الدكتور سنان علي ديب:
الصراع بين الخير والشر تاريخي ولد مع وجود الإنسان وأزداد بتفوق الحالة الغريزية على العقلانية، و بالتالي الانحراف المتزايد عن المعايير الأخلاقية المقوننة أو المتوارثة ، وهذه الانحرافات تتواتر لتولد أخرى ككرة الثلج المتزايدة مع الوقت؛ ولكن خطورة هذه الانحرافات تزاد عندما تنظم و تقونن وتحمى بمختلف السبل والوسائل ليصبح الفساد هو العنوان وهو السائد وأمر واقع ويغدو كالسرطان الذي ينهك الجسد ويسلب الروح وبانتظار إعلان الموت بعد الموت السريري..
وللأسف رغما من عالمية ظاهرة الفساد عبر ظواهر محددة إلا أن العمل المنظم لإفساد الدول النامية كان أحد أهم أهداف الاستعمار الجديد تحت غطاء وستار العولمة لتفريغ البلدان من ممانعتها ومقاومتها وإفقادها هويتها وتجذر مواطنيها لبث الفوضى و تدمير كامل للبنى وللحجر والبشر وليكون مفعول الفساد أقوى من النووي و الإحاطة به عبر العمل الجاد وعبر العلاجات الصحيحة ضرورة وحاجة اساسية لتفريغ انعكاساته ،وهكذا لم يكن الفساد بحجمه الهائل وليد الظروف الطبيعية المحلية للبلدان وإنما صناعة إستراتيجية عبر منظمات ومنظومات ومنها ما اخذ شكل الديمقراطية والأنسنة وعبر ادوات ولائها وتبعيتها لصناعها و داعميها ،ورغما اختلاف النظرة له بحسب العادات و التقاليد، ولكن يبقى التعريف الأعم تجاوز القوانيين والمنظومة القيمية والأخلاقية المسيطرة .
وبذلك فإن موضوع الفساد موضوع إشكالي وكبير بمختلف انواعه المالي والمادي والأخلاقي وإن أي ظواهر فساد تتناسب طردا مع التأزم الأخلاقي بالمجامع وخاصة فيما مر على بلدنا فالأزمة الأخلاقية ذات العلاقة المتعاكسة الطردية مع الفساد ظاهرة للعيان و رائحتها النتنة منتشرة في فضائنا،وطالما سلطنا الضوء وتكلمنا عن خطورة الفساد المسرطن لتنميتنا وجسمنا القوي الصلب وشخصناه بكافة ابعاده و اشكاله وأسبابه ومواطنه و طرق عولمته من دول المركز وتصديره لباقي الدول وحسب تقديرات اقرتها الحكومة اول الازمة كان حجم النهب والهدر قبل الأزمة مابين ٢٠و٤٠ بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وقد قدرت بالف مليار و كان الفساد أحد مدخلات الهجوم على بلدنا و تهشيم البنيان الصلب و جسر التحول البنيوي لقلب تركيبة المجتمع ما قبل الازمة والسياسات التي مورست بخروج علني وصريح عن النهج التنموي ومصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليكون اهم مظاهره إباحة أو تسهيل الفساد بانواعه الشتى ومباركة و تعيينات فاسدة عرفت اهدافها لاحقا وهو ما انعكس بشكل سلبي على مختلف نواحي التنمية الإقتصادية والإجتماعية و السياسية والثقافية وما ادى لهجرات مختلفة خارجية لكوادر و عقول مميزة و داخلية احاطت بالمدن وكانت ككومات القش التي قد تحترق بالنار بأي شرارة وصدر نخب غير عضوية مبرمجة أهدافها منبثقة عن شخوص بعيدة عن وطنية الولاء..
المهم دخلت بلادنا بأزمة كشفت النوايا ما بين الداخلي والخارجي لتتحول لحرب همها إيصال البلد للفشل و التعاطي بمشاريع مسبقة وكان الفساد احد ادوات الإرهاب الاقتصادي، متزامن مع الإرهاب العسكري وقد زاد الفساد اضعاف مضاعفة منه لظروف و تحكمات الأزمة ومنه لخيانة وارتباط مرتكبيه، من اللعب بالدولار لزيادة الأسعار لظهور أشكال جديدة من الفساد اخلاقية وقيمية ومادية ومالية هدفها عدم الحل واستمرارية الدم والدمار لارتباط استمرار مصالح فاعليها او مبرمجيهم بعدم الحل والاستقرار..وهنا يجب الانتباه أنه بالأزمات هناك قوانين خاصة واستثنائية و قد يغلب البعد غير الاقتصادي على القرار وقد يكون تغاضي عن تجاوز القوانين لأن الغالب الهدف الأكبر الحفاظ على الوطن و هو قد يكون مبرر لتأخر وصعوبة مواجهة الفساد وكانت أي نية أو إظهار بوادر بهذا الاتجاه كفيل بالتصعيد أو التسعير وقد يؤدي لدمار شامل وتحولنا لدولة فاشلة،ولكن تطورات البلد و وصول البلد لمرحلة التعافي جعل الظروف مواتية للسير بهذا المركب عبر حل وطني جامع ذو فاعلية ومردودية ومتوافق عليه فالقراءة البنيوية التاريخية الصحيحة تجعلنا نفكر بالإحاطة بالفساد للمعالجة التدريجية وقد نصل للحالة الصفرية و بالتالي منع تدريجي لحصول الفساد و هو الهدف الاول عبر التعيينات على اساس الكفاءة والنزاهة بعيدا عن الاعتبارات غير الوطنية وإن اضطررنا لتوازنات فلتكن الأكفأ والأكثر نزاهة وهذا لا يتم إلا عبر حكومة إصلاحية ذات صلاحيات واسعة وبرنامج وطني زمني واضح و تكون تحت رقابة واضحة ومحاسبة مستمرة بعد فترة زمنية معينة وقد يكون محاسبة البعض ممن تجاوز الحدود والأهداف الموضوعة رسالة او التعاطي بقوة مع بعض التجاوزات كسرقة الكهرباء أو تجاوز الأسعار كبداية ولكن بعد الإعلان الصريح عنها وعن عقوباتها ..والسير بهذه المواضيع وبهذه العقلية بتزامن البرنامج والمتابعة والمحاسبة كفيل بالتخفيف من الفساد والاستثمار الصحيح والأكفأ للموارد والتي حتما ستنعكس على مستوى معيشة المواطن عبر تخفيض الأسعار بعقلية تخفيض سعر الصرف واسعار الطاقة ..الفساد عنوان واضح للفوضى واداة من ادوات استمرار التأزيم وبالتالي قوة القانون المنبثق عن الواقع اداة ستخفف منه وتحيط بآثاره،باختصار تربينا وطمحنا وعملنا للمثالية الأفلاطونية ولكن الغاية الوطنية و تراكمات الواقع تجعلك تبحث عن العلاج الأنسب والقادر على إعادة الصحة والعافية ليعود الجسم معافى و تعود إنتاجيته وعافيته..الفساد قنابل ومفخخات يجب تقويضها و إنهاء مفعولها عبر حل وطني شامل.
Hashim Mammadov