التحديات المعاصرة. ....وأزمة تحديث الفكر الإسلامي حصري

قراءة في أزمة العقل الإسلامي

تحليلات 09:00 20.11.2018

بقلم رئس المركزالدولي لحوار الحضارات الشيخ لطفي الشندرلي

تعيش الأمة العربية والإسلامية -اليوم- أسوأ لحظاتها التاريخية منذ نشوئها؛ إذ تعاني من أزمات في مفاصل شتى من المعاصرة؛ وتقف في نهاية سلم الإبداع والتقدم والتنمية؛ علاوة على هزائم عسكرية؛ وحروب أهلية، وفشل في التنمية والرقي.
والسؤال: ما الذي أوصلنا إلى هذا الدرك والتراجع الفكري والتخلف الحضاري؟ لا شك في أن هناك عوامل ذاتية وأخرى موضوعية؛ وسأكتب -اليوم- عن الذاتي. أما الموضوعي، فهو نتيجة من نتائج الذاتي. أعتقد أن ذلك يعود إلى اعتمادنا واستسلامنا لأنموذج القرن الثالث الهجري، وهيمنته على منهجية التفكير الإسلامي المعاصر؛ وعدّه الأنموذج الأمثل، والمرجع، لنا في مواجهة أزماتنا؛ وهذا خلل. صحيح أن ذلك العصر هو العصر الذهبي إسلاميًا؛ ولكن أن نجعل أدواته المثال في كل مقاربة لأزمة نواجهها؛ هنا يكون الخلل! وهذا ما دفع كل مَنْ جاء بعد ذلك العصر ليقلد نمطه في التعاطي مع أزماته؛ ويقيس عليه، متجاهلًا الفارق التاريخي بين شروط ذلك العصر وعصره؛ وأدوات ذلك العصر وأدواته.
طرق المعالجة والفهم كانت صالحة لزمانهم؛ ومجيبة عن أسئلة ملحة واجهتهم؛ ولكن المشكلة بمَنْ عدّ تلك الصياغة والمنهجية هي المعنى الحقيقي والوحيد للإسلام، وأن أي خروج عنه خروج عن الدين ومروق منه، وهذا ليس صحيحًا.
أولئك الأئمة كانوا عمالقة ومعاصرين حقيقيين لواقعهم؛ فحلوا كل المشكلات التي واجهتهم؛ ونجحوا بامتياز؛ فاستحقوا تلك الرمزية التاريخية؛ ولكن استحضار حلولهم وأقوالهم كأدوية لعللنا؛ يُعدّ خللًا كبيرًا، أوصلنا إلى ما نحن فيه، وشفاؤنا ودواؤنا لا وجود له في صيدلياتهم.إنَّ تحديات عصرهم ليست كتحديات عصرنا؛ فـ “تحدياتهم كانت تتعلق بعالَم الغيب، وتحدياتنا بعالَم الشهادة”؛ تحدياتهم كانت معرفية لفهم السماء والإله؟
جاءت نتيجة اختلاطهم بالفكر اليوناني التجريدي، والهندي العرفاني، والفارسي التأويلي؛ فأوجدوا الإجابات المتحدية للعقل العربي آنذاك.أما نحن، فالتحديات التي تواجهنا مختلفة تمامًا؛ فهي متعلقة بعالم الشهادة، لدينا تحديات في التنمية وحقوق الإنسان وفهم وظيفة المجتمع المدني، وعلاقة الدين بالسياسة، والحرية بمفهومها المعاصر، وصولًا إلى الديمقراطية، كمبدأ في معالجة الخلافات السياسية، وثقافة للتعامل في ما بيننا؛ ووسيلة ووظيفة لوأد الاستبداد المعشعش في بلداننا.
في عصرهم دخلت الثقافة اليونانية مدار البحث، وولدت العلاقة مع المجتمع الهندي العرفاني والفارسي التأويلي أسئلة مهمة في العقيدة. لما وصلوا الهند اصطدموا بمفهوم “وحدة الوجود”، وكان ذلك خطرًا على العقيدة، ففندوه؛ وفرقوا بينه وبين وحدة الشهود، وفي تلاقحهم مع التجريدية اليونانية؛ واجهتهم أسئلة في كيفية الذات الإلهية فأجابوا عنها؛ ولما اتصلوا مع الفرس، ظهر المعنى الظاهر والباطن للنص؛ فتصدوا له؛ وكانوا متميزين في الذّود عن الدين والاعتقاد؛ مقنعين لمجتمعهم؛ ووضعوا منهجًا للمعرفة، كان البلسم لتحديات عصرهم؛ حتى لا يتورط المسلمون في هرطقات وسفسطات هندية أو يونانية أو فارسية؛ وتمثل منهجهم المعرفي باعتماد القرآن الكريم على فهم السلف الصالح؛ والحديث الصحيح؛ وتقديم النقل على العقل من خلال اللغة العربية؛ فكان ذلك سدًا لذريعة تغلل تلك الهرطقات والسفسطات.
حتى هنا لا مشكلة.ولكنّ مقلديهم وقعوا في خطأ منهجي؛ إذ اعتمدوا كل ما نتج عنهم في التطبيقات والهيئات والفروع ملزمًا لنا؛ وهذه الأشياء قائمة على العُرف والعادات، وليس الدين؛ ثم أعطوا تلك التفريعات منحى القدسية؛ وأصبح مجرد نقاشها زندقة ومروقًا من الدين؛ حتى غدونا ملزمين بزي معين؛ وهيئات محددة؛ بحجة المحافظة على السُنة وتحريم تقليد الآخر، كما جعلوا منهجهم في المعرفة والمواجهة والفهم؛ منهجًا لازمًا لنا؛ حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ بحيث لا يجوز الخروج عنه.حتى السلفية المعاصرة التي ترفض التقليد المذهبي ظاهرًا؛ غدت مقلدة بشكل كامل، فابن تيمية اجتهد لعصره لا لعصرنا.
إنّ عصرنا وتحدياته ومشكلاته تختلف تمامًا عن أزمات وأسئلة ومشكلات عصرهم، ولذلك؛ كل ممانعة للعلمانية ممانعة فاشلة؛ لأنك تواجه العصر الحديث بأدوات ومنهجية مضى عليها ألف سنة؛ وكل رفض للديمقراطية على أنها شرك، هو شرعنة للاستبداد.لدينا مشكلات حقيقية، لا عقاقير لها في صيدليات السلف (مع محبتنا لهم )، مشكلاتنا عناوينها واضحة؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والحرية والمجتمع المدني والتنمية. هذه لا وجود لها في زمانهم وهذا ليس عيبًا فيهم؛ إنما عيب علينا؛ إذ إننا نبحث في المكان الخطأ.
لذلك نحن نعيش بعقلية محافظة ترفض المعاصرة؛ ولا تعترف بشروطها ومصطلحاتها؛ مكتفية بنفيها وتبديعها ورفضها؛ فرفض الديمقراطية يعني استمرار زواج المتعة مع الاستبداد؛ وليس القول بأن المجتمع المدني بدعة يكفي لإلغائه وانتفاء الحاجة إليه؛ وليس عدّ الحرية تحللًا كاٍف لمنع المطالبة بها؛ ولا الأممية بديل عن المواطنة في ظل تطور شكل الدولة؛ فلكل زمان دولة ومفكرون، وعلينا أن نعي تحدياتنا؛ لنضع لها سبل العلاج من خلال الواقعية والعقلانية وقانون حركة التاريخ، أما إن بقينا على ما نحن عليه؛ فمصيرنا أن نبقى خارج الحراك الحضاري، متخاصمين مع المعاصرة، وفاشلين في القدرة على التعايش معها.
إن العقل الإسلامي أمامه تحديات حقيقية يحتاجها المجتمع؛ كحاجته للتدين؛ وربما أكثر. هناك تحدي مفهوم المواطنة في ظل تعدد المكونات، وهناك تحدي حقوق الإنسان في ظل رقابة المنظمات الحقوقية على المجتمعات، وهناك مبادئ وثقافة الديمقراطية في السلوك السياسي،وهناك المجتمع المدني ومؤسساته، وهناك العلاقات الدولية التي يقف منها مفهوم الولاء والبراء معاديًا، وهناك تسلط وكهنوتية “رجال الدين)” على الإبداع ومنعه، وهناك العلمانية بمعناها الحيادي وليس بمعنى معاداتها التدين، هذه تحديات وغيرها كثير، تواجه العقل والفكر الإسلامي، عليه الإجابة عنها بوضوح وشفافية، وإلا فإن مصيرنا خارج حركة المجتمع، إما محاربون له؛ لتبقى دورة التكفير والدماء والقتل والتفجير دائرة، وإما اعتزال المجتمع والعيش على هامش الفعل الاجتماعي والسياسي. إنها تحديات إنسانية الطابع؛ لا تقف حقيقة الدين ضدها؛ ولكن بعض العقول المتأسلمة تعاندها؛ وهي بذلك تعاند صيرورة اجتماعية حقوقية سياسية إنسانية؛ لن تستطيع هزيمتها.

رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات

الشيخ الزيتوني لطفي. الشندرلي

 

 

الشيخ علي جمعة يحذر العالم من خطر يأجوج ومأجوج القادم من أرمينيا

أحدث الأخبار

تدشين اتحاد عمال مستقل في مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
18:30 28.03.2024
هل يتم التوقيع على اتفاقية سلام بين أذربيجان وأرمينيا؟
17:33 28.03.2024
إلمان مصطفى زاده: لا يمكن المساس بكرامة الأذربيجانيين
16:12 28.03.2024
علي ناغيف: فرنسا تحرض أرمينيا على حرب جديدة
16:02 28.03.2024
وساطة أفريقية لحل الصراع المسلح في الكونغو الديمقراطية
13:45 28.03.2024
المعارض ديوماي يفوز بانتخابات الرئاسة السنغالية
13:30 28.03.2024
قائد كتائب القسام يحث العرب والمسلمين على الزحف نحو فلسطين
13:15 28.03.2024
هل تبدأ الحرب العالمية الثالثة ؟
12:53 28.03.2024
حالة من الفوضي تعم مطار باريس
12:28 28.03.2024
مستقبلات إسرائيل على ضوء الحرب الراهنة
12:15 28.03.2024
وكالة الإغاثة التركية تقدم سفينتين لنقل المساعدات مباشرة إلى غزة
12:00 28.03.2024
ذكري تأسيس الأجهزة الأمنية في أذربيجان
11:53 28.03.2024
واشنطن لا تدعم مشروع خط أنابيب الغاز بين باكستان وإيران
11:45 28.03.2024
مؤسسة دولية تتوقع انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار بنهاية 2024
11:30 28.03.2024
مصر: مفاوضات سد النهضة استنزاف للوقت.. وإثيوبيا ستدفع الثمن
11:15 28.03.2024
محطة الضبعة النووية ستوفر لمصر 7.7 مليار متر مكعب غاز سنوياً
11:00 28.03.2024
رئيس الصين ينتقد الحواجز التكنولوجية خلال زيارة رئيس وزراء هولندا لبكين
10:45 28.03.2024
نشر معلومات جديدة عن الهجوم الإرهابي في روسيا
10:34 28.03.2024
رياح الجنوب تحمل الرمال الساخنة إلى جنوب شرق أوروبا
10:30 28.03.2024
آيرلندا تعتزم التدخل في قضية الإبادة المرفوعة ضد إسرائيل
10:15 28.03.2024
الفلبين تؤكد الإفراج عن طاقم ناقلة نفط محتجزة في إيران
10:00 28.03.2024
العراق يبرم اتفاقا لتوريد الغاز مع إيران لمدة 5 سنوات
09:45 28.03.2024
إسرائيل استهدفت 212 في غزة مدرسة بشكل مباشر
09:30 28.03.2024
أردوغان نبذل قصارى جهدنا لينعم إخواننا في غزة بالسلام
09:15 28.03.2024
ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 32 ألفا و490 شهيدا وأكثر من 74 ألف إصابة
09:00 28.03.2024
بيتر ثيس: أذربيجان أصبحت شريكًا مهمًا للناتو بعد الحرب الأوكرانية
18:30 27.03.2024
توفيق عباسوف: أرمينيا تسعي إلي دعم التوجهات المناهضة لأذربيجان في جورجيا
17:38 27.03.2024
الولايات المتحدة تفرض عقوبات علي الصين
16:09 27.03.2024
تواصل ردود الفعل على اتفاق جوجل وإسرائيل
16:03 27.03.2024
هجوم سيبراني صيني يضرب المملكة المتحدة ونيوزيلندا
15:06 27.03.2024
أوكرانيا وبولندا تكملان عقد المتأهلين إلى نهائيات يورو 2024
14:59 27.03.2024
من التالي بعد هجوم موسكو؟
14:07 27.03.2024
تحذير من رئيس صربيا بشأن خطر محتمل قد يعم البلاد
13:30 27.03.2024
ذكري وفاة أول رئيس جمهورية لأذربيجان
ذكري وفاة أول رئيس جمهورية لأذربيجان
13:23 27.03.2024
خبراء ينجحون في إذابة الثلج من على عدسة تليسكوب إقليدس
10:30 27.03.2024
الهجرة تتسبب بهلاك أو اختفاء أكثر من 63 ألف شخص في العقد الماضي
10:15 27.03.2024
هنية يلتقي عبد اللهيان في طهران... ويؤكد إسرائيل فشلت بتحقيق أهدافها
10:00 27.03.2024
الكاكاو يكسر حاجز الـ10 آلاف دولار للطن عالميا
09:45 27.03.2024
السعودية تستهدف دخول قائمة أكبر 10 دول في مجال السياحة
09:30 27.03.2024
الأزمة الطبية في مستشفيات قطاع غزة وصلت لمستوى لا يمكن تصوره
09:15 27.03.2024
جميع الأخبار