أمريكا والصين على رقعة الشطرنج الدولية

مقالات 11:17 22.09.2021

جلبير الأشقر

أحد أبرز الكتب في «الاستراتيجية الكبرى» (أي تلك التي تتعلق بالعالم برمّته) التي صدرت غداة انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفييتي هو كتاب زبيغنيو بريجنسكي، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر طوال ولاية هذا الأخير بين سنتي 1977 و1981 (توفي بريجنسكي قبل أربع سنوات). حمل الكتاب الصادر في عام 1997 عنوان «رقعة الشطرنج الكبرى: الأولوية الأمريكية وضروراتها الجيوستراتيجية» وقد اشتهر بشرحه الصريح والمكيافيلي لما رآه الكاتب لزاماً على أمريكا كي تحتفظ بأولويتها بين القوى العالمية.
اعتبر بريجنسكي أن أحد أخطر التطورات المستقبلية المحتملة بالنسبة لأمريكا هو ظهور «ائتلاف صيني-روسي-إيراني» لا يمكن أن ينشأ سوى إذا أرادت الصين إنشاءه إذ ستكون هي الوحيدة التي تملك من القوة الاقتصادية والعسكرية ما يسمح بمثل هذا الدور. فحذّر المستشار السابق زملاءه في النخبة الأمريكية الحاكمة من التصرّف بما يستفزّ مشاعر الصين القومية التي هي شديدة الحساسية لما عانته في تاريخها من مآسٍ ناجمة عن السيطرة الأجنبية، لاسيما من طرف اليابان وبريطانيا. بل دعا بريجنسكي أيضاً إلى استمالة إيران ذاتها ودفعها باتجاه الاعتدال، بينما رأى أن روسيا سوف تبقى خصماً للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وقد سلكت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في البيت الأبيض نهجاً انسجم بخطوطه العريضة مع نصائح المستشار السابق، وهو نهج بلغ ذروته في عهد باراك أوباما الذي شكّل «الانعطاف نحو آسيا» ومهادنة إيران ركنين أساسيين من أركان سياسته الخارجية. بيد أن تلك الذروة عقبها انعطاف حاد في الاتجاه المعاكس، قاده دونالد ترامب باعتماده سياسة عدائية، بل واستفزازية، إزاء كل من الصين وإيران، فيما اعتقد بما يجمع الغباء والسذاجة أنه قادر على استمالة روسيا. وقد أمَلت معظم الحكومات أن عهد ترامب ليس سوى فترة استثنائية في مسار السياسة الخارجية الأمريكية وأن واشنطن سوف تعود إلى نهجها المعتاد بعد خروجه من البيت الأبيض، وهو أمل عزّزه أن الرجل الذي عقب ترامب في الرئاسة كان نائب أوباما خلال عهد هذا الأخير بين سنتي 2009 و2017.
غير أن جو بايدن قد خيّب آمال الذين تمنّوا أن يشرف على إعادة أمريكا إلى نهج أوباما في السياسة الخارجية، بل ما انفكت تتزايد منذ تولّيه الحكم التعليقات التي تلاحظ أن نهجه أقرب في الحقيقة إلى نهج ترامب مما هو إلى نهج الرجل الذي ساكنه البيت الأبيض طوال ثمانية أعوام. فقد سار بايدن حتى الآن على خطى سلفه ترامب في شتى الملفات من حيث الأفعال، بصرف النظر عن الأقوال التي اختلفت عن أسلوب هذا الأخير. وها قد رأينا حلقة جديدة وخطيرة في هذا المسار كادت تُفقد الجميع أي أمل بعودة واشنطن إلى سياسة تستوحي مما نصح به بريجنسكي.
 
تلك الحلقة الجديدة هي بالطبع الإعلان عن الحلف الثلاثي المدعو «أوكوس» بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، الذي تضمّن تزويد الأخيرة بغواصات نووية بما ترافق بتمزيق اتفاق كانت قد عقدته أستراليا مع فرنسا لتزويدها بغواصات تعمل بالطاقة النفطية. وقد ركّز الإعلام العالمي على غضب باريس التي شعرت عن حق أن أمريكا طعنتها في الظهر وأن بريطانيا وأستراليا تعاملتا معها بصورة خبيثة، لاسيما أن الغضب الفرنسي انضاف إلى استياء الأوروبيين من قرار بايدن الانفرادي بالانسحاب السريع من أفغانستان بما أحرجهم وتسبب بالكارثة التي كانت كابُل مسرحاً لها في الشهر الماضي. لكنّ رد الفعل الأخطر على قيام حلف «أوكوس» الثلاثي إنما جاء من الصين التي رأت فيه، عن حق في حالها أيضاً، حلفاً معادياً لها، تزيد من خطورته أن تزويد أستراليا بغواصات نووية يشكل نوعاً ما خرقاً لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، تلك المعاهدة التي تبذل واشنطن مساعٍ حثيثة لكي تفرض على إيران الالتزام بها التزاماً صارماً يفوق المتطلبات الاعتيادية.
فلم تتأخر الصين بالردّ على المناورة الأمريكية الأخيرة بمناورة مضادة تمثلت بالقبول بمنح إيران العضوية الكاملة في «منظمة شانغهاي للتعاون» وهي منظمة أمنية أنشئت في عام 1996 تحت إشراف الصين وروسيا، وانتمت إليها جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة في آسيا الوسطى، وقد التحقت بالمنظمة قبل أربع سنوات كل من الهند وباكستان. وها أن عضوية إيران تم قبولها بما أطلق سيرورة انتسابها، التي قد تتطلب سنتين مثلما تطلبت في حالة دولتي شبه القارة الهندية. ومن الملفت أن إيران أبدت منذ عشرين عاماً رغبتها بالحصول على عضوية كاملة (كانت مراقِبة حتى الآن) في المنظمة، ولم تحصل على الضوء الأخضر سوى الآن بعد أن وصل إلى سدة رئاستها رجل ينتمي إلى الجناح المحافظ المتشدّد في الطبقة الحاكمة في طهران.
صحيح أن «منظمة شانغهاي للتعاون» ليست رديفاً للحلف الأطلسي بقيادة صينية وروسية كما تُصوّرها بعض التعليقات في الإعلام، بل هي أقرب إلى «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» التي تشمل دول أمريكا الشمالية وأوروبا وشمال آسيا (ينتمي بعض أعضائها ومنهم روسيا إلى «منظمة شانغهاي»). بيد أن فتح أبوابها أمام عضوية إيران وفي هذا الوقت بالذات إنما يندرج بكل وضوح في ردّ الصين على قيام حلف «أوكوس» بوصفه حلقة جديدة في المسار الأمريكي المعادي لبكين. وإذ تأتي هذه الخطوة بعد إبرام اتفاقية «الشراكة الإستراتيجية الشاملة» بين الصين وإيران قبل ستة أشهر، تنذر بمزيد من خطوات التقارب بين بكين وطهران ردّاً على مواقف إدارة بايدن. هكذا فإن ما حذّر بريجنسكي منه قبل ربع قرن قد أخذ يتحقق.
 
كاتب وأكاديمي من لبنان

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

وزير الخارجية المصري يبحث الملفات الإقليمية والدولية مع نظيرته الجنوب أفريقية
14:00 20.04.2024
مباحثات تركية- مصرية تتناول جهود وقف النار في غزة
13:30 20.04.2024
دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأمريكي لعضويتها الأممية
13:00 20.04.2024
ثوران جديد لبركان روانغ في إندونيسيا. وخطر تسونامي لا يزال قائماً
12:30 20.04.2024
انفجارات أصفهان.. القصة الكاملة للهجوم الإسرائيلي على إيران
12:00 20.04.2024
انطلاق الانتخابات العامة في الهند... وحزب مودي الأوفر حظاً
11:30 20.04.2024
الأمم المتحدة تستنكر التحطيم المتعمد للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة
11:00 20.04.2024
أسطول الحرية مستعد للإبحار من تركيا لغزة. وتحذير لإسرائيل من أي هجوم
10:30 20.04.2024
إسرائيل تسعى إلى منع صدور أمر اعتقال بحق نتنياهو
10:00 20.04.2024
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و12 شهيدا
09:30 20.04.2024
ميرزايف : نشهد أحداثًا تاريخية
09:00 20.04.2024
أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
جميع الأخبار