«القدس العربي» : رغم أن ليبيا تعيش منذ اتفاق باريس حركية سياسية واجتماعية متنامية في ظل الجدل القائم حول اجراء الانتخابات في نهاية العام الحالي من عدمه، وباعتبار أن الجميع لاحظ تراجع الفعل السياسي للسبتمبريين بعد أن تنامي وتطور دورهم السياسي بين سنتي 2015 و2017، فما هو مدى تأثيرهم الحالي والمستقبلي وما هي فسيفساء تياراتهم وهل هم وحدة متكاملة، وأي مستقبل لتلك التيارات أفرادا وتيارات وتنظيمات؟
لم يكن أنصار القذافي يوما وحدة متكاملة لطبيعة تطور وتشكل الدولة العميقة في ليبيا والتي كان القذافي نفسه متوجسا منها ويعي كنهها وأهمية أدوارها، ولكن ومع انطلاق شرارة الأحداث في شباط/ فبراير 2011 تغيرت موازين القُوى عبر الانصهارات والاصطفافات وتعدد الانشقاقات في تركيبة القوى المؤثرة للنظام وتفكك قواه المؤثرة في الخارج والتي تحولت الى أدوات فردية للخلاص او لترتيب الاجندات المستقبلية عبر التموقع الصامت في العاصمتين التونسية والمصرية وفي عدد من العواصم الأوروبية.
ولكن مع سقوط النظام تمت المسارعة إلى ترتيب الأوراق غبر ملامسة مسار التطورات الإقليمية، ومع بداية 2012 تم تشكيل قوى نخبوية في تونس والقاهرة لعبت أدوارا مُهمة ورئيسية في تطورات الاحداث في بلدان الربيع العربي ومع سقوط مرسي في مصر في بداية حزيران/يوليو 2013، تغيرت المعطيات وأصبح لأنصار القذافي طموحات متنامية وطمحت بعض مكوناتهم في تصفية ثورة فبراير وتم إحياء العديد من الارتباطات السابقة في الخارج وخاصة في افريقيا وفي عدد من العواصم العربية وفي تنمية التواجد البشري في المنطقة الغربية من ليبيا بعد فرار أغلبهم عشية موت القذافي، وهنا حدث تباين موضوعي بين تيارين، تيار أول يؤمن أن نظام القذافي انتهى موضوعيا ولن يعود وأنه من المستحسن تشكيل تيار وطني يستفيد من تقييم مسيرة العقود الماضية، بينما يؤمن التيار الثاني أنه لابد من إعادة مسرح الاحداث للخلف عير ركوب موجة الثورات المضادة العربية.
وقد وجد أنصار القذافي في منتصف 2014، أملا في العودة من بعيد عبر دعمهم الخلفي للواء المتقاعد خليفة حفتر بشكل مؤقت في انتظار تطور الاحداث والذي اعتمد على ضباط سابقين ذوي خبرة استراتيجية وتكتيكية وهو ما ساهم في السيطرة عسكريا على بنغازي وإن بعد ثلاث سنوات، وبفضل السبتمبريين استطاع ضم برلمان وحكومة طبرق لإملاءاته وأهوائه وذلك عبر توظيفه شعُور أنصار القذافي بالهزيمة وخاصة المتمركزين في تونس ومصر، وهم الذين مكثوا في البداية ينتظرون وعن قرب يراقبون ويتربصون، ثم وجدوا في ظهور الخلاف داخل تيار فبراير متنفسا لهم، وخاصة في ظل عودة قنوات إعلامية محسوبة عليهم فتواصلوا معها فمولوها وخدمتهم تواصليا عبر ترذيل تيار وثورة فبراير، ثم أعلنوا لاحقا عن بعض التنظيمات السياسية على غرار:
- «الجبهة الشعبية»، وهو تنظيم اختار سيف الإسلام القذافي زعيما له منذ كان في الأسر، ورغم أن وضعه الصحي يُعيقه عمليا في لعب دور سياسي وسيكتفي حسب البعض الآخر بالتوجيه ودعم المصالحة الوطنية المرجوة.
- «حركة النضال الوطني»، وهو فصيل يدعمه أحمد قذاف الدم، المقيم في مصر، ويلتف حوله الكثير من أنصار القذافي وخاصة من الضباط السابقين في جهاز الأمن الخارجي.
«جبهة الخلاص الوطني»، وهو فصيل تدعمه عائشة القذافي وبقايا تنظيم اللجان الثورية.
والحقيقة أن هذه التنظيمات مجرد واجهات للوبيات مال وعلاقات خارجية ممتدة ومبنية منذ سنوات عبر مصالح وخدمات قديمة وجديدة وأيضا عبر امكانيات لوجستية، واضافة لذلك لابد من التأكيد أن أنصار القذافي والمنقسمون على أنفسهم يخلطون بين السياسي والقبلي حتى أنهم قبل تأسيس التنظيمات الثلاث ركبوا موجة دعم ما يسمى بمؤتمر القبائل والمدن الليبية والذي يبدو ظاهريا أنه يشمل كل المدن والقبائل الليبية، ويخطئ من يعتقد أن أنصار القذافي وحدة متكاملة أو أنهم من الممكن أن يشكلوا حزبا سياسيا بالمعنى الكلاسيكي رغم تشكيلهم لتكتلات سياسية أخرى على غرار «الحراك من أجل ليبيا» أو «الحراك الوطني من أجل ليبيا» أو «الطريق الثالث» كما التحق بعضهم بتكتلات سياسية أهرى على غرار التكتل الوطني الديمقراطي (بقيادة علي الصلابي) أو «حراك نعم ليبيا» وبعضهم أسسوا تكتل سياسي باسم «تجمع الوحدة الوطنية» (من بينهم عبدالحفيظ الزليطني وسليمان الشحومي)، وهو تكتل يقوده محمد الشريف.
وبخصوص المستقبل السياسي لانصار القذافي فإن الطبيعة الأمنية والعسكرية والثقافية لهم تجعلهم في عداء فكري وسياسي مع بقية المكونات، ومع المنشقين على النظام سنة 2011 من ليبراليين واداريين وتكنوقراط، ولكن طبيعة التنوع قد تجعل البعض منهم قادرا على القبول بالمتغيرات وتفهم الواقع الجديد محليا وإقليميا، في علاقته بالإسلاميين والليبراليين ودفع بعض ذوي التوجهات الناصرية واليسارية الى الاستنجاد بالسبتمبريين لبناء أحزاب قوية وفاعلة، كما أن العديد منهم ممن لم تتعلق بهم قضايا وجرائم قد يجدون أنفسهم في أحزاب ليبرالية ووسطية بالأساس، على غرار «حركة نعم ليبيا».
المشهد السياسي الحالي معقد عمليا في طرابلس وأخطر في فزان، بينما لا توجد في برقة إمكانيات تذكر لأي مخرجات سياسية، وهو ما يعني أن مستقبل السبمتبريين مرتبط بقدرتهم على القبول بخيار التوافق والدفع نحوه والا فإنهم قد يخسرون كل شيء في اللحظة الحاسمة رغم أن بعضهم يعمل على خطط وبرامج على غرار استجلاب الروس لليبيا واستنساخ التجربة الروسية في سوريا، والثابت أنهم قد عادوا واستعادوا بعض مساحات بسبب إخفاقات تيار فبراير وتسامحيته الغرضية، إلا أن تواصل الانقسام الجذري بين الأفراد والتيارات داخلهم وطبيعة التكوين ووجود فريقين (الجذريين ـ الواقعيين) في قراءة التطورات وأيضا بين الرؤية المستقبلية وبين الحنين للماضي، سيجعل مستقبلهم غامض الملامح وأقرب للتشتت والقابلية للتوظيف من قبل قوى دولية واقليمية وبعض لوبيات في الداخل الليبي وحتى بعض أحزاب وبعض عسكريين ووزراء سواء حاليين أو سابقين.
أيّ موقع لأنصار القذافي في المشهد السياسي الليبي؟ علي عبداللطيف اللافي
DİGƏR XƏBƏRLƏR
Hamısıالأخبار اليومية