ربما تكون معركة حلب قد وصلت إلى نهاية، لكن الصراع على مستقبل سوريا مستمر بل في الحقيقة قد يصبح أكثر دموية مما هو عليه الآن.
وتعد الهزيمة الساحقة للمعارضة المسلحة التي كانت تتمركز في شرقي حلب نصرا دعائيا للرئيس السوري بشار الأسد، الذي أصبح يسيطر على كل المدن الكبرى الرئيسية في البلاد تقريبا.
وتعتبر استعادة حلب، التي كانت أكبر مدن سوريا تعدادا في السكان ومركزها المالي والتجار، جائزة كبرى للنظام السوري.
فاستعادة السيطرة على حلب بأكملها ليس انتصارا للأسد فقط، بل لحليفيه إيران وروسيا.
وقد لا تمثل حلب أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا، لكن هزيمة المعارضة غيرت من مسار الصراع وصبت في مصلحة الرئيس السوري وزادت حظوظه التي كانت في تراجع قد التدخل الروسي.
فقد جاء اللاعب الخارجي، روسيا، ليرجح كفة قوات النظام ويؤمن تطلعاتهم الاستراتيجية، وهي التطلعات التي يُرجح أن تلعب دورا هاما فيما ينتظر سوريا في المستقبل.
وإذا عززت القوات الحكومية سيطرتها على حلب، تكون بذلك قد أحكمت قبضتها على ما يُعرف بالمناطق "الأكثر أهمية في سوريا"، إذ يضم الغرب السوري على أهم المدن الرئيسية وساحل المتوسط.
ولم يعد هناك خيار أمام الأسد سوى أن ينحت الدولة الجديدة ويعزز وجود "ما تبقى من سوريا".
ولطالما يصرح الرئيس السوري بأنه العمليات العسكرية للقوات السورية لن تتوقف قبل استعادة كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. لكن على أرض الواقع، لا يمكن تحقيق ذلك وهذه التصريحات ليست سوى مجرد ثرثرة.
ولم يعد هناك إلا شبح للقوات التي بدأ بها الرئيس السوري صراعه مع المعارضة المسلحة بعد أن نال منها الإنهاك. وقد يجعل الانسحاب السريع للقوات السورية من مدينة تدمر بعد عودة ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية نشك في قدرة الجيش السوري على الحفاظ بما حققه من مكاسب على الأرض.
آلاف الأسر المشردة خلفها القتال في حلب
أسئلة ملحة
لابد من ألا يخدعنا الانتصار في حلب، فهناك أدلة مادية واضحة أمامنا على حالة الضعف والإنهاك في صفوف القوات الحكومية.
فقد تحول أغلب عناصر الجيش السوري النظامي إلى ميليشيات موالية للنظام، غالبا ما يكون لديها اهتمامات محلية في مناطق بعينها. كما تقود القوات المدعومة من إيران، ومقاتلو حزب الله، والميليشيات الشيعية أغلب المعارك.
وفر أغلب مقاتلي المعارضة المسلحة إلى محافظة إدلب جنوب غرب حلب طلبا لملاذ آمن، ومن المتوقع أن تكون إدلب ميدانا للمعركة القادمة إذا ما أراد الجيش النظامي والقوات الروسية الداعمة له الاحتفاظ بزخم الانتصارات.
وبالطبع، سيكون لروسيا رأي في تلك المعركة، فهي لن تملي على الأسد ما سيفعله، لكنها ستدعمه بالسلاح والغطاء الجوي,
والآن ظهرت بعض التساؤلات، فما هي الخطوة القادمة لروسيا؟ وهل تريد حربا مستمرة في المنطقة؟ أم أنها تريد أن تضع نهاية للقتال بعد انتصار حلب واتخاذ بعض الترتيبات أو الوصول إلى تفاهمات مع إدارة ترامب في واشنطن؟
في كل الأحوال، يجب أن نعلم أن أي صفقة ستعني قبول الولايات المتحدة بتنامي نفوذ إيران في سوريا.
ومن المحتمل أن يكون هناك تعارض بين ميل الإدارة الأمريكية القادمة إلى تحسين العلاقات مع روسيا والاتجاه العدائي الذي يتبناه عدد من مساعدي ترامب في إداته الجديدة.
لكن خيارات الجانب الأمريكي باتت محدودة في الوقت الراهن، فقد دق سقوط حلب مسمارا في نعش السياسة الأمريكية التي تبناها الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما تجاه الأزمة في سوريا، التي تتضمن دعم ما يُسمى بفصائل المعارضة المعتدلة.
وتريد الولايات المتحدة أن تحارب المعارضة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن فصائل المعارضة المعتدلة تتزايد عليها الضغوط يوما بعد يوم.
فهذه الفصائل تمر بأوقات عصيبة، فما خسرته ليس مجرد معركة. ربما لم تخسر الحرب - أو على الأقل حتى الآن - لكن الواقع أنها ابتعدت كثيرا عن تحقيق النصر.
مستقبل مجهول
تغلف ضبابية كثيفة مستقبل العلاقة بين فصائل المعارضة والإدارة الأمريكية. فلا أحد يعرف ما الذي يعتزم ترامب فعله معها. ويخشى محللون أن تنجرف جماعات المعارضة المعتدلة في التيار العنيف للفصائل الأكثر تشددا في سوريا.
وسط كل ذلك، وبعيدا عن الأوضاع الجيوسياسية والحملات العسكرية، هناك مآساة إنسانية مؤلمة وراء سقوط حلب.
فمبجرد انتهاء القتال، يظهر جليا حجم المصيبة التي خلفتها الحرب، وكغيرها من المدن السورية، تحتاج حلب إلى مساعدات فورية.
وعلى المدى الطويل، هناك حاجة ملحة إلى معركة للبناء وإعادة الإعمار.
لكن القتال مستمر في مناطق أخرى، ومع مقتل، وتشويه، وتشريد الآلاف، تفتقر سوريا - التي تعاني عقوبات على نطاق واسع - إلى الثروة المالية والبشرية التي تحتاجها لإتمام هذه المهمة.
وبعد نهاية الحرب في حلب، ينبغي أن تراجع الأطراف الداخلية والخارجية استراتيجياتها الحالية.
لكن تلك الحرب الوحشية متعددة الأطراف لن تفقد قدرا كبيرا من التعقيد الذي تنطوي عليه في الوقت الراهن.