الانسحاب الأمريكي من سوريا وسيناريوهات المنطقة العازلة تحليل

بقلم الكاتب والمحلل السياسي محمود عثمان

تحليلات 18:20 20.01.2019

لا تزال أصداء إعلان الرئيس دونالد ترامب قراره سحب القوات الأمريكية من سوريا تتفاعل على أكثر من صعيد، ليس فقط بسبب ما أحدثه من حراك سياسي وعسكري جعل دول المنطقة والقوى المعنية بالأزمة السورية تبذل جهودا إضافية لاستجلاء حقيقة النوايا الأمريكية، وفهم طبيعة التغيير الذي طرأ على الاستراتيجية الأمريكية بخصوص منطقة الشرق الأوسط عموما وسورية خصوصا، وإنما بطرح فكرة تأسيس منطقة عازلة في الشمال السوري بعمق 20 ميلا، تساهم في طمأنة تركيا وتحقيق أمنها الاستراتيجي، وتفصل بينها وبين الميليشيات الانفصالية شريك الأمريكان في الحرب على تنظيم داعش.

رغم الترحيب التركي بفكرة المنطقة العازلة فإن تفاصيل تطبيقها يبدو أكثر أهمية من أصل الفكرة نفسها، حيث يكمن الشيطان بين التفاصيل كما يقال. لكن حتى الأمريكان أنفسهم ليس لديهم خطة واضحة ترضي جميع الأطراف أو أكثرهم على الأقل. إذ يبقى جواب السؤال الأكثر إلحاحا، من سيملأ الفراغ الحاصل عن الانسحاب الأمريكي، ويدير هذه المنطقة عسكريا، دون جواب شاف حاليا.

** المراحل والمنعطفات الرئيسية في التعاطي الأمريكي مع الأزمة السورية 
المرحلة الأولى: مرحلة دعم وتبني المعارضة السورية 
في البداية أبدت الولايات المتحدة الأمريكية ترحيبا كبيرا بالربيع العربي، وسمته نهوضا ويقظة لشعوب المنطقة، التي سئمت الاستبداد وتاقت لاستنشاق نسائم الحرية. ولا يزال صدى كلمات المديح وعبارات الثناء على الربيع العربي من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حاضرا في الأذهان، وخصوصا وصفه الثورة المصرية بأنها "مصدر إلهام لشعوب العالم". 
لكن الترحيب والدعم الأمريكي لم يدم طويلا، إذ سرعان ما تكسرت أمواجه عند شاطئ الاتفاق النووي مع إيران، حيث أغمض أوباما عينيه وصم أذنيه، وأصبح لا يرى منطقة الشرق الأوسط إلا من ثقب العلاقة مع إيران وملفها النووي !.

المرحلة الثانية: التخلي عن المعارضة السورية لحساب الاتفاق النووي مع إيران 
عقب الإنجاز الكبير الذي حققه أوباما بالوصول إلى الاتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووي، وانصراف الأخيرة كلياً إلى منع نظام بشار الأسد من السقوط، بدأت الإبرة الأمريكية تميل نحو نفض اليد من المعارضة السورية والتخلي عن دعمها. بل وصل الأمر بأوباما إلى درجة التخلي عن خطوطه الحمراء التي أعلنها بنفسه، بالسكوت عن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة وغيرها، معرّضاً هيبة الامبراطورية الأمريكية وسمعتها لاهتزاز الثقة والمصداقية، بالرضوخ لدكتاتور صغير. 
الاستدارة الأمريكية في هذه المرحلة بلغت أوجها عندما وصف أوباما قيادة المعارضة السورية بأنهم فلاحون أغرار، لا يفقهون شيئا بأمور السياسة وإدارة البلاد. 

المرحلة الثالثة: تسليم الملف العسكري في سورية للروس 
توقع كثيرون أن يجري الرئيس الصقوري "الجمهوري" الجديد ترامب تغييرات جذرية على سياسة بلاده بخصوص الأزمة السورية. وقد عضد هذه القناعة الضربات العسكرية الثلاثية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لمواقع للنظام السوري، رداً على هجوم كيماوي استهدف مدينة دوما، بغوطة دمشق الشرقية. لكن سرعان ما تبين أن هذه الضربة كانت استعراضية، وأن ترامب يسير على خطى أوباما شبرا بشبر. 
لم يكتف ترامب باتباع نهج سلفه أوباما، بل أعطى الضوء الأخضر للروس للتدخل عسكريا في سورية، وفوّضهم بإدارة الصراع ضمن أسس لا تُهمّش الولايات المتحدة، وتأخذ في الحسبان أمن “إسرائيل”، وتضمن بقاء توازن القوى لحين إنضاج حل سياسي يلائم الأطراف الدولية والإقليمية. 
بالتعبير الأدق، دفع الأمريكان الروس إلى الساحة السورية من أجل تنفيذ ما يسمى ب " المهمة القذرة" التي تعني البطش بالجميع، وإنهاء حالة الاشتباك العنيف، تمهيدا للبدء بالعملية السياسية، لكن ليس إلى درجة الحسم العسكري التام وإعلان النصر كما كان يشتهي بوتين، فقد تم إيقاف زحفه على إدلب آخر معقل للمعارضة، فاضطر للتوقيع على اتفاق سوتشي.


المرحلة الرابعة: العودة إلى الملف السوري مجددا من خلال العملية السياسية. 
بعد استخدامهم الفيتو ضد الحسم العسكري في إدلب، ذهب الأمريكي لجهة التقارب مع أنقرة بهدف تهيئة الأجواء للعودة لمسار العملية السياسية. 
يزعم الأمريكان أن موسكو فشلت في سورية لأنها تمادت في ترجيح كفة النظام السوري على حساب المعارضة التي مارست ضدها حربًا ضروسًا بدأتها في حلب وما زالت مستمرة فيها حتى الآن، ورهانها على الأسد ونظامه. ثم الغرور الذي أصاب الرئيس بوتين وجعله مقتنعاً بأن الآمر الناهي في الشرق الأوسط. والعامل الثالث، هو اعتماد موسكو على طهران بشكل رئيسي، وعدم رغبتها في تحجيم الدور الإيراني إلى المستوى الذي تريده الولايات المتحدة. 
رسالة مزدوجة وجهتها واشنطن إلى موسكو: أولًا، أن سقف النفوذ الروسي محدود في سورية وليس مطلقًا، وأن على روسيا العودة إلى قواعد اللعبة وأصولها بين الكبار. وثانيًا، أن لا حل في سورية إلا عبر المسار التفاوضي في جنيف، أي وفق المعايير الأممية التي رسمها مجلس الأمن الدولي في بيان جنيف1 وفي القرار الأممي 2254، وأن سلسلة اجتماعات “أستانا” ومؤتمر “سوتشي” ليسا الحل، وكل ما يصدر عنهما هو هامشي مهما حاولت روسيا التشبث بهما.


المرحلة الخامسة :إعلان واشنطن عن استراتيجيتها في سورية 
بعد ضغوط شديدة من الكونجرس، أعلنت إدارة الرئيس ترامب خطتها الاستراتيجية حول سورية. اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية التي تقوم على محاربة الإرهاب (داعش)، وتحجيم الدور الايراني، والبدء بالعملية السياسية. 
في 14 كانون الثاني/ يناير 2018، أعلنت واشنطن عزمها على تشكيل قوة عسكرية في سورية قوامها 30 ألف مقاتل، من ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية- قسد)، لتنتشر على طول الشريط الحدودي مع تركيا شمالًا، وعلى الحدود العراقية إلى الجهة الشرقية الجنوبية وبموازاة نهر الفرات. لكن واشنطن اضطرت أمام ضغوط أنقرة إلى التراجع عن فكرة تشكيل القوة العسكرية في الشمال السوري. 
بعد ثلاثة أيام فقط، وتحديدًا في 17 كانون الثاني/ يناير 2018، أدلى وزير الخارجية الأميركي تيلرسون بتصريح، جاء في منزلة إعلان واضح ومباشر للاستراتيجية الأميركية فيما يخص سورية والمنطقة خلال المرحلة المقبلة. 
قال تيلرسون إن القوات الأميركية ستبقى في سورية لمواجهة (داعش) ونظام الأسد وإيران، واعتبر ذلك “مصلحة وطنية”. وتُعدّ هذه أول مرة تُصرّح فيها واشنطن بأن هناك مصالح أميركية كبرى في سورية وأنها مستعدة للدفاع عنها.

المرحلة السادسة :إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من سورية 

استراتيجية التوازنات التي انتهجتها تركيا في علاقاتها الخارجية آتت ثمارها، فقد بدأت واشنطن تنظر إلى العلاقات التركية- الروسية بمنظور الخشية العالية، لأن هذه العلاقة بدأت تتجاوز حدود التعاون والتنسيق التكتيكي، إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وهذا يتعارض استراتيجيتها الكونية الجديدة. لذلك عمدت إلى تهدئة مخاوف أنقرة، فأعطت الضوء الأخضر لعملية غصن الزيتون ليتم تحرير عفرين من مليشيات بي كا كا/ ي ب ج الإرهابية الانفصالية، ثم أتبعتها بفيتو ضد العملية العسكرية التي كان الروس والايرانيون والنظام ينوي شنها لإنهاء الوجود العسكري للمعارضة السورية في إدلب، مما أفسح المجال أمام أنقرة لترتيب اتفاق سوتشي مع موسكو. 
كما أن إعلان ترامب الانسحاب من سورية كان بمثابة رفع الغطاء عن ميليشيات بي كا كا/ ي ب ج، وتركها وجها لوجه أمام تركيا، فإن إعلانه عن المنطقة الآمنة هو بمثابة طلقة الرحمة على مشروع إنشاء كيان انفصالي في شمال سورية. 
أما تهديد ترامب بحرب اقتصادية مدمرة ضد تركيا، فهو حفظ لماء الوجه أمام الرأي العام من جهة، وإعلان عن تجنيب السلاح والمنطق العسكري في التعامل مع الأزمة، وهي رسالة على قدر كبير من الأهمية.

الكاتب بيرجان توتار كتب في جريدة صباح : "يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة غرقت في حروب هامشية منذ 11 سبتمبر 2001 أهدرت فيها القوة والمال والاعتبار، عوضًا عن منافسة خصميها الرئيسيين روسيا والصين، ولهذا فإن ترامب يعلن من خلال قراره الانسحاب من سوريا أن الحرب على الإرهاب انتهت. لكنه عمليا وبمجرد مجيئه للسلطة، قام بسحب "سي آي إيه" من سورية في يونيو 2017، والآن يسحب البنتاغون أيضًا".. " بعد دراسة كل الاحتمالات، لم يتخل ترامب عن "ي ب ج" مطية البنتاغون فحسب، بل إنه بدأ يدير ظهره للسعودية وإسرائيل. أمريكا بوش وأوباما تعرضت لهزيمة استراتيجية تاريخية على يد تركيا، مهما اعترض المعترضون. وترامب هو أفضل من لاحظ هذه الحقيقة".

في المحصلة

نجحت الدبلوماسية التركية في إقناع الرئيس الأمريكي ترامب بأن التعامل مع ميليشيات إرهابية خطأ استراتيجي فادح، وأن تركيا الحديثة ليست مثل تركيا القديمة. تركيا الحديثة و القوة الإقليمية الصاعدة، التي تنتج 80% من سلاحها، أصبحت رقما صعبا لا يمكن تجاهله أو تخطيه في منطقة يتم رسم خارطتها الجيوسياسية من جديد. 

علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

أرمينيا تتهم أذربيجان بزرع ألغام في قراباغ
15:46 25.04.2024
السعودية والكويت ترحبان بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن الأونروا
15:30 25.04.2024
الجيش الأمريكي يتصدى لهجوم حوثي في البحر الأحمر
15:15 25.04.2024
الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة
15:00 25.04.2024
دافكوفا تتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمقدونيا الشمالية
14:45 25.04.2024
بين أفول نظام دولى وميلاد آخر.. سنوات صعبة
14:19 25.04.2024
وصول سفينة عسكرية تركية إلى ميناء مقديشو
14:00 25.04.2024
مركز تركي- عراقي ضد العمال الكردستاني
13:45 25.04.2024
استمرار الاكاذيب الأرمينية ضد أذربيجان في محكمة العدل الدولية
13:25 25.04.2024
علييف وجباروف يزوران مدينة أغدام
13:00 25.04.2024
غضب وعمليات توقيف في جامعات أمريكية باحتجاجات مؤيّدة للفلسطينيين
12:45 25.04.2024
علييف وجباروف يطلعان علي الخطة الرئيسية لمدينة فضولي المحررة من الإحتلال الأرميني
12:20 25.04.2024
جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة
12:15 25.04.2024
تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم في 2023 بسبب النزاعات
12:00 25.04.2024
رئيس قيرغيزستان يصل فضولي
11:46 25.04.2024
زيارة رئيس قيرغيزستان إلي أذربيجان
11:18 25.04.2024
حول زيارة رئيس طاجيكستان إلى إيطاليا والفاتيكان
11:00 25.04.2024
أردوغان لا ينبغي السماح لإسرائيل بإخفاء المجازر في غزة
10:45 25.04.2024
أمير الكويت يتلقى رسالة من رئيس وزراء باكستان حول العلاقات الثنائية
10:30 25.04.2024
السيسي يحذر من التداعيات الكارثية لأي عملية عسكرية في رفح
10:16 25.04.2024
الأردن يحدد 10 سبتمبر موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب
10:00 25.04.2024
الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل في التقارير عن مقابر جماعية بمستشفيين بغزة
09:45 25.04.2024
أردوغان يعلن وقف العلاقات التجارية المكثفة مع إسرائيل
09:30 25.04.2024
ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و262
09:15 25.04.2024
الصحفيين الأوزباك يزورون مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
09:00 25.04.2024
الملك سلمان يدخل المستشفى لإجراء "فحوصات روتينية"
17:00 24.04.2024
بلينكن يزور الصين للمرة الثانية في أقل من عام
16:30 24.04.2024
علييف يتحدث عن حرب غزة
16:00 24.04.2024
قري قازاخ الأذربيجانية الأربع في الإعلام العالمي
15:00 24.04.2024
مصر ترحب بالقرار الأذربيجاني الأرميني
13:45 24.04.2024
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
13:30 24.04.2024
تزايد الدين العام يهدد التصنيف الائتماني لفرنسا
13:00 24.04.2024
جامايكا تعترف رسميا بدولة فلسطين
12:30 24.04.2024
ذعر أممي من المقابر الجماعية في غزة... ومطالبات بتحقيق
12:00 24.04.2024
في زيارة علنية نادرة... مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران
11:00 24.04.2024
موسكو: تدريبات الناتو في فنلندا "عمل استفزازي"
10:30 24.04.2024
ميرزايف يتحدث عن حرق العلم الأذربيجاني والتركي في أرمينيا
10:00 24.04.2024
7 قتلى و15 جريحاً في حادث سير بالجزائر
09:30 24.04.2024
الصليب الأحمر: إجلاء مليون مدني من رفح "غير ممكن"
09:00 24.04.2024
تفعيل نظام مير الروسي في مصر.. انعكاسات مهمة على السياحة والتبادل التجاري
18:00 23.04.2024
جميع الأخبار