لقد ألحق الإسلام السياسي، بما هو التوظيف والاستيعاب السياسي للإسلام، سواءً على يد السلطات، أو الجماعات، أضراراً بالغة بالدولة والمجتمع والإسلام معاً، وأنشأ صراعاً سياسياً واجتماعياً جديداً على الدين والشرعية، على حساب القيم السياسية، والاجتماعية، التي تنظّم علاقة الدولة بالمجتمع، والعقد الاجتماعي الناظم لمسار واتجاهات الدول والمجتمعات والأسواق.
كما ارتكبت السلطات السياسية في هذا السياق أخطاءً تاريخيةً متراكمة، منها الاستناد في السلطة والحكم إلى شرعيةٍ دينية مبالغ فيها، وتفوّقٍ ما يمكن أن يمنحه الدين لترسيخ الحكم والنظام السياسي، وفي ذلك غُيّب العقد الاجتماعي، والمصالح الأساسية للدول والمجتمعات وتنظيم العلاقة بينها، وأقحم الدين والشرعية الدينية في الصراع مع الخصوم والمنافسين، فوضعتْ الأنظمة السياسية نفسها في ميزان التقييم على أساسٍ ديني، ووجدتْ نفسها في مواجهةِ خصومٍ يقدّمون الأدلة والمبررات التي تستند إليها الأنظمة السياسية بأحقيتهم في السلطة والحُكم، وأسرفت السلطات والجماعات المتحالفة معها أو المنافسة لها في توظيف الدين لبناء الهويات الوطنية، والتماسك الاجتماعي وراء الأنظمة السياسية، أو الجماعات والأحزاب السياسية، الأمر الذي وإن ساعد الدول في اكتساب شرعية سياسية ودينية، فإنه أثار صراعات داخلية وطائفية، وشجّع على التدخلات الخارجية في شؤون الدول والمجتمعات.
كما أممت الحكومات العمل الديني، وحوّلته إلى مؤسساتٍ حكوميةٍ رسمية؛ بخلاف ما كان عليه الحال طوال فترة التاريخ الإسلامي، ما أضعف دور المجتمع، وأضعف أيضاً المصداقية الدينية للدولة.
وكانت المآلات الطبيعية أنّ قامت السلطات والجماعات بإضعاف المذاهب الفقهية والعلمية، والمؤسسات المجتمعية العلمية والروحية، إلى حدٍ يقترب من القضاء عليها، أو تغييبها، وفي ذلك فقد أضعفت أو غيّبت الدور الاجتماعي والروحي للدين وطابعه الفردي، ليغلب عليه الطابع السّياسي، وحشد الدين في الصراعات والأزمات السياسية الداخلية والخارجية، الأمر الذي أضرّ بالسلام، والتكامل الاجتماعي، والعلاقات الخارجية للدول، كما أضرّ بالمشاركة العالمية للمسلمين دولاً وأفراداً ومجتمعات، وجعلهم غير متقبلين في العالم، وغير قادرين على تقبل العالم.
رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات الشيخ الزيتوني. لطفي الشندرلي