أوليغ كوزنتسوف، العالم السياسي والمؤرخ الروسي، حصرياً لـEurasia Diary
لم يحصل نيكول باشينيان، زعيم احتجاجات الشوارع في يريفان والمنافس الوحيد لمنصب رئيس وزراء أرمينيا، في 1 مايو على موافقة البرلمان لترشيحه.
من حيث المبدأ، كان هذا التطور متوقعاً، لأن الهيئة النيابية للسلطة العليا للدولة في هذا البلد كونت في شكل أنها تكون أداة طيعة في أيدي الرئيس الاستبدادي سيرج سركيسيان الذي اضطر إلى التنحي عن منصب رئيس الوزراء بسبب الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي هددت أن تتصاعد إلى أعمال شغب في الشوارع وحتى تمرد مسلح. لذلك، استقال رئيس الوزراء السابق، تحت ضغط المسيرات الشعبية. كما استقال رئيس الوزراء بالنيابة بجبن. لم يستطع زعيم المعارضة تولي منصب الشخص الأول في البلاد. وعلى الرغم من الأزمة السياسية المتواصلة بشكل واضح غنيت أرمينيا عن رئيس الدولة خلال فترة أكثر من أسبوع في هدوء تام. لا يمكن نسمي هذا الوضع الغريب بطبيعي.
يعتمد تواصل التطورات السياسية الداخلية في أرمينيا على قدرة النواب من الحزب الجمهوري الذي لا يزال حزباً حاكماً في أرمينيا على التضامن واتخاذ الموقف الموحد في مسألة انتخاب رئيس الوزراء. وهذا، بدوره، يتوقف بصورة مباشرة على ما إذا كان نيكول باشينيان قادراً على دفع هذه الأعداد الكبيرة للظهور في الشوارع أو الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة التي مع مرور الوقت بالامتثال الكامل لقوانين الفيزياء قد تتحول إلى التذبذبات المضحلة. وتعتمد النخب التي ما زالت متمسكة بالسلطة ورعاتها من موسكو على هذا السيناريو.
لكن أرمينيا ليست بروسيا. في هذا البلد عشرات الآلاف من الناس على استعداد تام للتظاهر مقابل الحصول على 20 دولار يومياً، وهذا ما لا يحصلون عليه في مكان عملهم الأساسي. بهذه الشروط أنهم على استعداد للنزول الى الشوارع والساحات ليست مدة أسبوع أو اثنين، بل أشهر، كما كان في أوكرانيا في عام 2013. نيكول باشينيان نفسه محارب سياسي قديم ومن غير المرجح أن يتوقف عند نصف خطوة من قمة السلطة في أرمينيا. كما من غير المرجح أن طرفي الصراع قادران على تنازلات بعضهما للبعض من أجل التوصل إلى المصالحة في أرمينيا. واستعد كل منهما من البداية للتمسك بالسلطة الانفرادية وكان الحزب الجمهوري يختار العمل في إطار القيادة المركزية للحزب شأنه شأن الشيوعيين. ولكن المعارضة فضلت الاعتماد على القاعدة الواسعة من الجماهير والقوى السياسية. ولكن في داخلهما، كان، كما يقال، " كل يغني على ليلاه"!
وبعبارة أخرى، اليوم تتميز السلطات والمعارضة في أرمينيا في الظاهر (الذي بالتأكيد غير مهم) والتوجه الجيوسياسي (وهو أمر حاسم): الأولى هي الموالية لروسيا، والثانية هي الموالية للولايات المتحدة. وهكذا أرمينيا اليوم، تحولت عقب سوريا إلى ساحة أخرى للمواجهة الجيواستراتيجية الروسية الاميركية. على كل من الطرفين بذل كل جهد ممكن لضمان تولي الجماعات من المؤسسات السياسية الأرمينية السلطة في البلاد. لذلك، لم تصل الأزمة السياسية في أرمينيا إلى ذروتها بعد.
إن الإجراءات المتتالية التي يتخذها باشينيان وأنصاره (بشرط الاستعداد للتواصل إلى النهاية في هذه المعركة من أجل السلطة) مفهومة تماما ويمكن التنبؤ بها. خرجوا إلى شوارع وميادين يريفان للاحتجاج ضد سركسيان الذي كان رئيساً للحزب الجمهوري لأرمينيا. ثم، ضد كارابيتيان الذي كان مرشحاً مدعوماً من الحزب الجمهوري بصفته رئيس الوزراء بالوكالة للبلاد. الآن ليس لديهم أي حجة أخرى إلا ببدء حملة المسيرات الاحتجاجية مباشرة ضد الحزب. يسطيع باشينيان والخبراء السياسيون وراءه أن يسيئون سمعته بتوجيه الاتهام بخيانة الوطن لصالح روسيا، أو في دعم الإرهاب الدولي. يمكن العثور على البراهين ضده بسهولة أو فبركتها باستخدام بيانات حقيقية.
من الناحية التقنية، لا يمكن إطاحة بالحزب الجمهوري من السلطة، برعاية مظهر الشرعية في هذه العملية، إلا في شكل انتخابات برلمانية مبكرة جديدة. وفقا لنتائج هذه الانتخابات، قد تتبادل السلطات والمعارضة دورهما. على الرغم من أنه قد يكون هناك شكل آحر لتطور الأحداث هو أن الحزب الجمهوري ينهار، كما حدث بالفعل أكثر من مرة مع انهيار أركان الأنظمة الاستبدادية.
إن رفض الجمعية الوطنية الأرمنية تعيين باشينيان رئيساً للوزراء ليس سوى فترة راحة مؤقتة في تطور الأزمة السياسية الأرمنية الداخلية. بطبيعة الحال، هناك فرصة أن تنخفض التظاهرات في يريفان. يعتبر 8 و9 مايو، يوما العطلات الرسمية في أرمينيا، من المحتمل ألا تدخل السلطات والمعارضة إلى مواجهات مفتوحة مع استخدام العنف لا عشية ولا خلال هذه الأعياد.
ولكن الشيء الوحيد الذي لا يزال غير قابل للتغير اليوم هو أن نيكول باشينيان هو مرشح وحيد حاليا لمنصب رئيس وزراء أرمينيا. وبوجود الأغلبية في البرلمان لم يتمكن الحزب الجمهوري الأرمني بشكل موضوعي من الترشيح من بين صفوفه بديلاً مساوياً لمنصب رئيس الحزب. هذا هو مصير كل الأحزاب السياسية التي أنشئت لدعم الزعيم التسلطي للدولة. ولا يتحمل مثل هذا الزعيم في محيطه شخصاً مثيلاً له، والكاريزما والاعتراف الاجتماعي. سيضطر الجمهوريون الأرمن في الأسبوع القادم إلى محموم البحث عن بديل مناسب لسركسيان، ولكن من الصعب جداً إيجاد بديل ما في البلاد. وبما أنه من المستبعد جداً أن يكون هناك الزعيم الحقيقي الذي سيكون مستعداً لقيادة السفينة المنسفة بتربيد، وتكاد أن تغرق.
اليوم في أرمينيا يسود بين السلطات والمعارضة ما يسمى ب"السحب الصيني" . عندما يجب على االلاعبين أن يواصلا اللعبة بنفس الأحجار والبيادق التي يمتلكاها، وإذا استخدمنا مصطلحات الشطرنج، فإن اللعبة لا تزال بعيدة عن نهاية. هذا هو السبب في أننا سنشهد المزيد من الأحداث في أرمينيا والتي ستتردد صداها خارج هذا البلد.
الترجمة من الروسية: د. ذاكر قاسموف