الأزمة الخليجية والدروس المستقاة لمستقبل النظام الإقليمي

كتبه البروفسور زكريا كورشون رئيس قسم التاريخ في جامعة السلطان محمد الفاتح ورئيس جمعية باحثي إفريقيا والشرق الأوسط

تحليلات 09:15 02.08.2017

منذ بدء الأزمة الخليجية في يونيو / حزيران الماضي بتحريض أمريكي، وقيادة سعودية لأربع دول في المنطقة لفرض حصار على دولة قطر، اتخذت هذه الأزمة أبعادا جديدة، إلا أنها ما زالت مستعصية على الحل، وعلينا ألا ننتظر انفراجة لها في القريب العاجل. فوراء الأزمة مطالب ينتظر تنفيذها، وانعكاسات لا تقتصر على الساحة الإقليمية بل الدولية أيضا.

إن فرض الدول الأربع عقوباتها على قطر حتى قبل كتابة لائحة مطالبها من جهة، وعدم تدخل القوى الكبرى بشكل جدي في بدايات الأزمة أواصطفافها بشكل غير مباشر في خندق الدول الأربع، فاقم الوضع أكثر.

أعدت حول الأزمة الخليجية منذ بدايتها إلى الآن الكثير من التحليلات والدراسات، وغاب عنها مكاسب وخسائر أطراف الأزمة والدروس والعبر التي على دول الإقليم أن تعيها، وهذا شيء طبيعي في ظل أزمة ما زالت حامية الوطيس، إلا أننا سنقف حول هذه المسألة على خيوط تبدو جلية لنا.

طرفا الأزمة الخليجية المباشران واشنطن والرياض

بعد المخاض العسير الذي خرج منه دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، توجه في أولى زياراته الخارجية إلى المملكة العربية السعودية التي عاد منها بـ 400 مليار دولار، بعد أن أوقد نار الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي.

على خلاف ما هو سائد في التحليلات التقليدية بعالم السياسة، التي تقول: "إذا أردنا البحث عن مسببي أي أزمة فعلينا معرفة الأطراف الرابحة فيها" ففي هذه الأزمة لم تكن الولايات المتحدة الطرف الرابح فيها بل كانت الخاسر على المدى البعيد، فعلى مرأى الشارع العربي وشعوب المنطقة برمتها، لم تكن سياسة ازدواجية المعايير لواشنطن جلية بهذه الدرجة. بالضبط هذا ما استشعرته مؤسسات النظام الأمريكي، كالبنتاغون ووزارة الخارجية، وبدأت بإرسال سيل من الرسائل لتحسين صورة واشنطن عند شعوب المنطقة.

وفي خضم هذا السعي أعيد إحياء تنفيذ اتفاقية بيع منظومة الدفاع الجوي الصاروخي، وتكللت ببيع قطر ـ التي اتهمها ترامب قبل أيام بدعم الإرهاب ـ مقاتلات بقيمة 30 مليار دولار.

هذه التصرفات وبهذا الشكل في السياسة الخارجية الأمريكية ليس لها اسم في قاموس العلاقات الدولية التي وضعت من قبل الأمريكيين أنفسهم إبان رسم خريطة النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية. ومن يعرف منطقتنا وطبائع شعوبها، يعي أن هذا النمط الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية لا يؤتي أكله في هذا المشرق العاطفي، بل سيكون له ردة فعل عكسية على المدى البعيد.

على مدار الأزمة ثمة سؤال مطروح، عن ماهية السبب الذي دفع السعودية لاتخاذ هذه الخطوات ضد قطر، هل كانت سياسة قطر التي تغرد خارج سرب المحور الذي تقوده المملكة في المنطقة؟ أم ثمة سبب آخر لم يسلط عليه الضوء بالشكل الكافي؟

عام 2016 ظهر قانون "جاستا (JASATA) هي اختصار لعبارة Justice Against Sponsors of Terrorism Act وتعني "العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي"، وقد أصدره الكونغرس لمحاسبة رعاة الإرهاب ودولهم، وفي مادته السابعة كان ينص بسكل مباشر على اعتداءات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001. وبحسب التقارير الصادرة في محافل السياسة الدولية آنذاك، كانت كل الأصابع تشير إلى أن القانون يستهدف المملكة العربية السعودية.

المطلع على حيثيات قانون "جاستا" يلاحظ أنه مصمم وفقا لطبع الرئيس ترامب في خلط المساومات التجارية بالصفقات السياسة، وبعض التحليلات حول قانون جاستا، بينت أن هذا القانون في حال مروره سيكلف الخزينة السعودية حوالي تريليون دولار.

وليس من الصعوبة بمكان معرفة أن أبرز الملفات التي بحثت على مستوى العلاقات بين الرياض وواشنطن بعد تربع ترامب على عرش الأبيض هو قانون جاستا، وكان ذلك في زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن لتهنئة ترامب بفوزه بالانتخابات، أو في زيارة الأخير للمملكة.

إنّ تعهد المملكة بشراء طائرات ومعدات عسكرية أمريكية بقيمة 400 مليار دولار، أنقذها من ابتزاز قانون جاستا بدفع مستحقات أسر ضحايا هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، كما أنها أنقذت نفسها من عزلة دولية.

لم يخفَ على أحد التوتر السعودي القطري الذي أصبح جليا بعد 2012، وكانت قطر هدفا لبعض الدول العربية بقيادة سعودية عام 2014.

بعد عودة ترامب من زيارته للمملكة صرح بما يتنافى مع اللباقة الدبلوماسية، وبشكل وصفه الكثيرون بالأسلوب الفج، بأن السعوديين أشاروا له أن "قطر تدعم الإرهاب"، الأمر الذي صب الزيت على نار الأزمة القطرية السعودية. ووجدت الدول الأربع نفسها مضطرة إلى مهاجمة قطر دون مسوغات مقنعة على صعيد العلاقات الدولية، أو على صعيد الرأي العام لشعوبها، ولاحظنا أكثر من مرة عدم توافقها فيما بينها من خلال مواقفها وتضارب مطالبها من قطر.

طرفا الأزمة الخليجية غير المباشرين تركيا وإيران

إن الحزم الذي أظهرته تركيا في بداية الأزمة، واتزان سياستها الخارجية، أسهما في تبريد حدة الأزمة بتفعيلها لاتفاقاتها العسكرية مع قطر، وبغض النظر عن حملات العداء ضد تركيا ومن يقف وراءها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن دور تركيا في التوسط وموقفها الحكيم من الأزمة الذي قوبل بالترحيب من قبل الأوساط الشعبية التركية، أعاد إلى الأذهان بأنه لا مستقبل لحل الأزمة دون وجود تركيا.

أما الطرف الثاني فهو إيران. وعلى الرغم من أن الأزمات التي شهدتها المنطقة مؤخرا أظهرت مدى عدوانية طهران من خلال سياسة التسلق على الأزمات، إلا أنها اتخذت موقفا عقلانيا في الأزمة القطرية. هذا الموقف الجديد لإيران لن ينساه حكام الخليج، وهو رسالة مبطنة من إيران لإمكانية التعاون في حل كثير من ملفات وقضايا المنطقة.

أبعاد الأزمة: تضارب العلاقات الإقليمية والدولية

أثبتت الأزمة الخليجية من جديد عدم انتظار أي نتائج من تحركات الدول العظمى، على الرغم من أهميتها على صعيد العلاقات الدولية. إلا أن العلاقات الإقليمية تثبت من جديد أهميتها، فالعلاقات الإقليمية التي تقيمها الدولة مهما كانت صغيرة تستطيع أن تعيد رسم توازنات القوى في أي منطقة، ورأينا كيف أن قطر أعادت رسم علاقتها على الصعيد الإقليمي منذ عام 1995.

على الرغم من أن العقوبات ألحقت نوعا ما الضرر بقطر على الصعيد الاقتصادي وبسمعتها الدولية على المدى البعيد، إلا أنها كانت لأول مرة أمام تحدٍ حقيقي للسياسة التي قررت الدوحة المضي بها.

إن مجيء الأمير الشاب تميم بن حمد آل ثاني إلى السلطة في قطر عام 2013، والتفاف البيت القطري الداخلي حوله، كان مؤشرا على بقاء تميم في السلطة لأمد طويل، كما أن أمير قطر استطاع في فترة وجيزة كسر العرف الداخلي في مجلس التعاون الخليجي بلزوم إطاعة الشباب للكبار. ما فتح بابا جديدا من التحدي بتولية الشباب سواء في الإمارات العربية المتحدة بصعود ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى الواجهة بدلا من أميرها خليفة بن زايد، وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد في المملكة العربية السعودية.

ستشهد الأيام المقبلة تنافسا بين أبناء الجيل الجديد من حكام الخليج، إن أمير قطر تبدو جبهته الداخلية هي الأقوى، وفي الوقت نفسه قام بتعزيز علاقاته أكثر وأكثر مع تركيا، وإعادة صياغة علاقتها مع أوروبا بما يتجاوز منطق العلاقة مع دولة ريعية.

لقنت الأزمة الخليجية دول المنطقة درسا كبيرا، حيث أثبتت من جديد أن العالم لا يدار من واشنطن وحدها. وعلى الرغم من أن الأزمة عمقت الشرخ بين دول المنطقة إلا أنها في الوقت نفسه أزالت الغشاوة عن الأعين لترى حقيقة أولئك الذي أقحموا أنفسهم أطرافا في هذه الأزمة. ونتيجة للدوافع النفسية الناجمة عن النزعة العاطفية المهيمنة على السياسات الاجتماعية في المنطقة، فإن إنهاء الأزمة يحتاج إلى مزيد من الوقت.

مقال مترجم بتصرف للبروفسور زكريا كورشون رئيس قسم التاريخ في جامعة السلطان محمد الفاتح ورئيس جمعية باحثي إفريقيا والشرق الأوسط

 

الشيخ علي جمعة يحذر العالم من خطر يأجوج ومأجوج القادم من أرمينيا

أحدث الأخبار

هولوكوست بدون يهود
12:00 29.03.2024
من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبنان؟
11:45 29.03.2024
أناتولي أنتونوف : العلاقات مع الولايات المتحدة لن تتحسن
11:40 29.03.2024
مصر تسجل أقل معدل نمو زيادة سكانية خلال نصف قرن
11:30 29.03.2024
ما لم يقال عن زيارة وفد الاتحاد الأوروبي إلى جنوب القوقاز
11:25 29.03.2024
حكمت حاجييف: أذربيجان هي حلقة الوصل بين آسيا الوسطى وأوروبا
11:20 29.03.2024
محكمة العدل الدولية تمهل إسرائيل شهرا لإرسال تقريرها حول مجازر غزة
11:15 29.03.2024
روسيا تمنع التجديد لمراقبي العقوبات على كوريا الشمالية
11:00 29.03.2024
أرمينيا توقف بث برنامج سولوفيوف
10:57 29.03.2024
انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة
10:45 29.03.2024
أرمينيا : سيتم إعادة هذه القري إلي أذربيجان
10:44 29.03.2024
العدل الدولية تأمر إسرائيل بإجراءات لإيصال المساعدات إلى غزة
10:30 29.03.2024
السجن 25 عاماً لملك العملات المشفرة بتهمة سرقة 8 مليارات دولار
10:15 29.03.2024
الأمين العام لأوبك حاجة العالم للنفط ستستمر لسنوات وعقود
10:00 29.03.2024
إعصار في مدغشقر يودي بـ11 شخصاً
09:45 29.03.2024
إسرائيل تتخذ خطوات فعلية لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم التحذيرات الدولية
09:30 29.03.2024
إثيوبيا تتوقع الانتهاء من مشروع سد النهضة العام المقبل
09:15 29.03.2024
إبراهيم تراوري يمدد حربه على الإرهاب في بوركينا فاسو
09:00 29.03.2024
تدشين اتحاد عمال مستقل في مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
18:30 28.03.2024
هل يتم التوقيع على اتفاقية سلام بين أذربيجان وأرمينيا؟
17:33 28.03.2024
إلمان مصطفى زاده: لا يمكن المساس بكرامة الأذربيجانيين
16:12 28.03.2024
علي ناغيف: فرنسا تحرض أرمينيا على حرب جديدة
16:02 28.03.2024
وساطة أفريقية لحل الصراع المسلح في الكونغو الديمقراطية
13:45 28.03.2024
المعارض ديوماي يفوز بانتخابات الرئاسة السنغالية
13:30 28.03.2024
قائد كتائب القسام يحث العرب والمسلمين على الزحف نحو فلسطين
13:15 28.03.2024
هل تبدأ الحرب العالمية الثالثة ؟
12:53 28.03.2024
حالة من الفوضي تعم مطار باريس
12:28 28.03.2024
مستقبلات إسرائيل على ضوء الحرب الراهنة
12:15 28.03.2024
وكالة الإغاثة التركية تقدم سفينتين لنقل المساعدات مباشرة إلى غزة
12:00 28.03.2024
ذكري تأسيس الأجهزة الأمنية في أذربيجان
11:53 28.03.2024
واشنطن لا تدعم مشروع خط أنابيب الغاز بين باكستان وإيران
11:45 28.03.2024
مؤسسة دولية تتوقع انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار بنهاية 2024
11:30 28.03.2024
مصر: مفاوضات سد النهضة استنزاف للوقت.. وإثيوبيا ستدفع الثمن
11:15 28.03.2024
محطة الضبعة النووية ستوفر لمصر 7.7 مليار متر مكعب غاز سنوياً
11:00 28.03.2024
رئيس الصين ينتقد الحواجز التكنولوجية خلال زيارة رئيس وزراء هولندا لبكين
10:45 28.03.2024
نشر معلومات جديدة عن الهجوم الإرهابي في روسيا
10:34 28.03.2024
رياح الجنوب تحمل الرمال الساخنة إلى جنوب شرق أوروبا
10:30 28.03.2024
آيرلندا تعتزم التدخل في قضية الإبادة المرفوعة ضد إسرائيل
10:15 28.03.2024
الفلبين تؤكد الإفراج عن طاقم ناقلة نفط محتجزة في إيران
10:00 28.03.2024
العراق يبرم اتفاقا لتوريد الغاز مع إيران لمدة 5 سنوات
09:45 28.03.2024
جميع الأخبار