رأى المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط ومستشار "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" دنيس روس أنه "رغم التهديدات الجريئة التي تطلقها إيران بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات ضدها، فإنها ستقوم في نهاية المطاف بالتفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبخاصة في ظل وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وتوقع روس، في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أن "تلجأ إيران إلى التفاوض غير المباشر، لأن التفاوض المباشر سيبدو كأنه استسلام. وبدلاً من ذلك، يرجح أن يتقرب قادة إيران من الروس لاستغلال الروابط بين ترامب وبوتين"، لافتا الى أن "الاتفاق النووي الإيراني لا يزال يثير الاستقطاب حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق؛ حيث يؤكد الداعمون للاتفاق أن إيران لن تتفاوض أبداً على أي تعديل في الاتفاق، بينما يعتبر المعارضون للاتفاق أن قرار ترامب بالانسحاب من شأنه أن يقود إلى صفقة أفضل".
صفقة أفضل
وبحسب تحليل الكاتب، يبدو أن ترامب نفسه يعتقد أن التوصل إلى صفقة أفضل لايزال أمراً ممكنا، وبخاصة لأنه عرض في الآونة الأخيرة إجراء محادثات مع الإيرانيين من دون شروط مسبقة، ولكن المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي أعلن عدم موافقته على ذلك وحظر أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وذلك بعد إصرار محمد على جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، أن الشعب الإيراني لن يسمح أبداً للمسؤولين بالتفاوض مع الشيطان الأكبر، وأن "إيران ليست كوريا الشمالية" على حد تعبيره.
واعتبر روس في مقاله أن "مؤيدي ترامب يتمتعون بموقف أقوى رغم محاولات إيران التظاهر بالقوة؛ حيث أن التاريخ والديناميات السياسية تشير إلى أن موقف إيران المتشدد إزاء المفاوضات سوف يتلاشى في غضون وقت قصير، بل ومن الممكن تماماً التصور بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، بيد أن الجولة التالية من المفاوضات الأميركية الإيرانية لن تبدو مثل الجولة الأولى، وعلى الأرجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون له دور أساسي في صناعة السلام بين الجانبين".
افتراضات خاطئة
ويوضح روس أن "ثمة افتراضات خاطئة لدى الجانب الأميركي، كما تعكس إشارة جعفري إلى كوريا الشمالية؛ لأن إيران لا تقوم على حكم رجل واحد. ويعتقد ترامب أن ممارسة نهج "أقصى درجات الضغط" الذي أفلح مع كوريا الشمالية يمكن تطبيقه الآن مع إيران، وبغض النظر على مدى صحة ذلك، فإن الحالتين مختلفتان تماما".
ففي حالة كوريا الشمالية كان هناك اجماع دولي قوي على وقف برنامجها النووي، وبالفعل حشدت إدارة ترامب الدعم لفرض عقوبات أكثر صرامة ضدها، ولكن على النقيض من ذلك لا اجماع دولياً في حالة إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومن الصعب تطبيق أقصى درجات الضغط مع معارضة الحكومات الأخرى وبخاصة الحلفاء الأوروبيين الذين يبذلون جهوداً لتطبيق لوائح وإجراءات لحماية شركاتهم من العقوبات الأميركية والاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية مع إيران. وعلى الأقل لن يتخذ الحلفاء وغيرهم حذرهم لسد الثغرات في نظام العقوبات ومنع الإيرانيين من التهرب منها.
ومع ارتفاع أسعار النفط، ربما تتمكن إيران، من تغطية خسائر الإيرادات التي ستحدث عندما يطبق ترامب الجولة الثانية من العقوبات في الرابع من تشرين الثاني المقبل التي تطالب الدول بخفض مشترياتها النفطية من إيران أو المخاطرة بوقف الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة.
ثلاثة أسباب لقبول التفاوض
ولكن ذلك لا يعني أن إيران لن تتفاوض على التغييرات في الاتفاق النووي؛ إذ يستعرض روس ثلاثة أسباب تدفع إيران إلى الاستجابة للرئيس ترامب، وهي:
أولاً: أن الشركات والبنوك الأجنبية تنسحب فعلاً من إيران رغم لوائح الحظر الجديدة التي تبناها الاتحاد الأوروبي؛ خوفاً من العقوبات الأميركية وحرصاً على عدم فقدان الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال انسحبت من إيران شركات كبرى في مجال الطاقة والسيارات والشحن (توتال وبيجو ومايرسك) وكذلك البنوك مثل دويتشه بنك الألماني، وفي نهاية المطاف ستفعل البنوك الأخرى والشركات متعددة الجنسيات ما تفرضه مصالحها وليس الحكومات.
ثانياً: الاقتصاد الإيراني كان يترنح بالفعل حتى قبل إعادة فرض الجولة الأولى من العقوبات في السادس من آب الجاري، وقد خسرت العملة الإيرانية 50% من قيمتها، ويعني ذلك أن حسابات البنوك الإيرانية باتت تساوي نصف ما كانت عليه آنذاك، ومن الواضح أن الرأي العام الإيراني في حالة غضب شديد انعكست في المظاهرات الواسعة النطاق منذ شهر كانون الأول الماضي احتجاجاً على مغامرات نظام الملالي في الخارج وسوء الإدارة والفساد وإهدار أموال الشعب الإيراني في الحروب الخارجية بدلاً من تغطية الاحتياجات الداخلية حيث تم انفاق المليارات على إنقاذ بشار الأسد في سوريا ودعم حزب الله في لبنان وحماس، واستخدم نظام الملالي العنف وشرطة مكافحة الشغب للرد على المظاهرات الشعبية والإضرابات التي انطلقت في جميع أنحاء البلاد.
ثالثاً: عندما يشعر نظام الملالي بالضغط فإنه، بحسب نمطه التاريخي، يلجأ إلى تعديل سلوكه، فعلى سبيل المثال أعلن آيه الله روح الله الخميني المرشد الأعلى الإيراني سابقاً أن إيران ستقاتل العراق حتى تهزمها ولكنه أنهى الحرب في آب عام 1988 عندما دمرت القوات الأميركية في الخليج السفن البحرية الإيرانية ومنصات النفط وقامت بإسقاط طائرة مدنية إيرانية عن طريق الخطأ، فيما بدا أنه دعما لصدام حسين. وكذلك توقفت إيران عن قتل المعارضين في أوروبا عندما هددت ألمانيا بفرض عقوبات، وبعد هزيمة الولايات المتحدة لجيش صدام حسين في 2003، وخشية من أن تكون إيران هي التالية، قدم نظام الملالي عروضاً بعيدة الأمد للحد من برنامجه النووي ودعمه لحزب الله وحماس، وعلاوة على ذلك أنه بعد أن أعلنت إيران أنها لن تتفاوض أبداً بشأن برنامجها النووي طالما أنها تخضع للعقوبات، فقد تفاوضت بالفعل عندما ضاعفت إدارة أوباما العقوبات ضدها.
وساطة بوتين
ويشير الكاتب إلى أن تعثر الاقتصاد الإيراني وتزايد الضغوط ضد نظام الملالي داخل إيران سوف يجبران الأخيرة على الأرجح على البحث عن سبيل للخروج من الأزمة وقبول التفاوض. ومن شأن ارتفاع سعر برميل النفط إلى 70 دولاراً أن يوفر للإيرانيين بعض الدعم، لاسيما أن ميزانيتهم استندت إلى سعر 55 دولاراً للبرميل؟ وعلاوة على ذلك سوف ينتظر قادة إيران لمعرفة عدد المشترين الأوروبيين الذين سوف يتوقفون عن شراء النفط الإيراني وكذلك معرفة ما إذا كان سيظهر مشترون آخرون.
ويتوقع كاتب المقال أن تلجأ إيران إلى التفاوض غير المباشر، لأن التفاوض المباشر سيبدو كأنه استسلام. وبدلاً من ذلك، يرجح أن يتقرب قادة إيران من الروس لاستغلال الروابط بين ترامب وبوتين، وبخاصة مع رغبة الأخير في اظهار النفوذ الروسي على المشهد العالمي وبالطبع سيكون بوتين سعيداً بالوساطة والتحكيم بين الولايات المتحدة وإيران، وربما يحرص بوتين أيضاً على أن تشمل المحادثات مستقبل سوريا.
ويختتم مقال "فورين بوليسي": "قد يقترح بوتين في اجتماعه القادم مع ترامب في أوائل 2019 توسيع قيود الاتفاق النووي على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية والمواد المخصبة لمدة تتراوح بين 10 و 15 سنة في مقابل قيام الولايات المتحدة بإسقاط جميع عقوباتها. بعبارة أخرى، في مقابل تمديد القيود على التخصيب الإيراني من عام 2030 حتى 2045، تقوم الولايات المتحدة بإسقاط جميع العقوبات الحالية (النووية وغير النووية) وبالتالي لن يكون هناك أي غموض متبقٍ بشأن قدرة إيران على التعامل مع البنوك الأميركية".
(24)