تأتي المناورات العسكرية الأذربيجانية التركية المشتركة التي انطلقت في منطقة لاتشين، ضمن برنامج الإفاقية العسكرية الموقعة بين أذربيجان وتركيا، والمعروفة باسم "اتفاقية شوشا"، والتي تسبق بأيام قليلة المناورات العسكرية الأذربيجانية التركية الباكستانية المشتركة "الأخوة الثلاثة- 2021".
في أعقاب الحصار الأخير الذي فرضه الجيش الأذربيجاني على طريق "جوروس- غافان"، أجرت قوات حفظ السلام الروسية مناورات في منطقة لاتشين، بما في ذلك تدريبات تكتيكية ضد طائرات بدون طيار وقذائف هاون متنقلة وتكتيكات قتالية "ضد العدو التقليدي المحتمل"، وكان من الواضح أن أذربيجان كانت هي ذلك العدو المحتمل في هذه المناورات، حيث لم تكن تلك المناورات الأولي، فقد قامت قوات حفظ السلام الروسية بالعديد من المناورات والتدريبات من قبل، فمنذ حوالي شهر، قامت قوات حفظ السلام بتدريبات على استخدام قذائف الهاون.
لم يعد سراً أن أذربيجان أصبحت غير راضية عن أنشطة قوات حفظ السلام الروسية، فقد أساءت تلك القوات لوظيفتها التي جاءت من أجلها وفق اتفاق إطلاق النار الموقع في 10 نوفمبر 2020، حيث لم يمنح الاتفاق قوات حفظ السلام الروسية أي تفويض لإجراء مناورات عسكرية، فقد جاءت تلك القوات لمراقبة أي انتهاك لاتفاق إطلاق النار فقط، ولكن يبدو أن تلك القوات الروسية تحاول القيام بدور بديل للأرمن، ومن يراقب تصرفات القوات الروسية يستنتج أن تلك القوات جاءت للبقاء في المنطقة بعد لفترة أبعد من السنوات الخمس التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار.
خلال مقابلة له مع قناة CNN Turk، قال الرئيس إلهام علييف بلغة دبلوماسية "أنه على علم بما يحدث علي الأرض، وما تقوم به قوات حفظ السلام الروسية"، وقبل يومين، قال حكمت حاجييف، مساعد الرئيس إلهام علييف لقناة BBC، "لا تزال المناقشات حول الآليات القانونية الإضافية لتفويض قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ لا تزال جاري"، حيث تعمل قوات حفظ السلام الروسية على حل المشاكل الاجتماعية للأرمن، منتهكين بذلك البند الرابع من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص علي انسحاب المقاتلين الأرمن من قره باغ.
وبدلاً من مراقبة الأنشطة العسكرية للجانبين الأذربيجاني والأرمني في المنطقة الفاصلة بين الجانبين، تغض قوات حفظ السلام الطرف عن مرور المعدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة الأرمينية عبر ممر لاتشين. وقد جاء موضوع إلقاء القبض على الجندي جميل باباييف من قبل الجماعات الإرهابية الأرمينية في أغدارا، الخاضعة لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية، ليزيد من تفاقم الوضع، وفي رد قائد قوات حفظ السلام، الجنرال رستم مرادوف، المسئول المباشر عن إطلاق سراح الجندي باباييف، ومعاقبة من قام بأسره، علي هذا الأمر، قال: "أنه أنهى عمله كقائد لقوات حفظ السلام الروسية بزيارة الجندي الأذربيجاني"، ولكن سيكون من السذاجة توقع أن يؤدي تعيين قائد جديد لقوات حفظ السلام الروسية إلى أي تغييرات في طبيعة الأنشطة التي تقوم بها تلك القوات، والتي تخالف ما جاء في اتفاق وقف إطلاق النار.
أما عن أهمية المناورات العسكرية الثلاثة الأذربيجانية التركية الباكستانية المشتركة، فقد قال مستشار الدولة السابق، والمحلل السياسي غابيل حسينلي، أن هناك عواقب سلبية محتملة نتيجة عمليات استعراض القوة بين الطرفين، فأذربيجان وتركيا وقعتا "اتفاقية شوشا" حول التحالف الاستراتيجي بين البلدين، والتي تهدف إلى التوحيد التدريجي للقوات المسلحة للبلدين في شكل لواء من الجيوش الشقيقة، وإنشاء الجيش الأذربيجاني في نسخة مصغرة من الجيش التركي، ونتيجة لذلك، سوف يسعى الجيشان الأذربيجاني والتركي لتحقيق نفس الأهداف الإستراتيجية، بالإضافة إلي عمليات الإمداد والتدريب والتسليح، الأمر الذي سيؤدي إلي وصول الجيش الأذربيجاني لنفس المعايير لدي الجيش التركي.
تم تنظيم تدريبات مشتركة للقوات الخاصة التركية والأذربيجانية تحت اسم "ألوية الجيش الشقيق" في منطقة لاتشين، وبالتوزاي مع ذلك، تجري مناورات مشتركة للقوات الجوية الأذربيجانية والتركية في مدينة قونيا التركية، ورغم أن تلك المناورات يتم تنظيمها منذ فترة طويلة، إلا أنها بدأت خلال الفترة الأخيرة في توسيع نطاقها، وبحسب جبيل حسينلي، فإن تدريب القوات الخاصة في لاتشين يهدف إلى العديد من الأمور الهامة: يأتي في مقدمتها زيادة مهارات القوات الخاصة الأذربيجانية والتركية في القيام بعمليات قتالية عالية التدريب. من ناحية أخري فإن قوات حفظ السلام تكتسب بالفعل مهارات قتالية عالية، كذلك فإن الإتجاهات المعادية لأذربيجان في أنشطة قوات حفظ السلام الروسية وموقفهم المؤيد للأرمن منذ وصولهم يظهر بوضوح أنهم ليسوا قوات لحفظ السلام، ولكنهم جزء من الإحتلال الروسي. ومن هنا تأتي أهمية التدريبات العسكرية المشتركة لأذربيجان وتركيا وباكستان، والتي تهدف إلي ردع أي عدوان والحفاظ علي وحدة أراضي أذربيجان، وممارسة ضغط نفسي قوي على الأرمن والروس في نفس الوقت.
تشكل هذه الأهداف للمناورات العسكرية الثلاثية أحد العوامل الهامة التي من شأنها تعزيز موقف أذربيجان في عملية المفاوضات مع كل من الأرمن والروس، ولذلك فإن بداية تشكيل الألوية الشقيقة لأذربيجان وتركيا، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة ستشكل جوهر جيش توران، وبإضافة القوات الباكستانية إلي القوتين الأذربيجانية والتركية، فإن ذلك يشكل قوة عالمية، خاصة وأن باكستان لديها ثقة كبيرة في تركيا وأذربيجان، كما تكمن أهمية تلك المناورات في اختيار مناطق التدريب في أذربيجان، حيث يعد إقامة تلك المناورات في المناطق المحررة التي تم تطهيرها من الألغام مثل أغدام وفضولي من أهم الاختيارات الاستراتيجية.
يعد الدعم المتواصل الذي تقدمع تركيا بمثابة الركيزة الأساسية لضمان وحدة أراضي أذربيجان، كما يشكل انخراط باكستان في هذه العملية إضافة استراتيجية للقوة والإمكانات العسكرية لأذربيجان، ورفع الحالة المعنوية للجيش الأذربيجاني، حيث يأتي دعم الدول الصديقة والشقيقة لأذربيجان بمثابة ضغط نفسي علي القوات الأرمينية والروسية، وفي نفس الوقت تشكل صمام أمان لضمان وحدة أراضي أذربيجان وتحقيق سيادتها الكاملة في الجزء الجبلي من قره باغ وتحقيق سيادتها الكاملة علي كافة التراب الأذربيجاني.
جلنار سالموفا