مأساة العشرين من شهر كانون الثاني في أذربيجان – معتز محي عبد الحميد
يحتفل الشعب في جمهورية أذربيجان كل عام بحوادث العشرين من كانون الثاني عام 1990 حيث في تلك السنة نفذت الآلة العسكرية السوفيتية الإرهابية بطشا و قتلا و دمارا ضد الشعب الأذربيجاني المسالم والطالب الحرية والاستقلال بحيث صنفت هذه الجرائم من أبشع الجرائم المرتكبة ضد البشرية في تاريخها.
في عام 1988 قام الحزب الشيوعي السوفيتي السابق بمحاولات متتالية من أجل فصل إقليم قره باغ الجبلي الأذربيجاني عن جمهورية أذربيجان السوفيتية وضمها إلى أرمينيا. وبالتزامن بدأ الأرمن بطرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية بجمهورية أرمينيا و توفير جهودهم لفصل قره باغ عن أذربيجان عمليا، مما أدى إلى قيام الشعب الأذربيجاني بالدفاع عن وحدة أراضيه وسيادته الوطنية وحقوقه العادلة وذلك بالمظاهرات والاحتجاجات ضد سياسة القادة السوفييت المستبدة في أذربيجان. وبهدف قمع الحركة الشعبية في البلد و بأوامر مباشرة للرئيس السابق للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباشوف دخلت دبابات الجيش السوفيتي إلى العاصمة – باكو وعدة مدن أخرى لأذربيجان ونفذت قتلا وتدميرا فيها بإطلاق النيران على المواطنين المدنيين الأبرياء في 20 يناير(كانون الثاني) عام 1990 مستخدمة شتى أنواع الأسلحة الفتاكة. نتيجة لهذا العدوان الذي شنه الجيش السوفيتي قتل 137 مدنيا في باكو، وجرح أكثر من 700 شخص، واعتقل 800 شخص بشكل غير قانوني. وقام الجنود بتدمير وإحراق عدد كبير من المنازل والشقق والسيارات ومنها سيارات الإسعاف وكان من بين ضحايا هذه المجزرة نساء وأطفال وشيوخ وعاملون في سيارات الإسعاف والميليشيات. وكان الهدف الأساسي لهذا العدوان إحداث تأثير معنوي وإيديولوجي على الشعب الأذربيجاني للإجهاز على حركة الحرية وبث سياسة الخضوع والاستسلام وقمع إرادة الشعب الأذربيجاني الراسخ في نيل الاستقلال وإقامة دولته المستقلة المبنية على أسس العدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. والتزاماً بما فرضته المأساة المذكورة والمرتكبة من قبل القوات السوفيتية، فقد ذهب حيدر علييف الزعيم القومي لأذربيجان في اليوم التالي من المأساة إلى الممثلية الأذربيجانية في موسكو ملقياً بياناً طلب فيه معاقبة مخططي ومنفذي الجريمة البشعة التي ارتكبت ضد شعب أذربيجان.
قيادة سوفيتية
لقد قامت القيادة السوفيتية السابقة طوال تلك الفترة بمحاولات واعلان لحجب الحقائق المأساوية وما نفذتها من جرائم داخل أذربيجان عن العالم الخارجي و الإعلام وقد أدى ذلك خلال فترة طويلة إلى أن يحول دون معرفة حقيقة الوضع في أذربيجان وما يجرى في منطقة قاراباغ الجبلية من عدوان أرميني نتج عن احتلال عشرين بالمائة من الأراضي الأذربيجانية وتشريد حوالي مليون مواطن أذربيجان من أراضيهم ووطنهم. ونجح الشعب الأذربيجاني المقاوم عقب هذه الأحداث المأساوية في تنظيم مقاومته للعدوان الغاشم وأعلان استقلاله في تشرين الأول عام 1991. وفي عام 1994 قامت أذربيجان بتنفيذ تقييم شامل لمأساة العشرين من يناير عام 1990 واعتبرت تلك المأساة عدوانا وجريمة غير مسبوقة ضد الشعب الأذربيجاني ولجأت إلى المجتمع والرأي العام الدوليين للمطالبة بإجراء محاكمة مرتكبي هذه الجرائم من زعماء الاتحاد السوفيتي السابق من أمثال غورباشوف وغيره من القادة السوفيت الذين لم ينالوا جزاءهم حتى الآن. ورغم تعرضها لمثل هذه المآسي في تاريخها مرارا فإن أذربيجان تتميز دائما بسياسة حب السلام وتمكنت من بناء نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية واتخذت خطوات واسعة باتجاه اقتصاد السوق الحر وإقامة دولة مدنية مبنية على أسس العدالة واحترام حقوق الإنسان. إن الشعب الأذربيجاني لن ينسى أبناءه الذين استشهدوا دفاعا عن سيادة واستقلال وحرية بلادهم والذين سطروا بدمائهم الزكية درب العزة والكرامة والسيادة الوطنية. كل عام يستذكر شعب أذربيجان وحكومتها هؤلاء الشهداء بإحياء ذكرى مأساة العشرين من كانون الثاني الدموية.