يتزايد الاستياء يوما بعد يوم من دخول قوات حفظ السلام الروسية إلى منطقة الصراع بموجب البيان الثلاثي المشترك الذي تم توقيعه لوقف إطلاق النار في حرب قره باغ العام الماضي. إن استياء أذربيجان من قوات حفظ السلام الروسية واضح ويتم التعبير عنه في أعلى الدوائر.
على سبيل المثال، وجهت وزارة الدفاع الأذربيجانية اتهامات مباشرة لقوات حفظ السلام بأنها تقوم بالمساعد علي دخول جنود أرمن جدد إلى قره باغ. كذلك قال حكمت حاجييف، مساعد الرئيس الأذربيجاني للسياسة الخارجية، لقناة BBC إن المحادثات جارية مع موسكو لوضع تفويض قوات حفظ السلام في الإطار الذي نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من نوفمبر 2020، لكن على ما يبدو أن الأوساط السياسية الأذربيجانية والشعب الأذربيجاني غير راضين تماماً عن أنشطة قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ، فوفقاً للأذربيجانيين، فإن الروس موجودون هنا فقط لحماية مصالح وأمن الأرمن، وهذا ما لم ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار.
ماذا عن الأرمن؟ هل الأرمن راضون عن أنشطة قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة؟
بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن الأرمن في قراباغ يعبرون في كثير من الأحيان عن عدم رضاهم عن قوات حفظ السلام، وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن المثير للاهتمام، أنه عندما تم انتهاك وقف إطلاق النار في قره باغ، اعتاد الأرمن إلقاء اللوم على باكو، كما ألقى الأذربيجانيون باللوم على يريفان. وفي الوقت الحالي، فإن قوات حفظ السلام في كلا البلدين متهمة بشكل أساسي بانتهاك وقف إطلاق النار. فالأرمن في قره باغ، على وجه الخصوص، يلقون باللوم علي قوات حفظ السلام بسبب الصعوبات التي يواجهونها في استخدام طريق خانكندي- شوشا. بالإضافة إلى ذلك، يتهمون قوات حفظ السلام بعرقلة أنشطتهم العسكرية، قائلين بأنه قيل لهم لا يُسمح للأرمن بحفر الخنادق وبناء المخابئ، ولأن هذه الأراضي ليست ملككم.
أصبح انتقاد امرأة أرمنية لقوات حفظ السلام الروسية، في الأيام الأخيرة، يحظي بانتشار واسع في وسائل الإعلام، وعلي شبكات التواصل الاجتماعي الأذربيجانية والأرمينية. ففي أول أغسطس، تم تسليم إيزورا بالاسانيان، التي أرادت العودة إلى شوشا مع أطفالها الأربعة الصغار، إلى جهاز الأمن في خانكندي من قبل قوات حفظ السلام الروسية، وقالت بالاسانيان في مقابلة: "نعم، لقد التقطت صوراً لزوجي ووالدتي، اللتين توفيا لأنه لم يكن لدي مكان أعيش فيه أنا وأولادي، وذهبت إلى شوشا، لكم لم يسمح لي الجنود الروس بالدخول واستدعوا قادتهم. ثم جاء جهاز الامن.
كما أوضحت بالاسانيان أسباب الرغبة في العودة إلى شوشا، أنه بعد حرب قره باغ، تم وضعها هي وعائلتها في عنبر للنوم في خانكندي، ومع ذلك، ارتفع سعر الغرفة من 100 ألف درهم "حوالي 340 مانات أذربيجاني"، فجأة إلى 150 ألف درهم "حوالي 510 مانات أذربيجاني"، وبعد ذلك ناشدت إزورا جميع الجهات الحكومية أن توفر لعائلتها مكاناً آخر للعيش فيه، لكن طلبها قوبل بالتجاهل، لذلك قررت العودة إلى شوشا.
قالت إزورا في مقابلة صحفية إن مئات الأرمن كانوا في وضع شديد الصعوبة بعد الحرب، فالحكومة الأرمينية لا تتخذ أي إجراءات للتخفيف لامن معاناتهم، ولذلك تأمل أن يأتي المخرج لتلك الأزمات من الجانب الأذربيجاني، وهي علي استعداد للمشاركة في أعمال البناء وإعادة الإعمار في شوشا والمناطق المحيطة بها، وبالتالي لديهم الفرصة لكسب لقمة العيش. إنهم يعتقدون أن الحصول على الجنسية الأذربيجانية والعيش حياة طبيعية أمر واعد أكثر من العيش تحت رقابة خاصة كسجين في خانكندي، ومن ثم يتضح من هذا الحادث أن قوات حفظ السلام الروسية تعرقل حركة ونشاط الأرمن في العديد من القضايا التي ليست من اختصاصها.
ما هو سبب عدم سماح قوات حفظ السلام لامرأة مسالمة أرادت الانتقال إلى شوشا، وتريد العيش بها وفق القوانين الأذربيجانية السائدة في المدينة؟
يواجه الأرمن الذين يعيشون في خانكندي وعسكران وخوجالي حالياً العديد من المشاكل الاجتماعية، حيث تدهورت خدمات الكهرباء، والمياه، والإنترنت، والرعاية الصحية والاجتماعية، وغيرها. وتتفاقم المشكلات وتزداد حدتها يوماً بعد يوم. بالإضافة إلى ذلك، يستمرون في العيش في ظل خوف وتوتر شديدين. وبالتالي، فإن الأرمن الذين يعيشون هناك لا يثقون بقوات حفظ السلام الروسية، الذين هم الضامن الرئيسي لأمنهم.
يواجه المواطنون الأرمن في تلك المناطق مشاكل اجتماعية كبيرة، في الوقت الذي تتسارع فيه عمليات البناء والإعمار في في شوشا، وبالنظر إلى شوشا، المزينة بأضواء ساطعة من خانكندي المظلمة، يدرك الأرمن أن المقاومة لا معنى لها، وأنه من الأفضل لهم الاندماج في النظام السياسي والقانوني والاقتصادي لأذربيجان من أجل العيش بشكل طبيعي وآمن.
أول من حاول العبور إلي أذربيجان، هي السيدة إيزورا، التي لم يكن لديها ما تخسره بحسب قولها. ومع ذلك، فقد تم اعادتها من قبل قوات حفظ السلام الروسية، لأنهم يعلمون جيداً أنه إذا سمحت قوات حفظ السلام للمواطنين الأرمن بالانتقال إلى شوشا وغيرها من المدن التي تسيطر عليها أذربيجان، فستبدأ علي الفور هجرات كبيرة من خانكندي وعسكران وخوجالي، وستكون هذه الهجرة بمثابة هجرة تقطع جميع الروابط الإنسانية بين أرمن قره باه وجمهورية أرمينيا، وبالتالي دفن مشكلة قره باغ في أعماق التاريخ. كل هذه السيناريوهات تشكل هو كابوساً مزعجاً بالنسبة لروسيا، لأنه بالنسبة لها إذا تم دمج أرمن قره باغ في أذربيجان، فمن الذي ستتم حماية قوات حفظ السلام الروسية، كما هو الحال في المنطقة الآن؟ وإذا كانت مشكلة قرة باغ مدفونة في التاريخ، فما هو النفوذ الذي ستستخدمه روسيا للضغط على أذربيجان وأرمينيا؟ ومع ذلك، يبدو أن هذه العملية قد بدأت بالفعل وتتحرك ضد روسيا وممثلها المسلح في المنطقة، قوات حفظ السلام الروسية.
نجات إسماعيلوف