ماذا عن العرب عندما يجتمع ترمب وروحاني؟!

أيّ تصادمٍ عسكريٍّ سيكون كارثيّاً على الخليج والشرق الأوسط، وأنّه لا رغبةَ للطرفَين فيه، أو قدرة على تحمّل نتائجه.

تحليلات 13:00 05.08.2018

تقديري أنّ إيرانَ تناورُ جيّداً، وتجتهدُ لتفادي خَسارة المعركة مع ترمب، إيرانُ تُمارس السياسةَ بكثيرٍ من الدّهاء والخبرة المُكتسبة طوالَ عقودٍ من المصاعب والأزمات التي تمرُّ بها منذُ تأسّس نظامُها الحالي بعد إطاحة الشاه عام 1979، فهي تخوضُ وعلى جبهاتٍ عدّةٍ، معاركَ سياسيةً عنيفةً، وحروباً عسكريّةً شرسةً، وهي تعرّضت لعقوباتٍ أمميةٍ قاسيةٍ، ولا تزال مُحاصرةً بعقوباتٍ أمريكيّةٍ ستقومُ إدارة ترمب بتشديدها خلال يومَين كخُطوة مُترتّبة على الانسحاب من الاتّفاق النوويّ.

إيران - أمريكا.. هل العداء حقيقيّ؟

ورُغم ما هو ظاهرٌ من عداءٍ طويلٍ وحادٍّ بين نظام ولاية الفقيه في إيرانَ، وبين أمريكا إلا أنّ القَبول بوجود عداءٍ جوهريٍّ بين البلدَين تُحيط به الشكوكُ، فالإداراتُ الأمريكيةُ المتعاقبةُ لم تقتربْ من هذا النّظام للتأثير فيه بهدف تغييره خلال 39 عاماً، هي عمرُه في السّلطة حتّى الآن، ولم تهدّده جديّاً في أيّ يوم من الأيّام باستثناء المعارك الكلاميّة، وكلّ التّصريحات الأمريكيّة في هذا الشأن لا تتحدّث عن المسّ بالنّظام، أو إسقاطه، إنّما فقط تعديل سلوكِه ليكونَ -حسب واشنطن- عاملَ استقرارٍ في المنطقة، ومنعه من التدخُّل في شؤون دولِها، خاصةً حلفاءَها في الخليج، ودفعه للتوقّف عن العدوانيّة والتحريض ضدّ أمريكا ومصالحها وضدّ حليفها الإسرائيليّ الوثيق، ولجْم حزب الله في لبنان عن استفزاز وتهديد إسرائيل، وهو أحدُ أذرعِها العسكريّة في المنطقة.
هذه هي مضامينُ التّصريحات الرسميّة الأمريكيّة منذُ بوش الابن، ثمّ أوباما، واليوم أيضاً مع ترمب الذي رفع فقط وتيرةَ الهجمات الكلاميّة، لكن لا أحدَ في العالم يأخذُ على محمل الجِدِّ أنْ يترجمَ كلامَه إلى فعلٍ عسكريٍّ مثلاً، فالخبرةُ المتوفرةُ منذُ سنواتٍ طويلةٍ من العداء الظاهر، أنّ أيّ تصادمٍ عسكريٍّ سيكون كارثيّاً على الخليج والشرق الأوسط، وأنّه لا رغبةَ للطرفَين فيه، أو قدرة على تحمّل نتائجه، لذلك هو مُستبعد، وهنا على خصوم إيرانَ من العرب، ألّا ينخدعوا بالخطاب السياسيّ الأمريكيّ العنيف ضدّ طهرانَ، إنّما عليهم - والحديث هنا مُوجّه للعرب جميعاً - إعمالُ عقولِهم في كيفيّة التّعامل مع قوّة إقليميّة لا يُستهان بها مهما كانت مُحاصرة، تعاملٌ في السياق السياسيّ، وليس العسكريّ للتصدّي لمُخطّطاتها ومشروعاتها التي لا تعبأ بقواعدِ حسن الجوار، والروابط الرُّوحيّة، والمصالح المُشتركة.

مصالح أمريكا فوق حلفائها العرب!

حتّى نُدرك أنّ هناك حساباتٍ خاصةً بالولايات المُتّحدة غير معنية بالعرب كثيراً إنّما بمصالحها قبل كلّ شيء، ولو كان الأمرُ يتعلّق بإيرانَ، فإنّ ترمب يوم 23 يوليو/تموز الماضي كان حادّاً وهو يحذّر إيرانَ من مغبّة تهديد بلاده، قائلاً إنّها ستُواجه " تبعاتٍ لم تواجهْها إلا قلةٌ عبرَ التاريخ"، وذلك على خلفيّة استخفاف الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني به في اليوم السّابق عندما قال له: " لا تلعب بذيل الأسد، فالحربُ مع إيرانَ ستكون أمَّ الحروب"، ترمب الغاضب مثلما كان غاضباً بنفس الدّرجة من زعيم كوريا الشماليّة القصير والمجنون والرجل الصّاروخ - حسب وصفه له - ومُهدداً بنسف بلاده من الوجود إذا كرّر تهديده للولايات المُتّحدة عاد بعد أسبوعٍ واحدٍ فقط وتراجع بشكل سريع عن تهديداته، وعرض يوم 30 يوليو اللقاء مع قادة إيرانَ، وقتما أرادوا، ودون شروط مسبقة!

 ترمب الذي يصفُ إيرانَ بأنّها الدولةُ الراعيةُ للإرهاب العالميّ، ويضعُها مع كوريا الشماليّة على رأس قوى الشرّ في العالم، جلس مع الرئيس الكوريّ في سنغافورة، واعتبره صديقاً ورجلاً شجاعاً، واليوم يكرّر نفسَ سياسة الصّعود والهبوط المُفاجئ، ويدعو لقمّة مع قادة إيرانَ، ولو تمّت والتقى الرئيس روحاني فإنّه سيتحوّل عنده إلى زعيم شجاع أيضاً.

خذلان الحلفاء في الخليج

هكذا ترمب الذي لا يمكن السيطرة عليه من أركان إدارته، يُغيّرُ موقفَه بينَ عشيةٍ وضحاها، وينتقلُ من خانة العداء إلى خانة المُصافحات والمُفاوضات في لحظةٍ، والسؤالُ: أليس ذلك خذلاناً مريعاً لحلفائه المعروفين في الخليج الّذين يعوّلون عليه لدعم كِفتِهم وإسنادِهم في صراعهم مع إيرانَ؟، كيف لهم أنْ يضعوا بيضَهم كلَّه في سلّة مثل هذا الرّئيس الذي لا يعبأ بسخائهم معه مقابل أنْ يكونَ صقراً مع طهرانَ؟
وماذا يقول هؤلاء الحلفاءُ الآن لأنفسِهم؟، وماذا يقولون مع بعضِهم بعضاً بعد أنْ يجدوا أنفسهم ربّما خلال وقتٍ قريبٍ خارجَ اللعبة ويرون نصيرَهم الأمريكيَّ الأكبرَ يجلسُ في غرفةٍ مغلقةٍ مع عدوهم الإيرانيّ الأكبر؟
وهكذا يقعون مرةً أخرى فريسةً للعبة أمريكيّة مُفضّلة ومُكرّرة وهي عقدُ الصفقات وبناءُ المصالح دون اعتدادٍ بأنّ هذا صديقٌ وذاك عدوٌّ، فلا صديقَ دائماً ولا عدوَ  عند واشنطن، سواء أكان الرئيس جمهوريّاً أمْ ديمقراطيّاً، المهمّ أنْ تتجسّد البراغماتيّة الأمريكيّة في أعلى وأقبح صورِها، وفي النهاية يحصدُ الحلفاءُ مزيداً من العداوةِ والكراهيةِ والضّعفِ أمام الإيرانيّ الذي إنْ كان صادقاً في دعواته بأنّ حلَّ أزمات المنطقة يكون من خلال دولِها وبالحوار، وليس عبرَ الاستعانة بالأمريكيّ وأطراف أجنبية، تكون دعوات جديرة بالاهتمام والتفعيل.

الثلاثيّ الخليجيّ

 كيف سيكون حال الثلاثيّ الخليجيّ؛ السعودية والإمارات والبحرين فيما لو وافق الإيرانيّون الذين يقومون بتوزيع جيّد ومدروس للمواقف السياسيّة لهم ما بين التمنّع، والرفض المستتر، وفتح الباب بهدوءٍ على النّحو الذي نتابعُه حالياً بشأن دعوة ترمب لعقد قمّة معه، وصولاً لاتفاقٍ جديدٍ بشأن النوويّ يسدّ ثغراتٍ في الاتفاق السابق؟، والإيرانيّون رجالُ "بازار" محنّكون، والظروف التي توجد فيها إيرانُ جيوسياسيّاً واستراتيجياً تختلفُ عن ظروف الكوريّين.
فالإيرانيّون في وضعية أفضل تمكّنهم من التصادم اللفظيّ، والردّ على التهديدات بتهديداتٍ أشدَّ، ثمّ الانتقال إلى حالة أخرى من التوازن المحسوب، ثمّ التراجع الهادئ في اللغة والنبرة عندما يجدون خصمَهم المفترضَ يمدُّ الأيادي إليهم.

 هذه المرّة هل سيتكرّرُ مع البلدان الخليجيّة ما حدث مع أوباما الذي تجاهلَهم ومضى في التّواصل مع الإيرانيّين والتودّد إليهم عبرَ الرسائل في مُناسباتهم الوطنيّة والدينيّة، ومُحادثة روحاني هاتفيّاً، ثمّ المُفاوضات معهم، وتوّج ذلك بتوقيع الاتّفاق النوويّ في 2015؛ لأنّه بحساباتِه آنذاك وجد فيما يفعلُه مصلحةً أمريكيّةً وإسرائيليةً حتّى لو كانت تل أبيب غيرَ راضيةٍ تماماً عن مضمون الاتّفاق، لكنّها استفادت كثيراً بإيقاف أنشطة إيرانَ النوويّة، ووضعها تحت المُراقبة الدوليّة على عكس ضجيجها الحالي.
وبسبب هذا الاتّفاق ابتعدت دول الخليج الثلاث عن أوباما في نهاية رئاسته، ووجدت ضالتها في ترمب كمرشّح مُتماهٍ مع مُواقفها، لكنّه اليوم مستعدٌّ للاستدارة ليكون أوباما آخرَ، لكن في شكل مُختلف، فالمهمُّ عنده، كما كلّ رئيسٍ سابقٍ، مصالحُ بلادِه ومن ورائها إسرائيل، وليس مصالح حلفائه وأصدقائه من العرب.

العرب الخاسرون دوماً

كلّ القضايا التي يكون العرب أحد أطرافها يخرجون منها خاسرين، الكلّ يربح إلا هم، وإيرانُ أكثر الرابحين، ومكاسبُها عديدةٌ من وجود أمريكا في المنطقة عكس ما هو شائع، فقد استفادت من احتلالها لأفغانستانَ والعراقِ بإسقاط نظامَين خصمَين لها، طالبان وصدّام، وبات العراق في يديها، بجانب الوجود المُؤثّر في لبنان واليمن وسوريا، وقد ساهمت في إنقاذ حليفها الوثيق بشار الأسد من السقوط.
والمُؤكّد أنّ هذا وغيرَه من التغلغل في منطقة نفوذ لأمريكا تمّ في ظلّ وجودها بكامل قوّتها وعتادها دونَ أنْ تصدّ هذا التمددَ، بل غالباً تغضّ الطرفَ عنه، وتقبله في إطار ابتزاز العرب ونزح ثرواتِهم بورقة إيرانَ، وإشغال المنطقة في صراعاتٍ وحروبٍ أهليةٍ وإقليميةٍ وطائفيةٍ عدميةٍ لفائدة إسرائيل، راجعوا كمَّ الأموال التي حصل عليها ترمب خلال زمن قياسيّ من الخليج، وكمّ التنازلات السياسيّة من العرب في فلسطين القضية القوميّة العربيّة الكُبرى.

لماذا لا تكون إيرانُ قوّة بناء؟

تنتصرُ إيرانُ على الجبهات المفتوحة، وهي انتصاراتٌ على الدم العربيّ، والكيان العربيّ، انتصارات الدمار والخراب، وما يجعلها تنتصر ليس قوتها، إنّما ضعف وتشتّت العرب، وتحوّلهم إلى أعداء أشداءَ لبعضهم بعضاً، يتصارعون ويقتتلون فيما بينهم، ويقمعون شعوبَهم، لهذا تكون قدرتُهم شبهَ معدومةٍ في مُواجهة أيّ طرف يستهدفهم.

تقديري أنّ إيرانَ ستتجاوبُ مع الدعوة الأمريكيّة لتهدئة الجبهة المفتوحة مع واشنطن، واحتواء أوضاعها الداخليّة المأزومة بشدّة اقتصادياً، ومُحاولة تخفيف آثار العقوبات الأمريكيّة عليها، وآثار ضغوط ترمب على العالم والشركات الكُبرى لقطع التعامل معها، وعدم شراء النّفط منها.
إيرانُ داخلياً في حالة اهتزاز، الغضبُ والاحتقانُ الشعبيّ يبعثان برسائلَ خطيرةٍ عبرَ المُظاهرات والاعتصامات، الاحتجاجات قد تهدّد النظامَ جديّاً في مرّةٍ قادمةٍ، من مصلحة إيرانَ الأكيدة أنْ تكونَ قوةَ بناءٍ، لا قوةَ تدميرٍ في الشرق الأوسط.

عن الكاتب

طه خليفة
كاتب وصحفي مصري، وعضو نقابة الصحفيين المصريين، وكاتب بالعديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، وشغل موقع مدير تحرير جريدة "الأحرار" المصرية.
 
 
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار