تعتبر كوماري ماياواتي، من طبقة الداليت المضطهدة، أحد أشهر السياسيين في الهند، وشخصية مركزية في خطط المعارضة الساعية إلى تحسين حظوظها في الانتخابات الجارية لمجلس الشعب من 11 إبريل إلى 23 مايو.
يقول المحللون إن أحزاب المعارضة كانت تتهافت لعقد تحالفات معها، أما طموحها فيكمن في السعي لتولي رئاسة وزراء الهند، إذا لم يتمكن أي من الأحزاب من الحصول على الغالبية، وأن تكون، بالتالي، أول امرأة من الداليت تشغل هذا المنصب.
وتعارض ماياواتي، التي تلقب بـ «الأخت»، كل من حزب بهاراتيا جاناتا وحزب المؤتمر بشدة، وقد عقدت تحالفاً تاريخياً مع خصمها القديم، حزب «ساماجوادي»، الذي يتميز بثقله الوازن بين الطبقات الفقيرة، بأمل هزيمة مرشحي «بهاراتيا جاناتا» في بعض أهم معاقل الحزب الحاكم. ويقال إن دخول بريانكا غاندي السياسة، يعود في جانب منه إلى عناد ماياواتي في تقديم أي تنازلات للمؤتمر في ولاية أتار براديش.
سيرة مذهلة
وتعد سيرة كوماري الذاتية مذهلة. فقد تغلبت على كونها امرأة ومن الطبقة الدنيا للفوز بالسلطة في ولايتها، وممارسة تأثير كبير على المستوى الوطني. ترعرعت، وهي ابنة كاتب بسيط في الحكومة، في أزقة الأحياء الفقيرة في أتار براديش، وعاشت حياتها بين طبقة «المنبوذين»، وتنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن جيرانها أنها كانت محرومة من صنبور المياه، لانتمائها إلى تلك الطبقة، وكثيراً ما دخلت في عراك مع الآخرين، وكان يتفادى الناس الدخول في جدال معها.
عملت أستاذة في مدرسة، قبل أن تبدأ مهنتها السياسية في أتر براديش، متعهدة بإنهاء التمييز بين الطبقات. وفي أواخر الستينيات، وفي تمرد على التقاليد، هاجمت أحد رجال الطبقة العليا من حزب المؤتمر الهندي الحاكم، فلفتت انتباه الناشط كانشي رام، الذي أقنعها بالانضمام إليه، وحزبه الذي أسسه عام 1984، «باهوجان ساماج» أو «شعب الأكثرية»، والتسمية تشير إلى كل من ليس ضمن الطبقة العليا، الذين تصفهم أدبيات الحزب بالظالمين الاستغلاليين. الحزب جذب طبقة جديدة متعلمة من «الداليت»، وبحلول 1989، فازت ماياواتي بمقعد في الجمعية الوطنية. وفي عام 1995، تمكنت بفعل تحالفات تكتيكية من تولي منصب رئيسة وزراء ولاية أتار براديش، وكانت أصغر سياسي هندي يتولى المنصب بعمر 39 عاماً، وقد وُصف صعودها بـ «معجزة الديمقراطية». وسوف تتولى رئاسة الحزب عام 2003، ويفوز حزبها بشكل ساحق في تلك الولاية الكبرى عام 2007.
وقد انتخبت ماياواتي عضواً في مجلس الشعب في ثلاث مناسبات، ومجلس «الشيوخ» ثلاث مرات، حيث استقالت عام 2017، بعد أن منعت من إلقاء خطاب مرتجل دفاعاً عن سوء معاملة الداليت.
خلال تسلمها رئاسة وزارة أتار براديش، كانت صارمة بشكل خاص في مجال تطبيق النظام والقانون، وقامت باعتقال زعماء الجريمة المنظمة، وفرضت قوانين ضد العنف القائم على الطبقات، وعمدت إلى بناء البنى التحتية. ومن عمل معها وصفها تكتيكاتها بالفجة، لكنها كانت فعالة على ما يبدو، يقول المحللون، فقد طرح اسمها كرئيسة وزراء محتملة للهند عام 2009.
ويقال إنها تعتمد على بعض المساعدين، لكن الكلمة الفصل لها. وقد وصفها المؤرخ السياسي راما تشاندرا غوها: «تعتقد أن الجميع يريد الانقضاض عليها، لكن بإمكانها التغلب عليهم».
أبرز ما خلفته وراءها، هي تلك النصب التذكارية التي قامت ببنائها لزعماء الداليت، بما في ذلك تمثال بطول 15 متراً يجسد صورتها، وهو ما رآه البعض إنفاقاً للمال في غير محله، لكنها تقول إنه رمز لفخر «الداليت».
إسراف وهدر
لكن مسارها الملهم، لم يكن خالياً من الفضائح واتهامات بالفساد. فقد جمعت ثروة كبيرة تنسبها غالباً إلى التبرعات السياسية، تشمل عقارات وحسابات بنكية وطائرات ومروحيات. وكانت أعياد ميلادها مناسبات إعلامية، حيث تظهر مزدانة بالألماس، وأفادت برقية مسربة للسفارة الأمريكية أنها أرسلت طائرة لجلب زوج صنادل من مومباي، وهو ما نفته. وكان مشروع لتجميع المناطق حول تاج محل، انتهى بدعوى فساد ضدها، وصلت إلى المحكمة العليا.
بعد توليها الحزب، شرعت في استراتيجية سياسية، شملت البرهمانيون من الطبقة العليا، وقد أذهلت الأمة عام 2007، عندما فازت بالغالبية في أكبر ولاية بالدولة، بتحالف سياسي دمج الأصوات من أعلى وأسفل هرم نظام الطبقات الهندوسي. قالت في إحدى المقابلات النادرة: «أفضل أن يعرفني الناس كزعيمة لكل المجتمعات، ففي كل مجتمع، هناك شعب فقير وعاطلون عن العمل».
وعلى الرغم من مغازلة ماياواتي للطبقات العليا، وإسرافها ومزاعم الفساد، بقي «الداليت» والطبقات الدنيا مخلصين لها. فحيث راى البعض براعة في تشكيل تحالفات، رأى آخرون تكتيكات غير مبدئية. يقول الباحث إس بي باندي «إنها دخلت في تحالف مع حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ثلاث مرات، وخاضت الانتخابات في إحدى المرات كحليفة لحزب المؤتمر الهندي»، مضيفاً: «استخدمت التحالفات من أجل صعودها بسبب طبيعة الأحجية في السياسة الهندية».
يعتقد المحللان بيبهوداتا براهان وشتروتي سريفاستافا في مقال في «بلومبرغ»، أنها قد تكون مفتاح هزيمة بهاراتيا جاناتا، ففي ظل زيادة التوترات الطائفية التي تؤدي إلى وحدة الداليت، فإن قوة هامة كانت تتشكل من نسبة 16.6 % من السكان.
من جهته، يقول اجوي بوس، كاتب سيرتها الذاتية: «استعادت ماياواتي الأرضية»، وهذا تحول كبير في حظوظها السياسية منذ الهزيمة التي لحقت بحزبها و«حزب ساماجوادي»، على يد مودي في الانتخابات العامة عام 2014. وكان حزبها قد شهد أسوأ أداء له في مارس 2017، في انتخابات مجلس ولاية أتر برديش.
ماياواتي كانت تحاول توسيع تحالفاتها، ويقول كونوار دانيش علي زعيم جاناتا دال (العلماني)، عن تحالف حزبه مع حزبها، بوهاجان ساماج: «حزب ماياواتي الوحيد الذي له وجود في عموم الهند، عندما تتحدث عن تحالف، فهو يشكل قوة هائلة».
من جهته، يرى بدري ناريان، أستاذ في الأهاباد، أن «قضايا الداليت ستكون واحدة من العوامل الرئيسة في انتخابات 2019»، مضيفاً: «هذه لحظة مناسبة لماياواتي للتفاوض على المنصب الأعلى». وهي حاولت عقد تحالف بين الداليت والمسلمين قبل الانتخابات.
هاجمت رئيس وزراء الهند نارندرا مودي أخيراً، خلال حشد انتخابي، وقالت: «ساعد الأثرياء على كسب المزيد من الثروات خلال سنوات حكمه، وعندما أدرك أنه فشل، استخدم حادثة العملية الانتحارية ضد القافلة شبه العسكرية الهندية في كشمير لكسب الناخبين».
تأمل ماياواتي أن يحقق تحالفها مع حزب «ساماجوادي»، في جمع أصوات الطبقات الدنيا، والفوز بـ 50 مقعداً، لوقف تقدم بهاراتيا جاناتا. أما المؤتمر، فيخوض الانتخابات من تلقاء نفسه في أتار براديش، وهناك قلق أن يقسم الأصوات.
وقد قررت عدم خوض انتخابات مجلس الشعب أخيراً، قائلة إنها سوف تركز على دعم التحالف الذي شكلته في مواجهة حزب بهارتيا جاناتا الحاكم، مع حزبي «ساماجوادي» و«راشتريا لوك دال». لكن في توضيح لموقفها على توتير، أبقت خيار التنافس لاحقاً، قائلة إن «بإمكانها أن تفوز بالانتخابات متى شاءت، فهي أصبحت رئيسة وزراء ولاية أتار براديش لأول مرة عام 1995، دون أن تكون عضواً في المجلس».