قضية الإيغور.. كيف يدرأ المسلمون كيد السياسة الأمريكية؟

تحليلات 22:00 12.01.2020

قتلت أمريكا قاسم سليماني على أراض عراقية لطالما كان عليها التنسيق العسكري والأمني على أعلى مستوياته بين الطرفين لقتال "تنظيم الدولة" الذي خدم حالة التمدد الإيراني في العراق وسوريا، وأسهم في تبرير وجود أمريكا بالقرب من منابع النفط، من جهة وإشعال الفتنة الطائفية التي استفادت منها أمريكا وإيران على حد سواء لتحقيق مصالحهما على الأراضي العربية من جهة أخرى. وقد أتى حدث اغتيال سليماني والرد الإيراني في الوقت الذي تسعى فيه العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية ووسائل الإعلام الغربية إلى إبراز قضية المسلمين الإيغور في الصين رغم أن تلك القضية ليست حديثة العهد، بل يعود تأريخها إلى احتلال الصين لإقليم "شنغيانغ" قبل حوالي 70 عام. فلماذا ظهرت قضية الإيغور على السطح فقط في الوقت الذي تتنافس فيه أمريكا والصين على الهيمنة على الاقتصاد العالمي؟

تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على المشهد الكلي لمستقبل التعامل مع قضية الإيغور من خلال الإجابة على سؤال قد يصنف على أنه استراتيجي: كيف ندعم المسلمين الإيغور بما لا يجعل كل المسلمين ضحية لخداع السياسة الأمريكية؟

نظرية اللعب ومعضلة السجناء

هذا السيناريو مستبعد جداً ولأسباب عديدة. أهمها أن المسلمين يمتلكون الموارد ويتحالفون مع أمريكا فقط لقتال بعضهم، فحرب اليمن، والتأجيج الطائفي السني الشيعي، وصفقة القرن، وغزو العراق، وحصار قطر، كلها أمثلة على أزمة قيادة في العالم الإسلامي
 

تقدم نظرية اللعب (Game Theory) عددا من السيناريوهات التي تتيح لصانع القرار الاستراتيجي تحليل أبعاد قراره من خلال توظيف سيناريو القرار وفقاً لعدد من المعاضل التي تقدمها النظرية. ولعل أفضل سيناريو يمكن تطبيقه على معضلة تعامل مسلمي العالم مع مأساة الإيغور هو سيناريو "معضلة السجناء". في هذه المعضلة يوجد سجينان ممنوعان من التواصل مع بعضهما. وقد عرض الادعاء العام على كل واحد منهما أن يعترف على الآخر حتى يحصل على عقوبة مخفضة، في حين أن الآخر يحصل على العقوبة المشددة. وتقدم هذه المعضلة ثلاثة احتمالات: أن يعترف السجينان على بعضهما في آن واحد، وهنا يخضع كلا السجينين للعقوبة القصوى؛ وأن يعترف أحد السجينين على الآخر، فيحصل المعترف على عقوبة مخففة والآخر على عقوبة مشددة؛ وأخيراً أن لا يعترف أي من السجينين فيحصلا على عقوبة مخففة ويخسر الادعاء العام.

تمثل الصين في تعاملها مع الإيغور أحد السجناء في المعضلة، في حين أن العالم الإسلامي يمثل السجين الآخر ويلعب صانعو السياسة الأمريكية وحلفاؤهم دور الادعاء العام. وعليه، يواجه العالم الإسلامي ثلاثة سيناريوهات: أولها، المواجهة مع الصين في حرب "جهادية" بالوكالة لحساب أمريكا؛ وثانيها، اتفاق أمريكي صيني على حساب مسلمي الإيغور؛ وثالثها، اتفاق أمريكي مع العالم الإسلامي ضد الصين، وهذا أمر مستبعد جداً. أما السيناريو الأنجع والذي لا تعترف فيه "معضلة السجناء" فيتمثل في تمكن الصين والمسلمين من التواصل من أجل الإطاحة بالمخطط الأمريكي.
أمريكا تلعب على السيناريو الأسوأ للصين والمسلمين

يتمثل هذا السيناريو بتأجيج عوام المسلمين، وإحداث ارتخاء أمني في أفغانستان للتمهيد لعودة "الجهاد" منها إلى إقليم شينغيانغ الذي يتشارك مع أفغانستان بحدود برية تزيد عن 70 كيلومتر. ومما يؤيد بدأ التحرك الأمريكي لتطبيق هذه السيناريو محادثات السلام مع طالبان، والانقلاب الإعلامي الغربي للتعاطف مع المسلمين منذ مذبحة نيوزلاندا التي قد تكون جزءاً من هذا المخطط، وتحرك الهند ضد المسلمين في كشمير التي تقع جنوب إقليم شينغيانج، ومراكز الاعتقالات الصينية ضد الإيغور الذين تعتبرهم الصين جزءاً لا يتجزأ من المخطط المستقبلي لحرب جهادية ضدها، واختراق الصين لأمريكا في تكوين علاقات مع باكستان التي تعتبر من أهم البوابات اللوجستية والأيديولوجية والأمنية للـ"جهاد" في أفغانستان.

يعتبر هذا السيناريو الأسوأ للمسلمين وللصين والأفضل لأمريكا وحلفائها. فهو سيناريو شبيه بالـ"جهاد الأفغاني" الذي أثبت التاريخ أنه كان عبارة عن حرب "إسلامية" ضد الشيوعية ولحساب الغرب الرأسمالي "الحر". والذي أثبت أنه كان فكرة ناجعة لدحر السوفييت، ومن ثم تشويه صورة العالم الإسلامي من خلال أفعال "القاعدة" وأخواتها، و "داعش" الإبن الأسوأ العاق لها، والذي لم يبق جهاز استخباري متنفذ لم يستخدمه لمصالحه، والذي دمر حواضر العراق السنية، وقتل قيادات الثورة السورية، ثم سلم الأراضي لوكلاء روسيا وإيران وأمريكا.

سيناريو المصالح بين الصين وأمريكا على حساب المسلمين

عام 1995 ألغى بيل كلينتون العقوبات على روسيا بسبب حربها على الشيشان، فيما ألغى بوريس يلتسين الحظر الروسي على صادرات الدجاج الأمريكية، وقد عرف الاتفاق آنذاك بـ"الشيشان مقابل الدجاج". نعم، هذه هي أمريكا "الحرة" التي تقايض حقوق الإنسان بصادرات الدجاج. وهؤلاء هم المسلمون، كما تراهم أمريكا، يمكن مقايضتهم بصادرات الدجاج. قبل أسابيع أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب انتهاكات حقوق المسلمين في شينغيانغ. في حقيقة الأمر، القانون كله جزء من أوراق الضغط على الصين بتأجيج المسلمين عليها. لكن كعادة أمريكا، تستخدم حقوق الإنسان في كل الدنيا لخدمة مصالحها. فبين طيات القانون الأمريكي ضد الصين عقوبات على شخص واحد ذي أهمية وهو خوان شين، رئيس الحزب الشيوعي في شينغيانغ. هذا الشخص له علاقات وطيدة مع شركات تكنولوجيا التجسس الصينية، وهذا هو بيت القصيد. ربما ترتقي نظرة أمريكا للمسلمين هذه المرة فتقايضهم بتنكنولوجيا التجسس بدلاً من الدجاج، وينتهي الأمر، كما العادة، بتسوية الأمور على حسابهم لأنهم الحلقة الأضعف منذ سقوط الدولة العثمانية.

سيناريو تحالف إسلامي أمريكي ضد الصين

هذا السيناريو مستبعد جداً ولأسباب عديدة. أهمها أن المسلمين يمتلكون الموارد ويتحالفون مع أمريكا فقط لقتال بعضهم، فحرب اليمن، والتأجيج الطائفي السني الشيعي، وصفقة القرن، وغزو العراق، وحصار قطر، كلها أمثلة على أزمة قيادة في العالم الإسلامي لا سيما العربي. علّني أشدد هنا أن المشكلة ليست في أمريكا، بل هي فيمن يعرفون بأنهم "قادة" في العالم الإسلامي، وفي مؤسسات العمل المشترك الإسلامي، وفي علماء السلاطين، وفي المستودعات الفكرية، إن وجدت، في العالم الإسلامي. ربما تكون القمة الإسلامية المصغرة التي عقدت في كولالمبور مؤخراً بارقة أمل لمشوار الألف ميل. فكيف يمكن للقمة المصغرة أن تعمل استراتيجياً مع الصين لدرأ مكائد أمريكا، وحل مشكلة الإيغور، وتحقيق نجاحات مشتركة؟
سيناريو التعاون الصيني الإسلامي

لا تعترف معضلة السجناء بتعاون السجينين، لأن الادعاء العام يحرص على عزلهما عن بعضهما. وهنا يكمن التحدي الاستراتيجي في إيجاد قنوات اتصال بين العالم الإسلامي والصين. فالأخيرة تعيش ضمن محيط إسلامي منذ قرون، ويمثل المسلمون من جيرانها ما يزيد عن نصف سكانها. وتتمتع الكثير من دول العالم الإسلامي بمواقع جيوسياسية استراتيجية تساعد الصين في تحقيق مشروعها "الحزام والطريق". ولدى الصين علاقات استراتيجية مع إندونيسيا وباكستان تحديداً في هذا الصدد، كما أن الصين في حاجة لدول العالم الإسلامي في أفريقيا، ولها علاقات استثمارية فوق العادة مع الجزائر، في الحقيقة كلا الطرفين يحتاجان لبعضهما أكثر من أي وقت مضى.

قرأت مقالة الباحث يربا الخراشي "من هم ضحايا زعزعة إقليم شينغيانغ الصيني؟" على مدونات الجزيرة. وقد أجزل الباحث في تأطير المشهد الإسلامي-الصيني. وبلغته الرشيقة، وصف "قطار التنمية الصيني فائق السرعة" الذي بدأ بالانطلاق نحو العالم، ولفت إلى أهمية التقارب الصيني الإسلامي في ضوء التاريخ المشترك المليء بالسلم، وبعض الثقافات المشتركة بين الأمتين. علني أثني هنا على ما جاء في تلك المقالة، وأستغل الفرصة لأخذ ما ورد فيها إلى مستوى آخر.

فمشكلة العالم الإسلامي، كما أوضحت، أنه يعاني من أزمة في القيادة. فلو وجدت الصين قيادات إسلامية تتعامل معها وفق المصالح المشتركة، ووفق التاريخ السلمي بين الأمتين، لما كانت حصلت أزمة الإيغور ابتداءاً. لعل أزمة الإيغور تكون التحدي الأبرز لدول قمة كولالمبور، أو ربما مفتاح النجاح لتلك القمة. فقد تبين أن قادة الدول الذين حضروا قمة كولالمبور أنهم يمثلون نبض غالبية الشارع الإسلامي وأحلامهم بتحقيق تكامل وتعاون مثمر بين دول العالم الإسلامي. كما أن عدد سكان دول قمة كولالمبور يفوق نصف المسلمين في العالم هذا بالإضافة إلى امتلاك غالبية قلوب المسلمين من الدول التي لم تشارك في القمة.

الخلاصة

استعرضت هذه المقالة سيناريوهات التعامل مع أزمة الإيغور وفق "معضلة السجناء" في نظرية اللعب. ورأى الكاتب أن أسوأ السيناريوهات هو الحرب "الجهادية" ضد الصين بالوكالة لحساب أمريكا. وحذرت المقالة من سيناريو مقايضة المسلمين في صفقة مصالح صينية أمريكية. وأبرزت أهمية فتح قنوات اتصال إسلامي صيني وفق مبادئ المصالح المشتركة، وألقت بمسؤولية حل الأزمة وفق أنجع السيناريوهات على عاتق قادة قمة كوالالمبور لأنهم يمثلون نبض غالبية الشارع الإسلامي، ولأن مؤسسات العمل الإسلامي المشترك غير فاعلة منذ زمن بعيد، وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

د. ناصر الزيادات

د. ناصر الزيادات

أكاديمي

حاصل على الدكتوراه من كلية التجارة بجامعة دورهام - إنجلترا. مختص بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، ومهتم بالاقتصاد السياسي، والمسؤولية الاجتماعية للشركات، والأخلاق التجارية، والتاريخ الاقتصادي والتجاري.

 

 


ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
مارتن ليجون : فرض العقوبات علي إيران ليس حلًا
15:00 17.04.2024
دميتري سولونيك : هذا لن يساهم في استقرار المنطقة
14:00 17.04.2024
خبير سياسي: أرمينيا تسعي إلي أن تكون السعودية وسيطًا في أزمتها مع أذربيجان
13:00 17.04.2024
راي كريم أوغلو : الادعاءات التي قدمتها أرمينيا في محكمة العدل ليست إلا "أكاذيب"
12:25 17.04.2024
مصر وتركيا لترسيخ العلاقات بعد إنهاء القطيعة
12:00 17.04.2024
كيف تتعامل مصر مع تداعيات استمرار التوتر في البحر الأحمر؟
11:45 17.04.2024
سلطنة عمان: سيول تودي بحياة أكثر من 16 شخصا جلهم من التلاميذ
11:30 17.04.2024
رئيسي يتوعد برد واسع وموجع على أدنى عمل يستهدف مصالح طهران
11:15 17.04.2024
رئيس وزراء باكستان يستقبل وزير الخارجية السعودي
11:00 17.04.2024
تركيا تدير علاقاتها مع إيران وأمريكا بحذر
10:45 17.04.2024
فريق التوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة يجري دورات للتوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة
10:36 17.04.2024
بوتين يبحث هاتفيا مع الرئيس الإيراني الأزمة في الشرق الأوسط
10:30 17.04.2024
العمانية للغاز توقع اتفاقية توريد مع جيرا اليابانية لمدة 10 أعوام
10:15 17.04.2024
السعودية وباكستان تبحثان تكثيف التعاون الأمني والاستراتيجي
10:00 17.04.2024
الأمم المتحدة تعثر على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل في مدارس بغزة
09:45 17.04.2024
الأمم المتحدة تدعو إسرائيل للتوقف عن المشاركة في عنف المستوطنين
09:30 17.04.2024
استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي
09:15 17.04.2024
أردوغان: نتنياهو هو المسؤول الوحيد عن أحدث توتر في الشرق الأوسط
09:00 17.04.2024
"ضد الهجوم الإيراني".. السعودية تعترف بمساعدة إسرائيل
22:12 16.04.2024
جميع الأخبار