رائد فوزي احمود
أفغانستان نقطة التقاء مصالح الهند والباكستان وفرصة في تحجيم طموحات الصين وروسيا الاستعمارية باوراسيا
عانى البلدين، الهند والباكستان، من إرهاصات الحدث الافغاني قبل عقدين من الزمن؛ حيث القت الاوضاع السياسية في أفغانستان بضلالها على العلاقات بين البدين مع وجود جار جديد يتمتع بعلاقات جيدة معهما أي الولايات المتحدة الا انها لم تحل دون وقف التصادم نهائيا رغم انها أسهمت في تقليص المواجهة؛ ويبدو ان هذه الارهاصات لا يبدو انها في طريقها الى النهاية خصوصا مع انتفاء السبب المتمثل في الاحتلال الأمريكي الذي ختم قبل أسابيع فصلاً اخر من فصول الكابوس الافغاني بالانسحاب من هذا البلد الاسيوي.
الهند من جهة، حاولت مرارا وعبر علاقتها مع واشنطن وخصوصا في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب لعب دور كبير في أفغانستان مستغلة هذه العلاقة في مواجهة التنظيمات الراديكالية التي قضت مضجعها طويلاً ووصلت امتداداتها داخل العمق الهندي، وهو ما انعكس سلبا في علاقات حكومة الرئيس السابق أشرف عبد الغني مع الباكستان التي طالما اتهمت اسلام اباد بالوقوف وراء اغلب العمليات الإرهابية داخل أفغانستان او تلك التي طالت الهند، ومن جهة أخرى، وجدت الباكستان نفسها في خضم علاقات أكثر توترا مع واشنطن وحكومة أفغانستان على السواء، كما هددت الأخيرة مرارا بقطع علاقتها مع اسلام اباد.
الهند التي ترى بأفغانستان مصدر تهديد لأمنها القومي لما تشكله من موقع جغرافي تمتد في حدودها على أكثر من دولة؛ بحيث تشكل بيئة حاضنة لتنظيمات تتهمها بومباي بانها إرهابية تستطيع بنجاح الانتقال في تنفيذ هجماتها بالعمق الهندي؛ فالهند ربما تكون من الدول الأكثر تأثرا بتداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان باعتبارها أصبحت أكثر انكشافا امنيا امام هذه التنظيمات.
على العكس من الباكستان التي امست أكثر الأطراف استفادة من الحدث الافغاني سواء على صعيد انتهاء دور حكومة عبد الغني المعادية لإسلام اباد او على صعيد تراجع نفوذ الهند (غريمتها الإقليمية)، وواشنطن. الأخيرة مارست نفوذا كبير على اسلام اباد خلال سنوات وجودها حيث اتهمتها باستضافتها لتنظيمات معادية لأمريكا ممثلة بتنظيم القاعدة؛ حيث كان مقتل زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، في العام 2011 بباكستان نقطة الانفصال وميل كفة العلاقات لصالح الهند على حساب علاقات باكستان بواشنطن؛ وهو ما عبرت عنه اسلام اباد برفض طلب استضافة القوات الأمريكية المنسحبة من أفغانستان بأراضيها؛ الامر الذي كانت له تبعات سيئة على صورة القوات الامريكية المنسحبة التي ظهرت للعالم في الآونة الأخيرة، والتي أضرت كثيرا بسمعتها كقوة عظمى، والاهم اثار الانسحاب السلبية على تحالفات أمريكا وعلاقاتها مع شركائها في العالم.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لم يثر فقط حذر الهند وشهية الباكستان بل وأثارت شهية دول كبرى مجاورة تسعى الى النفوذ في اسيا الوسطى وملء فراغ القوة الذي نشأ بعد الانسحاب الأمريكي. قد تكون الباكستان أكثر الأطراف التي استفادت من العلاقة الان بأفغانستان لأسباب متعددة، أبرزها تمتعها بعلاقات نوعية وجيدة مع مختلف أجنحة حركة طالبان، وخصوصا مع جناح شبكة حقاني النافد في الحكومة المشكلة مؤخرا، لكنها في إطار اخر شجعت طالبان على الحفاظ بعلاقات غير عدائية مع كل من الصين وروسيا، أبرز المنافسين للهند في اسيا الوسطى.
فباكستان ستحاول من خلال نفوذها داخل حكومة طالبان الى قصقصة القوة الناعمة الهندية واضعاف نفوذها قدر الامكان في كابل، الذي نما خلال الوجود الأمريكي، وذلك عبر تشجيع طالبان على سحب استثماراتها في مشاريع اقتصادية منها مشاريع بناء سدود المياه وإنتاج الكهرباء وغيرها من مشاريع التنمية التي حرصت الهند على تقديمها خلال العقدين الماضيين؛ وهي تفعل ذلك أي باكستان بالتقاطع مع المصالح والمشاريع الإقليمية لكل من الصين وروسيا الساعيتين الى اخراج الهند من اللعبة الكبرى. وهو ما يقتضي من الساسة في اسلام اباد الانتباه له، والا فإنها تستبدل قوة استعمارية بأخرى ما قد يخرجها هي الاخرى من اللعبة سريعا. بل ويقتضي من حكومة طالبان الانتباه –هي الاخرى-وفي خضم رغبتها في الحصول على الشرعية والاعتراف الدولي من الوقوع في خفايا مشاريع الصين التوسعية (مبادرة الطريق والحزام) ذات الأهداف الاقتصادية والسياسية، او مصالح روسيا التاريخية والجيوسياسية في أوراسيا التي تقف أفغانستان في قلبها.
بكلمة أخرى، لقد أسهم الانسحاب الامريكي بمنح فرصة ذهبية لأبرز اعدائها ومنافسيها الاستراتيجيين بالإقليم، الصين وروسيا، في الصيد بالمياه العكرة سواء طوعا او كرها؛ ويبدو ان السياسة الباكستانية القائمة تقدم خدمة كبيرة لهما في الوقت الذي من الممكن ان تشكل أفغانستان نقطة اللقاء الأهم بينهما، الهند والباكستان، بما يخدم مصالحهم وحلحلة اغلب الملفات التي تقف حائلا دون تطوير علاقتهما ومن ضمنها قضية التنظيمات المتشددة. وهو ما يلقي على الهند –على سبيل المثال-إعادة النظر في سياستها ومواقفها التقليدية من حركة طالبان، خصوصا انها تملك كرتا مهما يرتبط بعضويتها في مجلس الامن الذي قد يكون قناة مهمة للاعتراف الدولي بالحركة؛ ناهيك عن ان الوجود الهندي في أفغانستان عبر استثماراتها المختلفة تبدو أكثر قبولا من جانب الشعب الافغاني مقارنة عن غيرها من الدول ومن ضمنها المجاورة لأفغانستان.
باحث في الشؤون الدولية ومدير عام
معهد العالم الثالث للبحوث والدراسات