مضت 8 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وجورجيا. على الرغم من الاختلافات في توجهات السياسة الخارجية انطلقت عملية تطبيع العلاقات بين روسيا وجورجيا وحققت نتائجها الأولية الملموسة. بين البلدين التعاون المثمر في مجالات الأمن مثل مكافحة الإرهاب وعاد جزء من المنتجات الجورجية إلى السوق الروسية والأهم هو أن روسيا وجورجيا تحتفظان على العلاقات الثابتة في مجال الطاقة. مع ذلك، لم تستبعد الحكومة الجديدة إعادة العلاقات الطبيعية وحسن الجوار مع روسيا، ولا سيما في الاقتصاد حيث كانت الطاقة تتمتع بمكانة جيوسية أكثر أهمية مما الاقتصادية في إطار العلاقات الثنائية بين جورجيا وروسيا.
الاحتكار الغازي لروسيا في جورجيا
اعتباراً من عام 2007 لم تستورد جورجيا الغاز الطبيعي من روسيا، بل تحصل على 10% بمثابة التعويض لضمان نقل الغاز الروسي إلى أرمينيا عبر أراضيها. وعلى الرغم من انخفاض تبعية جورجيا للغاز الروسي خلال السنوات الأخيرة بشكل محسوس لا تزال تبقى الشركات النفطية والغازية كمساهمين أساسيين في مجال الطاقة الجورجي حيث في ملكية شركة "لوك أويل - جورجيا" الروسية في الوقت الحاضر مخزن النفط الكبير في تبيلسي ولديها أغلبية الأسهم لمخزن النفط الآخر الواقع في منطقة متسيخيت الجورجية. كما لدى هذه الشركة الروسية حق الملكية على 62 محطة التعبئة بالوقود وهي أكبر الشبكة لمحطات التعبئة بالوقود في جورجيا، وتضمن شركة "لوك أويل" ربع إجمالي مبيعات الديزل والبنزين في سوق جورجيا.
تجدر الإشارة إلى النهج السياسي الناجح لجورجيا في مجال تنويع مصادر موارد الطاقة. وبمقارنة عام 2006 حيث كانت 97% من الغاز تستورد من روسيا ففي الوقت الحالي لجورجيا مصدران أساسيان لاستيراد الغاز من أذربيجان. وفي الوقت الحاضر تغطى شركة النفط لدولة جمهورية أذربيجان SOCAR وشركة «Statoil» النورويجية وشركة BP المشرف التجاري على مجمع أنابيب نقل الغاز للقوقاز الجنوبية 90% من طلبات جورجيا في الغاز. نعم، تراجعت روسيا إلى المركز الثاني في قائمة مصدري الغاز إلى جورجيا ولكن هذا لا يعني أن روسيا حرمت من كلمة الفصل في السياسة الطاقوية لجورجيا. في عام 2015 حصلت شركة "روس نفط" الروسية على 48% من اسهم «Petrocas Energy Ltd» بما فيها محطة التعبئة في ميناء بوتي بجورجيا على شاطى البحر الأسود وأنها أكبر شبكة المبيعات المكونة من 140 محطة للتعبئة بالوقود في جورجيا. بفضل هذا الاتفاق وسعت شركة "روس نفط" تواجدها في القوقاز الجنوبية والحكومة الجورجية الجديدة التي تولت الحكم في البلاد عام 2012 اتفقت مع روسيا حول رفع العلاقات الطاقوية والاقتصادية على المستوى الجديد المفيد للطرفين انطلاقاً من مصالحهما. كانت روسيا تعتمد على السيناريوهات التقليدية في تعاملها السياسي مع جورجبا والذي يتبين في خصخصة الشركات المربحة وكذلك خصم الديون المذخرة. وهكذا، تمكنت روسيا من الاحتكار على صناعة الطاقة في جورجيا والاستفادة منها لمصالحها السياسية.
محطة التعبئة بالوقود لشركة " لوك أيل" الروسية
حورجيا مهتمة في التقارب الاقتصادي مع روسيا
وافقت الحكومة الجورجية على بيع أغلبية أسهم شركاتها مقابل ضمان التصدير المتواصل للغاز بالأسعار المنخفضة والاستثمارات الروسية الثابتة. وقد تغلغلت الاستثمارات الروسية في المجالات الآستراتيجية لاقتصاد جورجيا مثل الماليات والكهرباء وصناعة الكيماويات وأكثر من هذا. وبعد فك الحصار الاقتصادي على روسيا في عام 2013 تحولت روسيا إلى السوق الرئيسية لخمور الجورجية. ولا شك في أن روسيا سوق هائلة لمنتجات جورجيا. مع ذلك قد تمنح مقترحات روسيا حول التكامل في الساحة الاقتصادية العامة وإنشاء شبكة الخطوط الحديدية الموحدة لمنطقة القوقاز الجنوبية فرص جديدة لاقتصاد جورجيا.
وثانياً، من الواضح أيضاً أن روسيا متمسكة بحصة الأسد في صناعة الطاقة الجورجية وتضمن الاستثمارات المتواصلة. وأخيرا، فإن السياسة السلبية للغرب تجاه تكامل جورجيا إلى حلف الشمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، حتى بعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا توضح لحكومة جورجيا، أن الدعم المالي هو الحد الأقصى الذي يمكن تتوقعه من الغرب. وهكذا، في هذه اللحظة، والتقارب الاقتصادي مع روسيا وتحظى بتأييد واسع لعدد من المسئولين في جورجيا.
سلوك روسيا من خلال منظور نظرية التكامل الأوروبي الجديدة
على ضوء زيادة الاستثمارات الغربية في مجال الطاقة في جورجيا وباعتبار الموقع الاستراتيجي الهام لجورجيا كدولة الترانزيت للنفط والغاز من بحر قزوين، بدأت موسكو بإعادة النظر في سياسة جامدة وقسرية تجاه جورجيا.
تدرك روسيا أنه من المستحيل أن تحول سياسة الإجبار والتدخل دون تكامل جورجيا مع الغرب. والهدف من دبلوماسية النفط الروسية هو زيادة حصة روسيا في قطاع الطاقة في جورجيا. تمكن الحصة الكبيرة في قطاع الطاقة في جورجيا لروسيا من تحقيق التوازن مع الاستثمارات الغربية ومن إتاحة الفرصة للتأثير على القرارات الجيوسياسية للحكومة. ويمكن تفسير قرار روسيا لتحقيق الاستقرار في الشراكة الاقتصادية مع جورجيا بعد ثماني سنوات من المواجهة من خلال منظور النظرية الجديدة للتكامل في مجال العلاقات الدولية، والتي قدمها الباحثون الأمريكيون برئاسة إرنيست هاس (Ernst Haas) في الخمسينات من القرن الماضي. وأوضح العالم الأمريكي أن فكرة التكامل الإقليمي على الأساس الاقتصادي، تتحول تدريجيا إلى التعاون السياسي. ويمكن تمديد التقارب الاقتصادي إلى أوثق التكامل الطاقوي أو أكثر من ذلك إلى التكامل السياسي على المدى الطويل.
في السنوات الأخيرة، ازدادت ديون جورجيا لتوريدات الغاز الروسية إلى حد كبير والتي تعجز جورجيا على تسديدها. وتستفيد روسيا من هذا، وانتهجت سياستها "استبدال الديون بالأسهم" لزيادة أصولها في البيزنس الطاقوي في جورجيا. على الرغم من أن المؤسسات المشتراة ليست دائما مفيدة لروسيا، ولكن هذا يمكن له من الحفاظ على موقف أقوى في عمليات صنع القرار. ويعتبر خلق الشراكة مع جورجيا في مجال الطاقة أفضل وسيلة لحفاظ روسيا على تأثيرها، في حين أن التدخل العسكري ليس خيارا، خصوصا بعد الأحداث في أوكرانيا.
وعموما، التعاون الجورجي الروسي في مجال الطاقة مهم جدا، لكن له أهمية سياسية أكثر من اقتصادية. على مدى العقد الماضي، فقدت روسيا مكانتها باعتبارها المورد الرئيسي للغاز إلى جورجيا، والآن لديها فقط حصة بعشر حجم توريدات الغاز الى جورجيا. ومع ذلك، عملية الاحتكار الروسي الواسع والسريع لشركات الطاقة في جورجيا تتواصل في الزيادة. وعبر هذه السياسة، تتمتع روسيا حاليا بإمكانية التدخل في السياسة الداخلية لجورجيا والاحتفاظ بالسيطرة على مشاريع الطاقة المختلفة في جنوب القوقاز.
الكاتبة: أناستاسيا لافرينا
الترجمة من الروسية: ذاكر قاسموف