كتب – محمود سعد دياب:
على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إصداره قرار بإلغاء القمة المرتقبة مع كيم جوج أون زعيم كوريا الشمالية، قبل أربعة أيام، وصدور تصريحات تهديدية واضحة في رسالته إلى الأخير قائلا: “أنتم تتحدثون عن قدراتكم النووية، ولكن قدراتنا هائلة وقوية لدرجة أنني أدعو الله أن لا نضطر أبدا لاستخدامها، إلا أن المحللون والمتابعون للأزمة يؤكدوا أن القمة ستعقد في موعدها بتاريخ 12 يونيو المقبل في سنغافورة.
دوافع ترامب لإقامة القمة
وبينما أعلن ترامب عزم بلاده عدم عقد القمة، عاد في اليوم التالي لكي يؤكد سعيه لعقدها، ودوافعه ضمان أمن الولايات المتحدة ضد تصرفات كيم جونج التي يصفها بالمجنونة، والتي قد تصل إلى ضرب أمريكا بصواريخ باليستية عابرة للقارات تحمل رؤوس نووية قادرة على تدمير نصف الأراضي الأمريكية.
بالإضافة إلى كون عقد القمة يمنح انتصار دبلوماسي وسياسي للرئيس الأمريكي الذي يبحث عن طوق نجاة من العداءات الكثيرة التي اكتسبها منذ توليه مقاليد الحكم بالبيت الأبيض، بداية من تدخلاته السلبية في الملف السوري، وإصراره على نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وخسارته الحرب التجارية مع الصين، ما أكسب نظام حكمه كراهية في معظم بلدان العالم وفي الداخل الأمريكي أيضًا.
دوافع كيم لإقامة القمة
الطريف أن كيم جونج أون الزعيم الكوري الشمالي، صبيحة يوم رسالة ترامب، استكمل مشروعه الرامي إلى نزع السلاح النووي واستدعى صحفيين من كوريا الجنوبية مع صحفيين أخرين من مختلف بلدان العالم لكي يتابعوا تدمير أحد أكبر المواقع النووية في كوريا الشمالية، وتبع ذلك منذ يومين بحضوره قمة مشتركة مع الجارة الجنوبية بالمنطقة منزوعة السلاح بين البلدين مع نظيره الجوني مون جيه إن للإعداد للقمة المرتقبة بين كيم وترامب.
تحركات كيم تؤكد أن دوافعه لعقد القمة أقوى من نظيرتها عند ترامب، حيث يخطط الزعيم الكوري لتحويل بلاده إلى قوة اقتصادية تحقق تنمية مستدامة، ورفاهية لشعب عاني الأمرين خلال فترة طويلة من العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي، ويبني على ذلك خطوات خطتها بلاده في ذلك المجال ونجحت –وفق تقديرات محللون اقتصاديون- للوصول إلى نسبة 4% قيمة نمو بشكل سنوي خلال أخر 4 أعوام، وإنشائه بالفعل مجمعات اقتصادية وصناعية كبيرة استعدادًا لمرحلة الانفتاح بعد التخلص من العقوبات.
بالإضافة إلى استغلال الثروات الطبيعية من الحديد والماغنسيوم واليورانيوم، واستغلال التكنولوجيا في تطوير الصناعات الثقيلة في الحديد والصلب والمعدات الثقيلة مثل الجرارات والشاحنات والناقلات الثقيلة والأسلحة والمعدات العسكرية باستخدام التكنولوجيا، وتطوير صناعة رقائق الحاسب الآلي الدقيقة، فضلا عن التغلب على الأزمة الغذائية التي فرضتها الطبيعة القاسية بالتوسع في الزراعات بالطرق الحديثة وتطوير صناعة الأسماك واللحوم والثروة الحيوانية، حيث تمثل الجبال ما نسبته 80% من إجمالي مساحة البلاد البالغة 120 ألف كلم مربع.
ساويرس الاستثمار الأجنبي الوحيد
كيم جونج أنشأ أيضًا مشروعات سياحية باستثمارات كورية في منطقة وان سان – كالما، فيما أنشأ رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس فندق “ريو كونغ” الذي يعتبر في طور التشطيبات النهائية، وهو استثمار خاضه ساويرس كنوع من التغلب على أزمة عدم تمكنه من نقل أرباح استثماراته في شبكة المحمول الوحيدة في كوريا الشمالية “كوريو لينك” والتي يقدر حجم استثماراتها بـ 50 مليار دولار، ويعتبر ساويرس المستثمر الأجنبي الوحيد بالبلاد، حيث دخل السوق الكوري الشمالي قبل إقرار العقوبات الأممية ضد بيونج يانج في عام 2006، وتقتضي العقوبات أن البنك الفيدرالي الأمريكي الوحيد المسئول عن التحويلات الدولارية من أي بقعة في العالم فيجب أن تمر على البنك أولا وفي حالة قدومها من كوريا الشمالية يتم التحفظ عليها.
توحد الكوريتين يضيف للعالم قوة لا يستهان بها
وفي حالة الوحدة ستكون الدولة الكورية الموحدة قوة لا يستهان بها، على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي، وهو ما يرغب فيه أيضًا الكوريون الجنوبيون، ويسعى لتنفيذه الرئيس مون جيه إن، ففي البلد التي اعتقلت السيدة التي اعتلت قمة السلطة بسبب قضية رشوة وفساد مالي وإداري، يرفض أهلها التدخلات الأمريكية حتى وإن كانت تحت ذريعة حمايتهم من بطش الجارة الشمالية، لذلا فقد رحبت بالمبادرة الصينية للتوسط للصلح بين البلدين وإنهاء ما يزيد عن نصف قرن من الصراع والاقتتال والكراهية.
كيم إيل سونج الرئيس المؤسس لكوريا شمالية وجد “كيم” الحالي، كان قد قدم رؤية مطلع الثمانينات، للوحدة بين الكوريتين تتضمن نظام حكم فيدرالي من مجلس رئاسي يحكم الدولتين نصفه من الشمالية والآخر من الجنوبية يتم انتخابه كل عامين من المواطنين، ورئيسه يتم انتخابه من أعضاء المجلس كل 4 أعوام ، وتكون مهمته اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالأمن القومي والقرارات العسكرية، فيما تدير كل دولة شئونها الخاصة الإدارية والاقتصادية بشكل منفصل ويكون لكل منهما حكومة وبرلمان ونظام حكم مستقل، وذلك لمدة 20 عام على أقصى تقدير حتى يحدث اندماج كامل بين الشعبين، ويستطيع المواطنون اختيار طريقة الحكم التي تتناسب معهم أو يتم الإبقاء على الوضع المقترح، لكن تلك الرؤية قوبلت بالرفض.
في الوقت نفسه؛ يرفض الكوريون الشماليون الطريقة التي يرغب فيها الأمريكان في إنهاء أزمة شبه الجزيرة الكورية، والتي كشف عنها جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي ومايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، من أن نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية سيتم على طريقة ما حدث في ليبيا، وهو ما اعتبرته بيونج يانج رغبة من الولايات المتحدة في الضغط عليها للتخلي عن السلاح النووي دون مقابل، انتقاصًا من الضمانات التي تعهدت بها، حيث كانت المكافأة الأمريكية للزعيم الليبي معمر القذافي بعدما أعلن تخليه عن البرنامج النووي، إحداث اضطرابات في ليبيا في إطار ما عرف بأحدث الربيع العربي، وانتهى الأمر إلى قتله على يد من سُموا بالثوار، وقيام حلف الناتو بضرب ليبيا وتدمير بنيتها التحتية الضعيفة في الأساس.
وتشمل الضمانات التي أعلنتها كوريا الشمالية، وطلبت أن تنفذ بشكل متوازي مع شروعها في نزع السلاح النووي، إلغاء الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب والأمم المتحدة منذ قرابة 50 سنة، وإلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية والتي تقام على أراضي الأخيرة معظم شهور العام بهدف استفزاز الجارة الشمالية، وتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي بين بيونج يانج وواشنطن وإقامة سفارات وقنصليات، والسماح بإقامة نشاطات ثقافية وسياسية واقتصادية بين البلدين، فضلاً عن أهم البنود وهو إلغاء القوانين الصادرة داخل الولايات المتحدة والتي تعتبر كوريا الشمالية العدو الأكبر وتعاقب بالحبس والغرامة كل من يرتبط معها بعلاقات في أي منحى من مناحي الحياة، خصوصًا عقد الصفقات التجارية.
أمريكا تواجه عزلة دولية
يرى أحمد مصطفى الباحث ومدير مركز آسيا للدراسات والترجمة، أن الولايات المتحدة مهددة بالدخول في عزلة دولية لعدة أسباب، أولها انسحابها من كل الاتفاق النووي 5 + 1 مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، ما يدل على أنه لو كان استمر على رفضه عقد قمة سنغافورة مع كيم جونج أون في يونيو، لم تكن لتنجو أمريكا من الدخول في تلك الحالة التي قد تلغي هيمنتها ودورها على المستوى الدولي والعالمي بشكل نهائي.
وأضاف الباحث المتخصص في الشئون الآسيوية لـ “شباب النيل”، أن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي، أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قويا للغاية، حيث طالب بضبط النفس بخصوص الأزمة الكورية، وأن بلاده ستبذل ما بوسعها لمنع ظهور تهديدات جديدة في العالم، كما أعرب عن استعداد روسيا لمساعدة أوروبا في مجال الأمن.
وأوضح أن بوتين قال لماكرون، إن الولايات المتحدة ليست الحارس الوحيد على أمن أوروبا وبإمكان روسيا أن تساعد الأوربيون على التخلص من القوات الأمريكية التي تنتشر في قواعد عسكرية بالدول الأوربية تحت زعم مواجهة خطر التهديد الروسي.
ولفت إلى أن ما يزيد من العزلة، سعي الاتحاد الأوربي للدفاع عن مصالحه الاقتصادية في إيران، ضد “الشطحات” الأمريكية بخصوص رغبة واشنطن في إعادة العقوبات الاقتصادية ضد طهران بالشكل الذي كانت عليه من قبل، ما يؤكد وجود تصادم في المصالح والقرارات ينذر بقرب انفصال علاقة الصداقة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.
وتوقع مدير مركز أسيا للدراسات والترجمة، استمرار خطوات التصعيد من معسكر الشرق ضد الولايات المتحدة، موضحًا أن قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في هيبي بالصين في يونيو 2018، ستكون متميزة، خصوصًا وأن جدول أعمال خاص يشمل اعتبار “اليوان الصيني” عملة موثوقة لتحل محل الدولار الأمريكي، فضلا عن اعتماد عضوية إيران الدائمة في منظمة شانغهاي للتعاون، مع اقتراح كونفدرالية ممكنة مابين الدول الأعضاء، وتنفيذ إستراتيجية مكافحة الإرهاب ضد “داعش خراسان” والمجموعات الإرهابية الأخرى.
ولفت أحمد مصطفى إلى وجود غضب صيني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب عدم احترامها للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية، وبالتالي فهي فرصة كبيرة جدًا للأطراف التي تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية للتوحد سويا وعزلها، لأن الاتحاد الأوروبي بما في ذلك الدول الغربية والشرقية بالقارة العجوز لديها أعمال أكبر مع الصين وروسيا 10 مرات أكثر من الولايات المتحدة، في مجالات تشمل السياحة والطاقة والبنية التحتية والتعاون العلمي.
وأكد أنه علاوة على ذلك، مارست الصين وروسيا ضغوطاً أكبر على كل من إيران وكوريا الشمالية خشية أن تهدما الأخيرتان مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادي، لكن الولايات المتحدة لا تقدر أبداً مثل هذه الجهود الصينية-الروسية، وبالتالي قد يتم السماح لإيران وكوريا الشمالية بالقيام بما يريدون لحماية سيادتهم ومصالحهم.
ويعتقد أحمد مصطفى أن الاتحاد الأوروبي حاليا في مأزق كبير، حيث إنه ملتزم باتفاقية مع الناتو وإتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلنطي مع الولايات المتحدة من جانب واحد، لكن الاتحاد الأوروبي لديه مصالح أكبر مع الصين وروسيا الآن، وبالتالي فإنه يتوقع إعلان قمة جديدة أو تحالف جديد في القريب العاجل لحماية الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة ، مع تغيير النظام المالي الدولي لتحرير العالم من الفظاعة المالية الأمريكية.
وختم حديثه أنه بناءًا على ذلك فإنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ قرارًا استراتيجيًا إما بالبقاء تحت سيطرة التفوق الأمريكي كعبد له، أو لتحرير نفسه وخلق تحالف كبير مع الصين وروسيا، وأن هذا التغيير مناسب جدًا له.