فى البداية، احب أن أتوجه بخالص الشكر للصديق العزيز/ أليكساندر مالكفيتش، للدعوة الكريمة التى وجهها لى لحضور هذه الندوة المهمة تمام الساعة الخامسة يوم الأربعاء الموافق ٢٤ أكتوبر ٢٠١٨ لدى لجنة الاتحاد الروسي لتطوير مجتمع المعلومات ووسائل الإعلام والاتصالات الجماهيرية، وذلك للاستمتاع بالحوار الخاص بالسيدة/ هيلجا زيب لاروش - مؤسس منظمة غير حكومية بحثية "معهد شيلر للابحاث".
جدير بالذكر ان جامعة الدولة الروسية الإجتماعية التي انتمي إليها، لديها عضو فى مجلس إدارة الجهة المنظمة "لجنة الاتحاد الروسي لتطوير مجتمع المعلومات ووسائل الإعلام والاتصالات الجماهيرية" كما سمعت من احد الزملاء.
الشيء الجيد أيضا هو لقائى مع الصديق العزيز د/ شهاب المكاحلة، والذى أتي في زيارة عمل إلى موسكو، وهو استاذ محاضر بالجامعات الأمريكية، وزميلي فى "مجموعة رؤية استراتيجية روسيا والعالم الإسلامي"، وتقريبا أنا وهو لدينا كتابات إسبوعية تنشر فى الداخل والخارج تتعلق بالعلاقات الدولية والصراع والإعلام وغيرها من الأمور المشتركة.
حيث ركزت السيدة/ لا روش على مستقبل الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، وأكدت فى شكل معلومات عن الدور السيء الذي تلعبه بريطانيا فى إفساد العلاقات الروسية الأمريكية كلما تتحسن، نظرا لقوة الإعلام البريطاني، وكذلك التعاون الوثيق الذي يتم ما بين المخابرات البريطانية والأمريكية.
حيث غالبا ما تضلل المخابرات البريطانية نظيرتها الأمريكية فيما يخص المعلومات عن روسيا - وللاسف ينصت ويصدق الأمريكان بشكل كبير هذه المزاعم - ودللت على ذلك بأن المخابرات البريطانية ربما تضلل الأمريكان بالتدخل الروسي حتى فى الإنتخابات النصفية للكونجرس المقبلة فى منتصف شهر نوفمبر.
وتعلل السيدة/ لا روش هذا الأمر السيء من جانب بريطانيا - أنه في حال استقرت الأوضاع ما بين روسيا والولايات المتحدة ستفقد بريطانيا نفوذها فى العالم - وبالتالي ايضا هي تسعي للفتنة ما بين روسيا والصين - فالسبب الحقيقي وراء سوء العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة هي بريطانيا بالأساس وليست الإدارة الأمريكية، وربما هناك وثائق سيتم تسريبها قريبا ستؤكد هذا الأمر منذ عهد الرئيس السابق أوباما والى الآن في ظل ترامب الذى كان غير متوقع ان يكسب الإنتخابات.
بعد المقدمة الخاصة بالضيفة السيدة/ لا روش، والجدل الذي أثارته بمنتهى السلاسة والهدوء، فتح المجال للحضور للأسئلة والتعليق، وكانت البداية مع الصديق د/ شهاب المكاحلة - والذي سأل السيدة لاروش عن حل هذه الإشكالية، وكيف يمكن التغلب عليها، وهل يمكن ان تتحسن العلاقات يوما ما بين روسيا وأمريكا في ظل التدخل البريطاني الشيطاني؟
وأجابت السيدة/ لا روش انه بالفعل يحدث نوع من التغير فى العالم من ناحية الفكر - فإذا مثلا فكر الرؤساء على سبيل المثال لـ "روسيا - وامريكا - الصين - الهند" بطريقة النوسفيرا - وخصوصا نحن على اعتاب قمة العشرين فى بونيس ايريس بالأرجنتين فى نوفمبر المقبل - قد يجدوا حلولا مختلفة تجنب الشعوب المعاناة.
ثم قمت بمداخلة - ربما ان تفكير النوسفيرا طوباوي الى حد ما - لأني اتذكر عندما كنا صغارا، كانوا يؤلفون لنا فى الكتب المدرسية انه بحلول الالفية الجديدة لا مكان للمشاكل - لن تسير سيارات على الارض، بل ستصبح سيارات طائرة - وكذلك سيسكن الناس في ناطحات سحاب ومساكن زكية - في حين ان الحقيقة المرة، وان الصراع قد ازداد بسبب الكازينو الذي يحكم العالم "اللوبيات".
أيضا أين دور ألمانيا وهي اقوى إقتصاد في اوروبا من هذه المنظومة العالمية الجديدة - لنه كما قلنا لو اجتمعت المانيا وروسيا والصين سويا بشكل أكبر لن يكون هناك مكان للهيمنة الامريكية والبريطانية.
ايضا ان أمريكا وبريطانيا لديهما من المشاكل الإقتصادية ما يكفي لسقوطهما، وهذا ما دللت عليه الباحثة الإقتصادية البريطانية د/ بتي فور - في مقالها الأخير ان الإقتصاد الأمريكي والبريطاني يعاني وأن أسباب السقوط الإقتصادي فى كلا البلدين في ٢٠٠٨، نراها تتكرر واكثر هذه الأيام في ٢٠١٨، ونحن على مقربة من سقوط اقتصادي مروع مرة أخرى مع سيطرة المتطرفين على العالم.
لأمر الذي جعل السيدة/ لا روش تجب بهدوء - ان فكر النوسفيرا ليس فكرا طوباويا كما يعتقد البعض، ولكنه اقرب الى نظرة استشرافية أو استراتيجية لمستقبل العالم بعد ١٠ أو ٢٠ او 100 عام من الآن - فقد قمنا مثلا بمشروع سد فى نهر الكونجو يحسن استخدام الماء فى هذه المنطقة في وسط افريقيا، ولا يهدرها بالتعاون مع الجانب الصيني، هذه الفكرة التي اشتغلنا عليها وعلى تطويرها منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت مجرد فكرة.
بالنسبة لألمانيا فإنك محق في هذا بالرغم انني ارى ان ربما الشركات الألمانية الكبرى وصناع القرار علاقاتهم بأمريكا اكبر وهذا رأيناه مؤخرا فى لندن - فأجبتها ولكن حجم التجارة بين الصين والمانيا وصلت ٢٣٥ مليار دولار اي عشر أضعاف حجم التجارة بين المانيا وامريكا - فاجابت نعم سيتغير موقف المانيا بمرور الوقت، ولربما أيضا مع مبادرة طريق الحرير التى تسعى فيها الصين لربط اوروبا سواء باتفاقية ١٥+١ مع دول شرق ووسط اوروبا - النمسا التي تطلب ان تكون مركزا كبيرا للمبادرة فى اوروبا وكذلك البرتغال التي طلبت نفس الطلب وكذلك حجم التجارة الهائل الذي يقدر بمليار يورو يوميا بين اوروبا والصين - نعم العالم يتغير.
وكان هناك مداخلة للصديق د/ قنسطنطين بلوخين تنص على انه من الصعب ايجاد حوار بين أمريكا بعنجهيتها من ناحية، والصين وروسيا من الناحية الأخرى - لأن امريكا وبريطانيا لا تقبلا بالتزحزح عن موقع الهيمنة، وحتى لو كان هناك مبادرات فردية من بعض الأشخاص والعقلاء والمفكرين من الجانب الأمريكي لتلطيف الأجواء - على الجانب الآخر نجد الحزبين الجمهوري والديموقراطي للاسف تحت سيطرة الصقور وكذلك الإعلام الأمريكي والبريطاني الذي يشيطن روسيا والصين باستمرار، فالمشهد ضبابي.
واجابت السيدة/ لاروش - نعم اتفق معك - العالم اصبح غير متوقع - فلم نتوقع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، أو فوز ترامب في الإنتخابات الأمريكية - أو فوز كلا من الحكومة النمساوية، وكذلك الإيطالية الحالية الأخيرة التى تطالب بسحب العقوبات من على روسيا، وايضا امكانية الخروج من نظام اليورو الذي يضر بالإقتصاد الإيطالي. لكن أنا على يقين ان العالم سيتغير، في حال ما اتسمت أنظمة الدول الكبرى بالعقلانية، والتفكير بطريقة النوسفيرا بالمستقبل، لأن هذا هو الحل الوحيد لحل مشاكل العالم، وكذلك وضع رؤية واضحة للمستقبل.
كان هناك سؤال آخر من جانب د/ المكاحلة خاص بدور الصين فى أفريقيا - بعد الإشارات الإيجابية التى اعطتها السيدة/ لا روش عن الصين ودورها في افريقيا، وخصوصا بعد قمتين، (الأولى) قمة بريكس فى جوهانسبرج التي عقدت فى يوليو الماضي، و(الثانية) قمة الصين أفريقيا التى عقدت في بكين الشهر الماضي، وعن دور أكبر لأفريقيا كمنتج، وأيضا الرغبة فى تحديث البنى التحتية والتكنولوجية لديها، التي يمكن ان تخلق فيها تنمية حقيقية وقوة صناعية - وليست على غرار برامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي اقرض افريقيا ليستغلها، ولكي تصبح تحت نفوذ المستعمر السابق (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) وكذلك أمريكا، ويطالب أفريقيا بسداد ديونها قبل الكلام عن أى مشاريع تنموية محترمة تخدم القارة، ولا تجعلها مستهلكة طول الوقت.
وهنا اوضح د مكاحلة ان عدد ١٢ دولة فرانكوفونية في افريقيا لديها اتفاق مع فرنسا، انها لا يمكن ان تدخل اى مشروع مع الصين دون موافقة فرنسا، وان يدخل التمويل الصيني فقط من خلال بنك فرنسا، فهل هنا ستفلح الصين فى دعم إفريقيا؟
وأجابت السيدة/ لاروش ان الوضع صعب اقتصاديا فى إيطاليا وفرنسا ومع تنامي قوة الصين الإقتصادية وقدرة السيولة لديها فلا يمكن لى منهما ان يقفا فى وجه الصين - واضيف ان القانون الدولي يحظر اى اتفاق يضر بمصالح الدول وسيادتها، وعليه فحجم استثمارات الصين الصين بأفريقيا سيصل لحوالي ٣٠٠ مليار دولار بحلول ٢٠٢٠.
وايضا أصبحت هناك قوى جديدة كما اكملت السيدة لا روش تلعب في أفريقيا ومنها "تركيا والهند وايران واسرائيل" وكلها تقيم مشروعات كبيرة لدى هذه الدول - وخصوصا ان الرئيس الصيني تشي قد زار في جولته الأخيرة قبل قمة بريكس في جوهانسبرج "رواندا والسنغال" وهما دولتان فرانكوفونيتان، وايضا روسيا لديها قمة مقبلة في موسكو خاصة بالتعاون مع إفريقيا. بالفعل العالم يتغير والمبادرات الجديدة سواء قمة العشرين - طريق الحرير - قمة بريكس - منظمة شنغهاي للتعاون ربما تغير موازين العالم في الاعوام المقبلة.
وانتهت الجلسة عند هذا الجانب - بالرغم من اننا لم نناقش تأثير قضية الصحفي جمال خاشقجي على موضوع الحرب الإعلامية التي تشنها أمريكا وبريطانيا على كل من روسيا والصين وكيف يمكن استغلالها فى هذا الصدد لصالح روسيا والصين.
الشيء الإيجابي الذي يحدث فى مثل هذه الندوات هو التشبيك وتلاقي الأفكار بين الشباب وهذه المراكز، وربما نعمل سويا على عدة مشاريع مشتركة تخدم مستقبل الإعلام، وربما رفع الوعي لدى المواطنين فى العالم لتفادي تأثير الإعلام الغربي بأكاذيبه على البشر.
وهذا للعلم،،،
أحمد مصطفى
رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة
وعضو كودسريا، ومجموعة رؤية استراتيجية - روسيا والعالم الإسلامي