د. أحمد عبدربه يكتب:السياسة الدولية منذ القرن العشرين... تسويات الحرب العالمية الأولي

مقالات 18:00 04.10.2021
بعد أن انتصر الحلف الذى ضم بريطانيا وفرنسا وروسيا ومعهم إيطاليا والولايات المتحدة واليابان على ألمانيا والإمبراطورية النمساوية ــ المجرية والدولة العثمانية وبلغاريا، دعا المنتصرون إلى مؤتمر للصلح فى باريس عقد بين عامى ١٩١٩ و١٩٢٠ ونتج عنه عدة اتفاقيات، كانت بمثابة إذعان للدول المهزومة!
 
رغم مشاركة وفود العديد من الدول المتعاطفة أو المؤيدة للدول المنتصرة فى مؤتمر الصلح، إلا أن المحادثات الرئيسية قد اقتصرت على بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بالأساس بينما انسحب وفد اليابان لعدم تماس نقاط المفاوضات بمصالحه المباشرة، أما محاولة الإمبراطورية العثمانية إرسال وفد لحضور المؤتمر فقد قوبل بالرفض بل وتم طرد الوفد من باريس!  
 
لعبت الولايات المتحدة دورا هاما فى هذا المؤتمر وأصر الرئيس الأمريكى ويلسون على طرح مبادئه الأربعة عشر الشهيرة على مائدة المفاوضات والتى تمحورت حول حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة، إلا أن هذه المبادئ تم تفريغها من محتواها لاحقا، ونتج عن المؤتمر المعاهدات التالية:   
 
أولا معاهدة فرساى، والتى تم توقيعها مع ألمانيا والتى كانت قد تحولت من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى بعد الهزيمة فى الحرب، وبموجب هذه الاتفاقية تم تركيع ألمانيا عن طريق فرض تعويضات باهظة عليها للدمار الذى نجم عن الحرب بالإضافة إلى الاستيلاء على أسطولها التجارى والبحرى والجوى ومنعها من تنظيم جيش يتجاوز عدد جنوده مائة ألف جندى، بالإضافة إلى إلغاء نظام التجنيد الإجبارى وتدمير عدد من قواعدها العسكرية، بل وقامت الدول المنتصرة بالاستحواذ على ثروتها الصناعية والكثير من مواردها الطبيعية بما فيها مناجم الفحم فى إقليم السار الذى أعطى لفرنسا حق التنقيب فيه بشكل حصرى لمدة خمس سنوات، مع استيلاء فرنسا وبريطانيا على المستعمرات الألمانية بأفريقيا!
 
ثانيا معاهدة سان جيرمان، والتى تم توقيعها مع النمسا والتى أقرت تجزئة الإمبراطورية النمساوية ــ المجرية حيث تم فصل النمسا عن المجر، كما تفككت القوميات والعرقيات التى كانت تسيطر عليها الإمبراطورية، فقامت جمهورية تشيكوسلوفاكيا وكذلك مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين (لاحقا يوغسلافيا)، كما تم منع النمسا من اتخاذ أى قرارات مستقلة فى سياستها الخارجية ولاسيما مسألة الاتحاد مع ألمانيا.   
 
ثالثا معاهدة تريانون؛ والتى أقرت بانفصال المجر وأجبرت الأخيرة على التخلى عن قطاع كبير من أراضيها لكل من النمسا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وكذلك تم حرمانها من مينائها الوحيد على البحر وهو ميناء مدينة رييكا (حالياِ فى كرواتيا).   
 
 رابعا معاهدة نويــسورــ سين؛ والتى بموجبها تم إعادة بلغاريا إلى حدود ما قبل عام ١٩١٤ وخسرت العديد من أراضيها لصالح كل من اليونان ومملكة الصرب، كذلك فقد تم الاستيلاء على أسطولها الحربى وتحديد جيشها بـ٢٠ ألف جندى فقط وإجبارها على دفع تعويضات كذلك للدول المنتصرة!
خامسا معاهدة سيفر؛ والتى تم توقيعها مع الدولة العثمانية وبموجبها سيطرت الدول المنتصرة على منطقة المضايق وكذلك خضعت إسطنبول لإمرتهم، بالإضافة إلى حصول إيطاليا على منطقة نفوذ فى الأناضول، وكذلك خسر العثمانيون مجموعة من الجزر لصالح اليونان، كما حصلت أرمينيا على استقلالها من تركيا، بينما خسرت الدولة العثمانية كل نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تم إخضاع الأخيرة للسيطرة الفرنسية ــ البريطانية! كذلك تم إجبار السلطان العثمانى محمد وحيد الدين على دفع تعويضات وتحمل نفقات جيوش الحلفاء مع تحديد الجيش العثمانى بـ١٥٠ ألف جندى، وكما نعلم كانت هذه هى آخر صفحات الإمبراطورية العثمانية، قبل أن ينهيها مصطفى كمال أتاتورك ويحولها إلى تركيا التى نعرفها حاليا!   
 
كانت الحرب العالمية الأولى وتسوياتها بمثابة إعادة رسم لخريطة العالم، وخاصة فى أفريقيا وغرب آسيا، بالإضافة قطعا إلى أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط! فقد تم إعادة تقسيم الشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا وفقا لاتفاقية سايكس ــ بيكو الشهيرة فى ١٩١٦ والتى تم تعديلها مرة أخرى بعد نهاية الحرب، كذلك فقد ظهرت العديد من الدول مثل فنلندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، بالإضافة إلى بولندا وأيسلندا!  
 
كذلك فقد كان التطور الأبرز الناتج عن الحرب هو إنشاء عصبة الأمم باعتبارها أول منظمة دولية سياسية ليتغير من بعدها شكل التنظيم والقانون الدولى وشكل العلاقات الدولية للأبد. كانت العصبة بالأساس اقتراحا من الرئيس الأمريكى ويلسون والذى حصل بسببه ضمن أسباب أخرى على جائزة نوبل للسلام، لكن تطور المقترح بواسطة لجنة تم تشكيلها خصيصا لكتابة ميثاق العصبة. وقد شهدت هذه المرحلة من الصياغة فى باريس الكثير من الخلافات بين الدول المعنية إلى أن صدر الميثاق فى شكله النهائى ليؤكد على مبادئ الأمن الجماعى وعدم التسليح وعدم اللجوء للقوة فى حل الخلافات الدولية. أسست العصبة ٤٤ دولة ليس من بينها الولايات المتحدة!  
 
وقد تكونت عصبة الأمم من الجمعية العامة التى يمثل فيها كل الأعضاء، بالإضافة إلى المجلس التنفيذى الذى مثل الدول النافذة فقط من الموقعين على الاتفاقية، ولاحقا قام المجلس التنفيذى بإنشاء أول نظام قضائى دولى عبر ما عُرف بالمحكمة الدائمة للعدل الدولى وكانت المحكمة تتألف من ١٥ عضوا (١١ قاضيا رئيسيا و٤ نواب للقضاة) بالانتخاب من الجمعية العامة، ورغم أن المحكمة فى الفترة من ١٩٢٢ وحتى ١٩٤٦ قامت بالنظر فى عشرات القضايا التى كانت محلا للنزاع الدولى، إلا أن معظم قرارات المحكمة كانت استشارية وتعوزها قوة التنفيذ، وهو ما يراه كثيرون أنه السبب الرئيسى فى فشل المحكمة بل وعصبة الأمم بأثرها! 
  
كانت هناك ثلاث مشاكل رئيسية واجهت عصبة الأمم؛ أهمها عدم انتظام العضوية حيث دخلت بعض الدول وخرجت من العصبة ثم عادت مرة أخرى مما أظهر عدم الاكتراث الدولى بالعصبة وخاصة فى ظل عدم انضمام بعض الدول القوية مثل الولايات المتحدة! كذلك فقد عانت العصبة من عدم وجود قوة دولية لتنفيذ قراراتها، وأخيرا فقد عانت عصبة الأمم أيضا من أن الدول الأعضاء متى تعارضت مصالحهم مع قرارات العصبة فقد قرروا دائما الانتصار لمصالحهم الذاتية!   
 
وهكذا كانت تعانى العصبة من الضعف دائما، ورغم انضمام العديد من الدول لعضويتها لاحقا ــ مصر كانت آخر دولة تحصل على عضويتها فى ١٩٣٧ قبل قيام الحرب العالمية الثانية ــ فقد كانت قيام الحرب الثانية بمثابة إعلان الفشل الرسمى للعصبة قبل أن تنتهى رسميا وتظهر الأمم المتحدة التى نعرفها حاليا بديلا لها.
 
ملحوظة: تم الاعتماد على مصدرين فى كتابة هذه المقالة وهما: كتاب «مؤتمر باريس ١٩١٩ــ١٩٢٠ وما لحقه من أحداث» والمحرر بواسطة سورين أرهير وتودور روشو والصادر عن أكاديميى كامبريدج للنشر فى ٢٠٢٠. وكذلك ورقة بعنوان «صعود وهبوط عصبة الأمم» بواسطة دى ال كروسمان والصادرة عن أكاديمية كندا الحربية (مجهول سنة النشر، ومتاحة على موقع الأكاديمية).
 
عن صحيفة الشروق  
 
أحمد عبدربه مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة وأستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر   
 
 
 
 

 

قناة "يورونيوز" التلفزيونية تبث تقريرًا عن  مخاطر الألغام  في أذربيجان

أحدث الأخبار

إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
مارتن ليجون : فرض العقوبات علي إيران ليس حلًا
15:00 17.04.2024
دميتري سولونيك : هذا لن يساهم في استقرار المنطقة
14:00 17.04.2024
خبير سياسي: أرمينيا تسعي إلي أن تكون السعودية وسيطًا في أزمتها مع أذربيجان
13:00 17.04.2024
راي كريم أوغلو : الادعاءات التي قدمتها أرمينيا في محكمة العدل ليست إلا "أكاذيب"
12:25 17.04.2024
مصر وتركيا لترسيخ العلاقات بعد إنهاء القطيعة
12:00 17.04.2024
كيف تتعامل مصر مع تداعيات استمرار التوتر في البحر الأحمر؟
11:45 17.04.2024
سلطنة عمان: سيول تودي بحياة أكثر من 16 شخصا جلهم من التلاميذ
11:30 17.04.2024
رئيسي يتوعد برد واسع وموجع على أدنى عمل يستهدف مصالح طهران
11:15 17.04.2024
رئيس وزراء باكستان يستقبل وزير الخارجية السعودي
11:00 17.04.2024
تركيا تدير علاقاتها مع إيران وأمريكا بحذر
10:45 17.04.2024
فريق التوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة يجري دورات للتوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة
10:36 17.04.2024
بوتين يبحث هاتفيا مع الرئيس الإيراني الأزمة في الشرق الأوسط
10:30 17.04.2024
العمانية للغاز توقع اتفاقية توريد مع جيرا اليابانية لمدة 10 أعوام
10:15 17.04.2024
السعودية وباكستان تبحثان تكثيف التعاون الأمني والاستراتيجي
10:00 17.04.2024
الأمم المتحدة تعثر على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل في مدارس بغزة
09:45 17.04.2024
الأمم المتحدة تدعو إسرائيل للتوقف عن المشاركة في عنف المستوطنين
09:30 17.04.2024
استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي
09:15 17.04.2024
أردوغان: نتنياهو هو المسؤول الوحيد عن أحدث توتر في الشرق الأوسط
09:00 17.04.2024
"ضد الهجوم الإيراني".. السعودية تعترف بمساعدة إسرائيل
22:12 16.04.2024
مطار دبي الثاني عالمياً بقائمة أكثر المطارات ازدحاماً في 2023
18:00 16.04.2024
توفيق عباسوف : هكذا تتعامل القوي العالمية مع قضايا المنطقة
16:00 16.04.2024
خبير إسرائيلي : إذا اندلعت حرب فإن إيران ستكون الخاسر الأكبر
14:21 16.04.2024
استمرار جلسات الاستماع في القضية التي رفعت ضد أذربيجان في محكمة العدل
13:34 16.04.2024
مركز ترتر الإقليمي للتدريب المهني يعقد دورة تدريبية لفريق إزالة الألغام النسائي
12:41 16.04.2024
لماذا شنت إيران أول هجوم مباشر لها على إسرائيل؟
12:15 16.04.2024
فاسيليس ماراجوس : يجب أن تكون الحدود السوفيتية حدود رسمية
11:58 16.04.2024
مسؤولي الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع شارل ميشيل
11:34 16.04.2024
البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي
11:30 16.04.2024
إيران وروسيا توقعان اتفاقية اقتصادية جديدة
11:18 16.04.2024
زيلينسكي يطالب الغرب بمزيد من الدعم في مواجهة روسيا
11:15 16.04.2024
عام على الحرب في السودان.. كارثة إنسانية في طي النسيان
11:00 16.04.2024
جنوب أفريقيا تطعن على قيود الاتحاد الأوروبي على صادراتها من الحمضيات
10:30 16.04.2024
أمير قطر وأردوغان يبحثان هاتفيا آخر تطورات الأوضاع في غزة
10:17 16.04.2024
أمريكا طلبت وساطة تركيا قبل الهجوم الإيراني على إسرائيل
10:00 16.04.2024
السعودية وأوزبكستان توقّعان اتفاقية للإعفاء المتبادل من التأشيرة
09:45 16.04.2024
التوترات الجيوسياسية تضغط على سلاسل الإمداد العالمية
09:30 16.04.2024
جميع الأخبار