كثيرا ما تحدثنا عن ضرورة إصلاح الخطاب الدينى، ونادينا مؤسساتنا الدينية بالنهوض من جديد والقيام بدورها لمواجهة الفكر المتطرف وموجات العنف والإرهاب التى حصدت آلاف الضحايا الأبرياء من الشهداء والمصابين،ولم تفرق بين مدنى أو عسكرى، ولا بين أطفال وشباب ونساء ورجال، أو بين مسلم أو مسيحى، فالكل يتساقطون ضحايا للتطرف الدينى ورغم الجهود التى تبذلها قوات الجيش والشرطة فى مواجهة التكفيريين ، فان صناعة التطرف الدينى التى تغذى العنف والإرهاب، لم تجد حتى الآن إستراتيجية فكرية واضحة المعالم لمواجهة هذا الفكر المتشدد. وتراجعت المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية عن الساحة فملأت فراغها لعقود طويلة ونالت منها الجماعات المتشددة نصيبا
وإذا كان أهم عوامل النجاح وتحقيق الانتصار فى المواجهة مع جماعات العنف والإرهاب ان نعرف كيف يفكرون وأن نفهم منطلقاتهم ومرجعياتهم الفكرية التى يستقون منها أفكارهم المتطرفة التى تستبيح القتل والدماء باسم الدين، والطرق التى ينفذون من خلالها الى عقول الشباب، فسنحاول الوقوف على أسباب التطرف وآليات تفكيكه فإن المركز الدولي يؤكد أن أول أسباب الانحراف الفكرى والتطرف والتشدد هو أن الخطاب الدعوى فى واد وواقع الناس فى واد آخر، فلا يمس هذا الخطاب واقعهم من قريب أو بعيد، وليس هناك احتكاك بقطاعات الناس المختلفة أو لمس معاناتهم اليومية ووضع حلول لمعالجة مشاكلهم .فإننا نوضح أن التطرف ينشأ بين بعض فئات الشباب ، ونكشف الأسباب التى أدت لانحرافهم وانضمامهم لهذه التيارات المتطرفة، والسبل إلى التغلب على الأسباب التى أفضت إلى انحراف آلاف الشباب واتجاههم نحو الأفكار الضالة.فإننا نقول ، أنه يجب علينا أولا رسم خريطة لبيان حالة التطرف وبيئاته وأسبابه وطرق ووسائل علاجه، وذلك حتى نستطيع التكاتف والتعاون والتنسيق فى مواجهة الإرهابيين مواجهة صريحة وواضحة وحاسمة، وأن تكون المواجهة شاملة: فكرية، وثقافية، وعلمية، وتربوية، وأسرية وأمنية، مع قطع جميع الطرق المؤدية إلى الإرهاب من التعنت والتشدد والغلو ، وتبدأ المواجهة بالنظر فى كل ما يمكن أن يدعم أو «يصنع»الفكر المتطرف، سواء كانت جماعات دينية، أم تيارات .سياسية تتبنى العنف والاغتيال منهجا وطريقا للوصول إلى مآربها، أم جمعيات أهلية تخدم أجندات فكرية أو حزبية أو مذهبية أو طائفية، ففى مجال الدعوة سيطر الإسلام السياسي على المساجد
وكان لا بد أن تكون المساجد فى أيدى أهل العلم الحقيقيين المتخصصين الوطنيين دون سواهم ، كما ألحق بالمساجد معاهد لاعداد الدعاة والثقافة الإسلامية التابعة لبعض الجماعات والجمعيات، والتى شكلت خطرا كبيرا على تشكيل الفكر والوجدان، لما تحمله بعض مناهجها من تشدد، وبعضهم قد ينتمى إلى جماعات مشبوهة تورطت في تسفير الشباب إلى بؤر التوتر العراق، سوريا ،ليبيا،...
وعلى جانب آخر وجدنا أن الأمر يقتضى الحسم أيضا مع من يتبنى ثقافة التسيب والانحلال، لأن التحلل القيمى والأخلاقى والدعوة إلى التطاول على الثوابت والأخلاق والقيم والعمل على هدمها قنابل موقوتة كقنابل المتطرفين سواء بسواء، ولابد من التفرقة الواضحة بين الثابت والمتغير، بين البشرى والمقدس، فأكثر الجماعات المتطرفة تعطى كلام البشر نوعا من القداسة قد يصل لدى بعض عناصرها إلى مساواة قدسيته لكلام الخالق عز وجل، كوسيلة للسيطرة على عقولهم والتسليم المطلق لرأى مرشدهم، على أننا نفرق تفريقًا واضحًا لا لبس فيه بين إنزال الناس منازلهم وإكرام العلماء ، وبين تقديس البشر أو محاولة تقديسهم أو إضفاء هالة من التقديس عليهم، وتصوير نقد كلامهم على أنه نقد للإسلام وطعن فى فهم صحيح الكتاب والسنة، مع أن كل البشر بعد المعصوم صلى الله عليه وسلم يؤخذ منهم ويرد عليهم فى ضوء أدب الحوار ومراعاة أصوله، ولذا7 نؤكد دائما أن مؤسساتنا الدينية ليست مؤسسات كهنوتية ولا ينبغى أن تكون أو تقترب من ذلك ، ، فمهمتها البيان لا الحساب.
الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي