تركمان العراق.. من تهميش واضطهاد إلى مصير مجهول

تحليلات 13:48 03.11.2016

يواجه تركمان العراق في الوقت الراهن أصعب مرحلة من تاريخهم المعاصر، فبعد اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي في صيف 2014 لأغلب مدنهم، وبلداتهم، وقراهم شمال العراق وشرقه، وتحول مناطقهم إلى منطقة صراع نفوذ بين قوى داخلية وإقليمية، تأتي كل هذه المستجدات لتضاف إلى عقود من سياسات الاضطهاد والصهر القومي الذي مورس بحقهم إبان الأنظمة العراقية السابقة.

وفي ظل التطورات الجارية بالعراق، وخصوصاً مع بدء عملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش، وتحذيرات قوى تركمانية وعراقية وإقليمية من إمكانية حدوث "انتهاكات وتجاوزات" خطيرة بحق أبناء المكون التركماني في محافظة نينوى وخصوصاً مدينة تلعفر الاستراتيجية.

كل هذه المستجدات تستوجب تسليط الضوء على تركمان العراق، الذين يعتبرون الجسر الواصل بين العراق ودول العالم التركي مثل تركيا، وأذربيجان، ودول أسيا الوسطى، ليتسنى للقارئ العربي التعرف على هوية، وهموم، ومعاناة هذا المكون.

من هم تركمان العراق

التركمان أو أتراك العراق، هم ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، يعيشون في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) منذ أكثر من ألف عام، وتشير المصادر التاريخية أن وجود التركمان في أرض العراق، جاء مع الفتح العربي الإسلامي للعراق، وكان أول دخولهم العراق سنة 54 هجرية، إلا أن بعض المصادر الأخرى ترجع وجودهم إلى أقدم من هذا التاريخ بكثير.

أسس التركمان في بلاد مابين النهرين ، العديد من الدول والإمارات، أهمها دولة سلاجقة العراق، وأتابكية الموصل، وأتابكية أربيل، والقبجاق في كركوك، والدولتين أق قويونلو (الخروف الأبيض) وقره قويونلو (الخروف الأسود).

وكان للتركمان أثر بالغ في تاريخ الدولة العباسية، برز منهم العديد من القادة العسكرين، والأمراء، كما أسهموا في رفد الثقافة والأدب التركي والعربي بالعديد من الإنجازات، ومن أهم الشخصيات التركمانية، الشاعر الكبير فضولي البغدادي، وعبد الوهاب البياتي، ومصطفى جواد، وغيرهم.

وأسهم التركمان في قيام ثورة العشرين وخصوصاً مدينة تلعفر التي كانت لها دوراً بارزاً في مقاومة الاحتلال الإنكليزي عام 1920، وكما أسهم جنرالات وضباط تركمان في تأسيس الجيش العراقي.

يتحدث أغلب التركمان في العراق اللهجة التركمانية وهي إحدى اللهجات التركية، والفرق بينها وبين التركية الإسطنبولية، كالفرق بين اللهجة العربية العراقية، والسورية. كما أن هناك عدد كبير من التركمان يتحدثون العربية ولا يجيدون التركمانية بحكم سكنهم في المناطق العربية، كالعاصمة بغداد، وبعض المناطق في وسط وجنوب البلاد.

المناطق التي يقطنها التركمان في العراق

يقطن التركمان في منطقة "توركمن إيلي"، وهي على شكل خط فاصل بين المنطقة الكردية في أقصى شمال العراق، والمناطق العربية في الوسط والجنوب، مروراً بمحافظة "نينوى"، ومدينة أربيل التي تعتبر من أقدم مراكز الاستيطان للتركمان، وكركوك مدينتهم التاريخية، وفي طوزخورماتو، وآمرلي، وينكجة، سليمان بيك وقرى البيات في محافظة صلاح الدين، وقضائي كفري، وخانقين، ونواحي قره تبه، وجلولاء (قره غان)، والسعدية (قزلرباط)، ومندلي، وقزانية، والمنصورية بمحافظة ديالى، وفي محافظة الكوت، إلى جانب وجود عدد كبير من التركمان في العاصمة بغداد.

وتمتد منطقة "توركمن إيلي" على خط جغرافي منحنٍ يبدأ من مدينة تلعفر على الحدود العراقية السورية، وينتهي إلى مدينة مندلي عند الحدود العراقية الإيرانية، حيث تمر بالمحافظات المذكورة أعلاه.

عدد السكان التركمان

ظل عدد التركمان سراً من الأسرار، وفي طي الكتمان لدى السلطات في العراق، حيث دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة على إظهار عدد التركمان بنسبة ثابتة لا تتغير وهي 2% التي لا تمت إلى الواقع بصلة، بحسب كثير من المتابعين، ومورس بحقهم عمليات صهر قومي، وسياسة تعريب واضطهاد ممنهجة، حيث أدت تلك الضغوط والممارسات إلى تعريب مئات الآلاف منهم، إلا أن الكثيرين منهم لازالوا يحافظون على لغتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.

تشير التقديرات غير الرسيمة، أن عدد التركمان في العراق يتجاوز المليونين ونصف المليون، في حين تُقدر مصادر تركمانية عددهم بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون ، ولا توجد احصائية محايدة عن عددهم في العراق، كما هو حال مع باقي القوميات والأديان في البلاد.

تدين الغالبية العظمى من التركمان بالدين الإسلامي، حيث ينتمون إلى المذهبين السُني والشيعي، مناصفة بحسب مصادر تركمانية، إذ يوجد في العشيرة الواحدة، وأحياناً في الأسرة الواحدة أفراد من كلا المذهبين، كما أن هناك بضعة آلاف من التركمان المسيحيين يقطنون في كركوك.

يحظى تركمان العراق بنسبة عالية من المتعلمين، فمنهم الآلاف من الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والمعلمين والإداريين، والضباط، والأكاديميين، فهم يهتمون بتعليم أبنائهم وبناتهم، وضرورة إكمالهم الدراسة الجامعية.

معاناة التركمان في العراق

تعرض التركمان إلى العديد من المجازر على مر التاريخ كان أهمها مجزرة كركوك عام 1924 علي يد القوات البريطانية، ومجزرة "كاورباغي" سنة 1946، خلال إضراب عمالي عام لمنتسبي شركة نفط العراق في كركوك، ومجزرة كركوك 1959 على يد الشيوعيين، ومجرزة "ألتون كوبري" سنة 1991 على يد نظام صدام حسين.

مورست سياسة تعريب ممنهجة من قبل الحكومات المتعاقبة، كان أشدها في زمن نظام البعث، حيث طُبق بحقهم سياسة "تصحيح القومية"، التي أجبر على إثرها الكثير من التركمان على تغير قوميتهم إلى العربية، وأقدمت السلطات العراقية على تغيير الواقع السكاني للمناطق التركمانية، وتغيير وحداتها الإدارية، واستبدال أسماء المدن والبلدات، والقرى، والأحياء من أسمائها التركمانية الأصلية إلى أسماء عربية، ذات دلالات بعثية.

كما صادرت الحكومة آلاف الدونمات من أراضيهم ووزعتها على العوائل العربية التي جلبت من الجنوب بهدف التعريب، وأيضاً استملاك أراضيهم، أو مصادرتها باسم قانون الاصلاح الزراعي.

وبعد 2003 (سقوط نظام صدام حسين) تعرض التركمان إلى الإقصاء والتهميش، واستبعدوا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى السياسية العراقية الأخرى، عن إدارة الدولة العراقية، وتم إضعاف دورهم في العميلة السياسية، وتعرضت المناطق التركمانية إلى تغيير ديمغرافي جديد، بحجة إعادة المرحلين.

التركمان بعد اجتياح داعش


بعد سقوط النظام في 2003 شنت خلايا تابعة لتنظيم القاعدة، وأخرى لتنظيم داعش، ولغاية 10 حزيران 2014، سلسلة هجمات دامية استهدفت المناطق التركمانية بشكل خاص، حيث سقط آلاف الضحايا من أبناء المكون التركماني بين قتيل وجريح.

واستخدمت التنظيمات الإرهابية، إنتحاريين، وسيارات وشاحنات محملة بالمتفجرات، كتلك التي وقعت في مدن آمرلي، وتازة خورماتو، وقزلرباط، و تلعفر، وكركوك، وشهد قضاء طوزخوماتو أعنف الهجمات بشكل شبه يومي، وتمكن تنظيم القاعدة في 2004 من زرع الفتنة الطائفية في مدينة تلعفر ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من أبناء المدينة.

وفي السنوات الأخيرة طالت عمليات الإغتيال عدداً من القادة والمسؤولين، والأطباء التركمان، في كركوك والموصل، وطوزخورماتو، إلى جانب عمليات خطف لأبناء المكون، لأخذ الفدية منهم، وأحياناً يتم قتل المخطوفين وإلقائهم جثثهم على جانب الطرقات، دون أن تتمكن السلطات العراقية من تحديد هوية تلك الجهات، ووقفها.

بعد الانسحاب المفاجئ للجيش العراقي في 10 حزيران/ يونيو 2014 من الموصل، أمام هجوم تنظيم داعش الإرهابي، نزح مئات الآلاف من التركمان إلى مناطق أخرى في شمال العراق وجنوبه وإلى العاصمة بغداد.

وواصل التنظيم هجومه على المدن والبلدات والقرى التركمانية، حيث تشرد سكانها في محافظات مختلفة. ومن أهم المدن التي يقطنها التركمان وسيطر عليها داعش، هي الموصل، وتلعفر والعياضية، والرشيدية، وقرة قوين، والسلامية، والمحلبية، بمحافظة نينوى (شمال) وجلولاء، والسعدية، ومنصورية الجبل في محافظة ديالى (شمال شرق)، وينكجه، وقرى البيات في محافظة صلاح الدين (وسط) وفي محافظة كركوك احتل التنظيم بلدة بشير واستخدم السلاح الكيمياوي ضد التركمان في ناحية تازة خورماتو جنوب كركوك (شمال)، واختطف التنظيم العشرات من النساء والرجال من أبناء المكون التركماني، حيث لازالوا في قبضة التنظيم لا يُعرف مصيرهم.

مطالبهم

يطالب التركمان في العراق، بالحصول على كامل حقوقهم المهضومة منذ عقود، وضرورة مشاركتهم في إدارة الدولة العراقية، وتسلمهم مناصب سيادية، وضرورة ممارسة حقوقهم، الإدارية، والسياسية، والثقافية، والتعليمية، وإزالة الغبن والتهميش، وآثار سياسات التعريب التي مورست بحقهم، واستعادة أراضيهم، وتعليم أبنائهم بلغتهم الأم، وتحويل أقضيتهم الكبيرة مثل تلعفر وطوزخورماتو وخانقين إلى محافظات، وعدم تكرار التجاوزات على أراضيهم وممتلكاتهم وتاريخهم العريق في بلاد وادي الرافدين، وتغيير مفردات كتب التاريخ في مناهج الدراسة التي تعتبر دولهم عبر التاريخ احتلال.

ويخشى التركمان، كما الكثيرون من المثقفين العراقيين، من زوال هذه القومية العريقة التي تعد أحد مكونات فسيفساء المجتمع العراقي الغني بتنوعه الأثني، والديني، والمذهبي النابع من احتضان وادي الرافدين لأقدم الحضارات في العالم، الأمر الذي سيفقد البلاد أحد أهم ألوان طيفه المجتمعي.

-------------------------------------------------------------------------

المصادر:

أرشد الهرمزي، حقيقة الوجود التركماني في العراق، اصدارات وقف كركوك،2005 أنقرة.

نجات كوثر أوغلو، معجم المواقع العراقية بأسماء تركمانية، مؤسسة وقف كركوك، 2014، كركوك.

نصرت مردان، الصحافة التركمانية في العراق بين قرنين 1911- 2006، مؤسسة وقف كركوك، 2010.

 

مصور حيدر علييف : حيدر علييف كان سببًا في احترافي التصوير

أحدث الأخبار

هل يفي باشنيان بوعده باحلال السلام مع أذربيجان بحلول نوفمبر المقبل؟
17:34 13.05.2024
غالانت يُطلع بلينكن على مستجدات عملية رفح
17:00 13.05.2024
نتانياهو: إسرائيل في صراع وجودي ضد "وحوش حماس"
16:00 13.05.2024
ميرزايف يحصل علي شهادة فخرية من حزب أذربيجان الجديدة
15:30 13.05.2024
لم يعد أمام باشينيان حلول سوي إبرام اتفاق سلام مع أذربيجان واستعادة العلاقات مع تركيا
14:52 13.05.2024
سفير أمريكا لدى إسرائيل ينفي حدوث تغير في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب
14:00 13.05.2024
برلماني أوكراني : روسيا تعيش أوضاع "مضطربة"
13:30 13.05.2024
ماذا نعرف عن أندري بيلوسوف؟
13:15 13.05.2024
مستشار خامنئي: طهران منفتحة على إجراء محادثات مع واشنطن
13:00 13.05.2024
شابس: شويغو مسؤول عن 355 ألف ضحية في صفوف الجيش الروسي
شابس: شويغو مسؤول عن 355 ألف ضحية في صفوف الجيش الروسي
12:45 13.05.2024
رجل يطلق النار من برج سكني في هامبورغ
12:30 13.05.2024
ليتوانيا: إقالة شويغو "رسالة" للشعب الروسي
12:15 13.05.2024
9 قتلى جرّاء هجوم صاروخي أوكراني على بيلغورود
12:00 13.05.2024
أردوغان تركيا الأكثر تقديما للمساعدات إلى غزة
11:45 13.05.2024
مقدونيا الشمالية.. الرئيسة تمتنع عن لفظ اسم بلدها خلال أداء اليمين الدستورية
11:30 13.05.2024
طهران تترقب وصول فريق من الذرية الدولية لبحث التعاون بينهما
11:15 13.05.2024
قس أرمني: أريد العودة إلى قاراباغ
11:12 13.05.2024
بريطانيا: جاهزون للحرب
بريطانيا: جاهزون للحرب
11:05 13.05.2024
سلطان عُمان يبدأ الاثنين «زيارة دولة» إلى الكويت
11:00 13.05.2024
رئيس وزراء جورجيا يتعهد بتمرير قانون العميل الأجنبي خلال أيام
10:45 13.05.2024
حزب الله يدخل ثالث منظومات الصواريخ الثقيلة إلى المعركة ضد إسرائيل
10:30 13.05.2024
تساؤلات بشأن اهتمام طائفة البهرة بتطوير مساجد آل البيت في مصر
10:15 13.05.2024
برنامج الأغذية العالمي يحذر من نزوح جديد لعائلات غزة بحثا عن الغذاء
10:00 13.05.2024
القاهرة تصعد تدريجياً ضد تل أبيب
09:45 13.05.2024
الأونروا ادعاءات إسرائيل بوجود مناطق آمنة بغزة كاذبة ومضللة
09:30 13.05.2024
الرئيس الروسي يقيل وزير الدفاع سيرجي شويجو
09:15 13.05.2024
أردوغان نتنياهو تخطى هتلر في أساليب الإبادة الجماعية
09:00 13.05.2024
روسيا تحرز تقدما جديدا في الاشتباكات الحدودية قرب خاركيف
16:00 12.05.2024
انطلاق احتفالية شوشا عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2024
15:00 12.05.2024
رئيس ليتوانيا يأمل في الفوز بولاية جديدة في انتخابات
14:00 12.05.2024
سلطان عمان في زيارة دولة إلى الكويت
13:00 12.05.2024
رئيس وزراء اليونان يزور تركيا
12:00 12.05.2024
اندلاع حريق في مصفاة نفط في روسيا
12:00 12.05.2024
يشبه المهاجرين بثعبان
11:00 12.05.2024
بايدن يضع شرطاً لوقف حرب غزة
10:00 12.05.2024
العراق يطيح بشبكتين دوليتين للإتجار بالبشر
09:00 12.05.2024
هايدي كون تجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي
17:29 11.05.2024
المصور الإسباني جيرفاسيو سانشيز يزور مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
16:38 11.05.2024
الجيش الإسرائيلي: 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح
15:00 11.05.2024
رئيس جهاز المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة يزور أذربيجان
13:53 11.05.2024
جميع الأخبار