على توفير أمنها الخاص مع مكونات من الصين، فإن العديد من البلدان الواقعة في الحزام شبه الاستوائي يمكن أن تتبع مثال تركيا.
أعلن أردوغان حديثاً أن تركيا سترفض استخدام الدولار في العلاقات التجارية الدولية مع أربعة بلدان على الأقل، مثل الصين وروسيا وأوكرانيا وإيران. هذه هي البلدان التي تمثل ثلث قيمة التجارة الخارجية التركية. هذا سيؤدي إلى انخفاض في كتلة الدولار في السوق، وبالتالي إلى انخفاض قيمة الدولار، مما قد يوقف آلية الطباعة الأمريكية لفترة ما. ومع ذلك، يمكن لتركيا أن تساعد ترامب الذي قال إنه يجب أن يخفّض ديوناً أجنبية لأميركا لتصل إلى تريليون دولار حتى نهاية فترة رئاسته الأولى. يمكن أن يؤدي رفض الدولار إلى تكوين كتلة الدولار الحرة، والتي تستطيع الولايات المتحدة سحبها والتخلص منها وإخفائها، ومن ثم، عند نقطة معينة، يتم طرحها مرة أخرى في السوق. بهذا المعنى، يبدو موقف أردوغان أكثر شعبوية من المحسوبيات الاقتصادية.
- هل يجوز أن نتوقع ترك تركيا لحلف الناتو؟
- كلما تزيد التناقض الاقتصادي، تقل نقاط الاتصال بين دول أعضاء داخل منظمة واحدة وبالتالي تزيد احتمالات عملية التفكك المدرك. نرى الآن أن تركيا تقطع بعض الأوتار بصورة مدركة، زتدخل مجال السباحة الحرة. ومع ذلك، حتى الآن، هناك الدمج الكامل للنظام العسكري التركي في نظام حلف الشمال الأطلسي، ولا يمكن لتركيا أن تنسحب بين عشية وضحاها من الحلف. إنه أمر عادي، سرعان ما سيتدفق الإرهابيون الدوليون وكلمعتاد، في الفضاء الجوي التركي، ستظهر الطائرات التي لا يمنك التأكد من هويتها. قبل أن تنسحب من حلف الناتو وتتخلى عن النظام الدفاعي الواحد ، تحتاج الدولة إلى إنشاء نظام الدفاعي الخاص لها ويبدو أنه قد يتم إنشاؤه. تشتري تركيا نظام الصواريخ المضادة للطائرات للدفاع الجوي من روسيا، أي تخلق الأساس المادي لمزيد من الاندماج في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وإيران، أو على الأقل أساساً للتكامل الثنائي بين روسيا وتركيا حول المسائل الأمنية في البحر وفي الجو.
هذا هو ما يخص للتقنية العسكرية، وبعد ذلك التحول الاقتصادي في العلاقات بين روسيا وتركيا. يعلن ترامب بفرض العقوبات، أن تركيا منبوذة ضد العالم الغربي من جهة، لكنه يدفعها إلى اعتناق روسيا وإيران. ونظراً لوجود الولايات المتحدة في سوريا في الصراع السوري، فضلاً عن الوجود الأمريكي في العراق ما يقرب من منطقتين هما مصدران لعدم الاستقرار الجماعي في منطقة آسيا الصغرى، التي تهدد تركيا وإيران وروسيا وأذربيجان. لذلك، يجب أن يتحد العديد من سكانها والدول المتقدمة اقتصادياً لكي لا تفقد سيادتها الدولية والسياسية. الآن لم تكن سياسة ترامب سخيفة نظراً لمصالح الولايات المتحدة، ولكنها سياسة حطلة بعدم أحذها الواقع الإقليمي بالاعتبار، قد تتسبب إنشاء تحالف الدول التي يمكن أن تعمل معاً وبشكل جيد جدا لإظهار الصمود في وجه ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي دفاعاً عن مصالح سياستها الإقليمية.
أجرت المقابلة الصحفية اناستازيا لافرينا
الترجمة من الروسية: د. ذاكر قاسموف