كيف تقاوم بالوعي؟ كيف تجعل الحروف قناديل مضيئة في عتمة العسف والحصار؟ كيف تصنع من الكلمات أجنحة تحمل الأمل وتخترق سحب الظلمة الحالكة لجدران الفصل، وتنسج من المعرفة ثوباً مطرزاً بمفردات القيم الإنسانية والانفتاح على ثقافات العالم وفضاءاته
الرحبة تكتسيه الأجيال الجديدة كي لا تنسى هويتها؟ هذا هو «المطلوب».
و«مطلوب» مبادرة لا تشبه غيرها، انطلقت في فلسطين لفك الحصار عن الكتاب؛ المحارب بالإجراءات التعسفية التي تقف حجر عثرة أمام أحلام الأجيال المتعطشة للقراءة وطلب العلم ونهل المعرفة ومد جسور التواصل الثقافي والإنساني مع العالم الخارجي.
وتجمع المبادرة بشكل دوري طلبات 17 مكتبة فلسطينية، موزعة بواقع 11 مكتبة في مدن الضفة الغربية الرئيسية مثل رام الله ونابلس وطولكرم وأريحا و6 مكتبات في قطاع غزة، لتسهم في تأمين احتياجاتها من الكتب التي يرغب بها القراء، والأهم من ذلك توصيلها
إلى
داخل الأراضي الفلسطينية متخطية مختلف العقبات الكثيرة والتعقيدات الشديدة التي يتم وضعها على دروب إدخال الكتاب المفيد إلى فلسطين.
وبالتعاون بين جمعية مكتبيون ومؤرشفون من أجل فلسطين ومؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في فلسطين، تستجيب المبادرة لطلبات المكتبات التي تحدد الكتب التي ترغب بشرائها. ثم تدرج عناوين الكتب المطلوبة على موقعها الإلكتروني ثم تبدأ باستقبال تبرعات الأفراد من
مختلف أنحاء العالم لشراء وشحن الكتب المطلوبة، لتقوم المبادرة بتنسيق توصيل الكتب إلى المكتبات التي طلبتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وباستخدام حلول رقمية ولوجستية مبتكرة، تختصر المبادرة؛ بتعاونها مع منظمات دولية وإنسانية وثقافية من مختلف أنحاء العالم، الوقت الطويل والجهد المضني والمشقات الكبيرة التي يتكبدها أصدقاء الكتاب ومحبو القراءة في فلسطين للحصول على الكتب التي يحجبها
الاحتلال ليواصل سياسة التجهيل والإفقار المعرفي والتعتيم الفكري.
ولعل أبرز ما يميز المبادرة التي تواصل النمو قدرتها على تغيير مفهوم التبرع بالكتب القديمة الذي كان سائداً لفترة طويلة لدى العديد من المؤسسات الداعمة للقراءة حول العالم، حيث تركز «مطلوب» على استقطاب التبرعات المدروسة والموجهة التي تعمل على توفير
أحدث الكتب التي يرغب بها القرّاء فعلاً، بدل تقديم كتب زائدة عن حاجة قد تكون لغاتها غير معروفة للقراء في فلسطين، أو تكون موضوعاتها قديمة أو لا تكون بالضرورة ضمن أولويات القراء.
وفيما تركز المرحلة الأولى من المبادرة على توفير الكتب التي يطلبها الأطفال وطلاب وإدارات المدارس والمؤسسات التعليمية، يتطلع القائمون عليها إلى توسيع إطارها مستقبلاً لتشمل كافة المراحل العمرية والاهتمامات المعرفية والثقافية والأدبية.