الجاسوسة التي لقبها العرب "أم المؤمنين"!

تحليلات 13:00 02.01.2019

نسرين نعيم البرغوثي

                           نسرين  نعيم  البر غو ثي  كاتبة      

"غيرترود بيل" الإصدار الأنثوي لتوماس إدوارد لورنس (المعروف بلورنس العرب)، مهندس ما يعرف بالثورة العربية الكبرى. جاسوسة أهملها التاريخ لوقت طويل، رغم الدور الذي لعبته في التاريخ العربي الحديث عموماً، والتاريخ العراقي على وجه الخصوص. ولدت مس بيل، كما يناديها أصدقائها، في عام 1868 في انجلترا. وتخرجت بامتياز من قسم التاريخ في جامعة اوكسفورد. بعد أن أنهت دراستها، قضت مس بيل وقتها مثل الكثير من بنات الطبقة المخملية، في نهاية القرن التاسع عشر، ما بين حفلات الرقص والبحث عن "عريس" محتمل. إلا أنها لم تكن تشبههم تماماً، فقد كان للفتاة الشابة، بعض الاهتمامات غير المألوفة، حيث كانت تعشق تسلق الجبال، وما زالت هناك قمة تحمل اسمها إلى الآن في مقاطعة بيرن في سويسرا.


ثم تخلت عن عائلتها الارستقراطية لتشق طريقها نحو الشرق عشقها الأول. وتبدأ في لعب دورها المحوري الذي ساهم في جعل الشرق الأوسط كما نعرفه اليوم. والبداية كانت من بلاد فارس، فقد سافرت لتقيم مع عمتها زوجة السفير البريطاني في طهران. فكانت البوابة التي اجتازتها للعبور للشرق الأوسط. وكانت أيضاً المكان الذي قابلت فيه حبها الأول، الذي انتهى نهاية مأساوية بانتحار حبيبها، الذي كان يعمل في السفارة البريطانية هناك. وهذا ما دفعها لتبدأ رحلتها نحو الشرق وتعمل كعالمة آثار ومستكشفة.


بدأت رحلة الخاتون – كما لقبها العراقيون فيما بعد- في الشرق من بلاد الشام، تحديداً فلسطين وسوريا، وعايشت أهل المدن، واختلطت بهم وألَّفت كتاباً بعنوان سوريا: الصحراء، والذي يعد مرجعاً لدارسي تاريخ بلاد الشام. بعد ذلك اتجهت نحو حائل في الجزيرة العربية، وركبت الجمال عبر الصحراء وتعرفت إلى شيوخ القبائل، وأسست علاقات قوية معهم بفضل اتقانها للغة العربية.

الهدف المعلن لرحلتها كان الاستكشاف والبحث عن الاثار والتعرف على طريقة حياة الناس. لكن الهدف الحقيقي كان دراسة أوضاع دولة آل رشيد في الحجاز، والاتصال مع القبائل العربية، وإرسال تقييمها الشخصي لمستقبلهم كما تراه إلى الحكومة البريطانية. فساهمت تقاريرها في تشكيل جغرافيا المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيمها بين بريطانيا وفرنسا. كما ساعدت الحكومة البريطانية على الإطاحة بحكم آل رشيد، واستبدالهم بعبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة.


جاءت رحلة مس بيل للشرق الأوسط، في فترة انهيار الدولة العثمانية، والتفاف بريطانيا وفرنسا حولها لتقاسم الغنائم. حيث برز في هذه الفترة العرب كورقة رابحة أمام البريطانيين، للقضاء على ما تبقى من الدولة العثمانية المتهلهلة. فكان لمعرفة مس بيل باللغات العربية والفارسية والتركية، دوراً كبيراً في اختراقها للمجتمعات على المستويين الشعبوي والنخبوي.


كانت العراق المحطة الأخيرة والمفصلية في رحلة مس بيل في الشرق الأوسط، وصلتها لأول مرة عام 1909، ضمن بعثة أثرية قامت خلالها برسم الخرائط للمدن العراقية، وجمعت المعلومات عن العشائر التي مرت بها. بعد أن أرسلتها الحكومة البريطانية للقاء لورنس العرب في القاهرة، لمساعدته في تأسيس مكتب للمخابرات في القاهرة يتبع وزارة المستعمرات البريطانية. ثم عادت لتستقر في بغداد نهائياً عام 1914، للشروع بمهمة تتعلق بترتيبات اتفاق سايكس بيكو.


في العراق استطاعت مس بيل أن تتغلغل في المجتمع العراقي وتتقرب من صفوته وعامته على حدٍ سواء. واستخدمت جلسات النميمة النسائية في التعرُّف إلى عادات وثقافة المجتمع العراقي، وجمع المعلومات الاستخباراتية. استطاعت كسب حب الجميع في بغداد، لدرجة أن الأديب العراقي عبد المجيد الشاوي لقبها بأم المؤمنين! ولقبها عامة الشعب بالخاتون، نظراً لأناقتها واتباعها فنون الاتيكيت واختلافها عن النساء العراقيات في ذلك الوقت.


ورغم أن ماركس سايكس نعتها في يوم من الأيام بالبلهاء، والثرثارة، والمغرورة، والسطحية. ورغم أنها لم تؤخذ في البداية على محمل الجد لكونها امرأة، حيث كان ميدان السياسة حكراً على الرجال في ذلك الحين، إلا أنَّ الدور الذي لعبته في العراق يثبت ما يمكن للمرأة فعله عندما تتاح لها الفرصة.

كانت غيرترود بيل المؤسس الفعلي للملكية الدستورية في العراق، بالتعاون مع المستعمر البريطاني. ويرجع لها الفضل في اختيار الملك فيصل الأول، لينصب ملكاً مما جعلها فيما بعد محط ثقته المطلقة وصديقته المقربة حتى وفاتها. ونظراً لرحلاتها السابقة وتجربتها الواسعة في المنطقة، قامت برسم حدود العراق كما نعرفها اليوم. وتعمَّدت أن تقسم المنطقة الكردية على 4 دول، للحول دون استقلالها في المستقبل. وعملت على ترتيب الوضع الداخلي في العراق بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصاً بعد تعيينها كمستشارة للمندوب السامي هناك بيرس كوكس.


يحسب لمس بيل تأسيسها للمتحف العراقي، والذي حوى أهم الآثار التي وجدتها مس بيل خلال رحلاتها. بالإضافة للكثير من الآثار البابلية والمخطوطات والتحف. وقد دُمِّر المتحف بعد غزو العراق عام 2003 كما تم تدمير وسرقة الكثير من الآثار النادرة بسبب تردي الأحوال الأمنية. توفيت مس بيل عام 1926، بعد جرعة زائدة من الدواء (ربما بقصد الانتحار لم يتم التأكد من ذلك أبداً). وأقيمت لها جنازة مهيبة، شارك فيها العراقيون جميعاً وعلى رأسهم الملك فيصل الأول.


بعد عقود من التجاهل لدور مس بيل في الاستعمار البريطاني الحديث، وتقسيم الدول العربية -على عكس التمجيد الذي حظي به مواطنها لورنس العرب- تم مؤخراً انتاج عدد من الأفلام والكتب والروايات التي وضحت الدور الذي لعبته في بداية القرن العشرين. ومن أهم الافلام التي تناولت حياتها فيلم Queen of the desert، الذي قامت ببطولته الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان. وبالرغم من أنه ركز على الحياة العاطفية لبيل إلا انه بيَّن لماذا اصبحت ما هي عليه. وأيضاً الفيلم الوثائقي Letters from Baghdad، والذي بثَّ لأول مرة رسائل غيرترود بيل إلى عائلتها، إضافة لتقاريرها الرسمية والمحفوظة في مركز الوثائق في لندن حتى الآن. وتناولت رواية الكاتب العراقي شاكر نوري خاتون بغداد، تفاصيل حياة مس بيل في العراق، ومشاعرها تجاه ما يحدث حولها من أوضاع سياسية، والتي استقاها من رسائل المس بيل إلى عائلتها.

 

 


ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار