حيدر علييف .. وآفاق العلاقات العراقية الأذرية – معتز محي عبد الحميد
بقدرما نتأمل في تاريخ الشعوب بإمعان، بقدرما نلمح المسارات والطرق الوعرة التي كانت قائمة أمام زعماء هذه الشعوب خلال عملية بناء دول لشعوبهم والحفاظ على إستقلالها وسيادتها. ويخلص هذا التأمل المتمعن الى التأكيد بأن تاريخ الامه الاسلامية والأذربيجانية على سبيل المثال، يتشابه بدرجة ما من حيث حيثيات الظروف التاريخية التي كانتا منطقتا الشرق الأوسط والقوقاز تشهدان كل على حدة في حينه.
في حال جمهورية أذربيجان، فنرى أن إسم إستقلالها الحديث وسيادتها والمحافظة عليهما يرتبط إرتباطا كثيفا مع الرئيس حيدر علييف الذي بفضل حنكته وخبرته الكبيرة المتراكمة في غضون توليه المناصب العليا في سلم الحكم السوفييتي وحبه اللامتناهي لوطنه وشعبه وقريحته الوقادة وبأسه الطبيعي، إستطاع بناء الدولة المختلفة عن تلك التي كان مصيرها على محك في السنوات الأولى من تسعينيات القرن التاسع عشر والحفاظ عليها للأجيال الصاعدة.
لقد قاد الرئيس حيدر علييف اذربيجان من التفكك والتشرذم إلى الوحدة والاستقرار ومن الفقر والتخلف إلى التقدم والازدهار في كل مناحي الحياة، إنه بحق الزعيم التاريخي الخالد وباني نهضة أذربيجان الحديثة. لقد شكل صمام الأمان للوحدة الوطنية، وحال دون قيام حرب أهلية في فترة من الفترات الصعبة من مسيرة الشعب الأذربيجاني.
رجل المسؤولية والمواقف الصعبة
ولد حيدر علي رضا أوغلو علييف في 10 ايار 1923 في مدينة نخجيوان العريقة في أذربيجان التي تعتبر بحق الحاضنة التي انجبت لأذربيجان الأدباء والمفكرين والمعماريين الذين أثروا التاريخ الأذربيجاني بالعلم والمعرفة ومعطيات الحضارة، وقد تخرج من دار المعلمين الابتدائية وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره قدم إلى باكو والتحق بمعهد الصناعة الأذربيجاني ليصبح معماريا لكن الحرب العالمية الثانية أبعدته عن المعهد لفترة زمنية من 1941-1964? حيث مثلت هذه الفترة مرحلة صعبة من حياته. تخرج حيدر علييف من كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية إلى جانب حصوله على شهادة التخصص في مجال عمله في جهاز أمن الدولة الأذربيجانية. تم تعيينه في عام 1964 بمنصب نائب رئيس لجنة أمن الدولة ومنذ عام 1967 شغل منصب رئيس لجنة أمن الدولة لدى رئاسة الوزراء في جمهورية أذربيجان. وقد منح رتبة لواء، وشكل ذلك حدثا تاريخيا لكافة أبناء الشعب الأذربيجاني فلم يسبق ان تم تعيين شخصية أذربيجانية في مثل هذا المنصب إبان حكم الاتحاد السوفياتي.
في تموز 1969 تم انتخاب حيدر علييف سكرتير أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني ومنذ تلك الفترة أصبح قائدا لجمهورية أذربيجان بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة في ظل الحكم السوفياتي، وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى عام 1982.
لن ينسى الشعب الأذربيجاني انجازاته في مجال العمران وبناء المراكز الصناعية العملاقة الحديثة والتي لا مثيل لها في دول الاتحاد السوفياتي السابق، عدى عن افتتاح المراكز العلمية والثقافية وانشاء المدن والقرى والحواضر الجديدة. لقد أدرك حيدر علييف أن الاستثمار الحقيقي يكمن في فئات الشباب، فهم قادة المستقبل والثروة الحقيقية لأي أمة، ومن هنا كانت من أهم أولوياته تأمين التعليم للشبا ب وتمثل ذلك لهم في إنشاء المعاهد والجامعات المتقدمة في الاتحاد السوفياتي السابق. وقد أصبحوا الان علماء واساتذه يساهمون في نهضة بلادهم.في كانون الاول من عام 1982 انتخب حيدر علييف عضوا للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي وعين في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الاتحاد السوفياتي. وقد شكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في تدرجه السياسي وأصبح يشغل منصبا كبيرا ومهما في الحزب الذي لا يقل عدد أعضاءه عن 22 مليون شخص وبعد ذلك تم انتخابه عضوا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوا. لقد شكل انتخاب أول أذربيجاني للمكتب السياسي حدثا هاما في تاريخ الشعب الأذربيجاني.
في 15 حزيران من عام 1993 تم انتخاب حيدر علييف رئيسا لبرلمان أذربيجان وفي 24 من نفس الشهر وبدأ بقرار من البرلمان بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وتم انتخابه رئيسا للجمهورية من خلال الاستفتاء الشعبي العام في تشرين الاول من نفس العام. وتم إعادة انتخابه لفترة رئاسية الثانية في عام 1998.
توفي الرئيس حيدر علييف في عام 2003 عن عمر يناهز 80 عاما وعلى الرغم من مرور 18 عاما على رحيلة يبقى حيدر علييف رمزا من رموز القادة المحنكين الذي سطر في اعمالة تاريخ بلد لايختفي بسهولة من ذاكرة ووعي الشعب الأذربيجاني، إن تمسك الشعب الأذربيجاني بتخليد ذكرى ولادتة نابع من تعلق هذا الشعب به.
صديق العالم العربي
لقد كان ا الرئيس حيدر علييف ، يولي الأهمية الخاصة للعلاقات الثنائية مع العالم العربي هو الأخر، مهما كان النظام الشيوعي يتبع الأيديولوجية الماركسية ويعود ذلك الى تمسكه بالمبادئ الأخلاقية والمعنوية الخاصة بدعم قضايا الجغرافيا العربية الإسلامية بقوة، مما أكسبه لقبا “صديق العالم العربي الإسلامي”
تطور اجتماعي
وممن يهتمون بتاريخ الإتحاد السوفييتي، يلمون بسيرة ذاتية للزعيم الوطني حيدر علييف، حيث كان دوره أثناء هذه المرحلة من عمله القيادي حاسما في التطور الاجتماعي والاقتصادي لأذربيجان، إذا يعود إلى جهوده الفضل في وضع أذربيجان كإحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي أكثر إزدهارا.
وإستقال حيدر علييف في تشرين الاول عام 1987 من منصبه في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي إحتجاجا على سياسة المكتب وإرتباطة بالمأساة التي ارتكبتها القوات السوفيتية في 20 يناير 1990? و ظهر في اليوم التالي للمأساة في مفوضية أذربيجان في موسكو مع بيان يطالب فيه بمعاقبة منظمي ومرتكبي هذه الجريمة التي أرتكبت بحق شعب أذربيجان.
وفي ظل ظروف الحرب التي أطلقت عنانها أرمينيا والأزمة الاقتصادية العميقة التي سببها إنهيار النظام الاقتصادي السوفيتي والضغط الخارجي والصعوبات الداخلية من جراء كل هذا، في هذا الزمن العصيب من تاريخ أذربيجان، أبدى شعب أذربيجان موقفا حاسما خلال الإستفتاء العام وإختار في الثالث من تشرين الاول عام 1993 إبنه المخلص والصادق الهام رئيسا له وهكذا وضع الشعب أسسا لمستقبل آمن ومشرق للأجيال القادمة. وأذربيجان اليوم، إعتمادا على رؤية حيدر علييف، وتحت قيادة إلهام علييف، بلد ينمو بديناميكية، مع معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة. وقد حولت الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة للرئيس إلهام علييف، وقيادته الحكيمة وحكمه الرشيد للبلاد وسياسته الخارجية النشطة، أذربيجان إلى دولة رائدة على الصعيد الإقليمي وشريك يعتمد عليه في العلاقات الدولية
اذربيجان وعلاقاتها المتميزة مع العراق
يمكن القول بأن العلاقات القوية التي كانت تربط حيدر علييف مع زعماء العالم العربي بما فيهم العراق لها تأريخ قديم. .. حيث كانت للجانبين روابط دينية وثقافية وسياسية توحد البلدين عبر التأريخ. واغلب العلماء الأذربيجانيون درسوا في العراق.وتخرجوا من معاهدها الدينية في النجف وكربلاء ..
وهذا مااكدة شيخ الإسلام الله شكر باشا زاده رئيس مكتب مسلمي القوقاز في الاجتماع مع الوفد البرلماني العراقي برئاسة شيركو محمد صالح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان ، والذي زار اذربيجان في نيسان الماضي ..حيث أشار رئيس مكتب مسلمي القوقاز في اللقاء على الرغم من صعوبات الحقبة السوفيتية السابقة، ولكن كان المسلمون الأذربيجانيون يزورون الأماكن المقدسة في العراق وكذلك هناك المئات من العراقيين تلقوا تعليمهم في الاكاديميات والكليات في اذربيجان اثناء الحقبة السوفيتية . ونحن لاننسى دعم العراق للاذربيجان في إطار منظمة التعاون الإسلامي. واعترا ف العراق الدائم بوحدة أراضي أذربيجان ودعمها. حيث “كان 20 في المائة من أراضينا تحتلها القوات المسلحة الأرمينية واستمر هذا الاحتلال لمدة 30 عاما. ودمر المحتلون الأرمن آثارنا الدينية في قاراباغ. و حول العدو المساجد الى اصطبلات للمولشي وأظهروا كراهيتهم للمؤمنين.
ولكن الشعب الأذربيجاني تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة إلهام علييف قام بتحرير الاراضي المغتصبة نتيجة للحرب الوطنية التي استمرت 44 يوما. و تلقينا خلال الحرب رسائل دعم من العديد من الدول حول العالم، ويسعدنا أن العراق من بين هذه الدول ويذكر ان الوفد البرلماني التقى ايضا بوزير الخارجية الاذربيجاني جيهون بايراموف في باكو واكد خلال اللقاء استمرار تطوير العلاقات بين البلدين على اساس الروابط التاريخية والثقافية والدينية مشيرا الى تطور التعاون على المستويين الثنائي والمتعدد الجوانب على السواء يخدم الشعبيين الذين يشتركان في روابط ثقافية ودينية وسياحية منذ مئات السنيين. وقال الوزير ايضا ان هذه الزيارة تخلق فرصا لاجراء مناقشات مفيدة من حيث تطوير العلاقات بين اذربيجان والعراق فضلا عن توسيع العلاقات بين البرلمانين.
بدورة اشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس النواب العراقي الى العلاقات الايجابية القائمة بين البلدين وذكر بامتنان الدعم الاذربيجاني للعراق وكذلك المساعدة الانسانية التي قدمتها اذربيجان مؤخرا الى العراق ،وقد اجرى الطرفان تبادل الآراء حول آفاق تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين و توسيع التعاون في المجالات الانسانية والسياحية والتعليم وغيرها.