لماذا أحببنا اللغة العربية؟

مقالات 11:28 24.12.2021
     لو حاولتُ أن أرسم صورة لفصلي داخل إحدى مدارس الراهبات في مطلع الستينيات فسوف تظهر في هذه الصورة وجوه حبيبة لزميلات من أصول أجنبية من بقايا فترة ما قبل ثورة يوليو، أذكر مثلًا زميلة من أصل يوناني كانت تُدعى أنّا بابادوبلو أظنها هاجرت بعد المرحلة الابتدائية، ولم تكن وحدها على أي حال فقد كانت هناك زميلة إيطالية تُدعى كريستين ماڤيون وثالثة أرمنية تُدعى إيلين بابيكيان، ورابعة وخامسة.. إلخ، فالفصل المدرسي هو جزء لا يتجزأ من المجتمع وكان المجتمع المصري في تلك المرحلة مازال محافظًا على تنوعه، ومع ذلك كان تدريس اللغة العربية قويًا وكانت هذه اللغة تفرض نفسها كلغة تعبير وتواصل وانتماء لثقافة البلد الذي نعيش فيه وإن لم نولد جميعًا على أرضه بالضرورة.   
      لم تعرف هذه الفترة أيضًا تلك الصحوة الدينية التي شهدناها اعتبارًا من عقد السبعينيات وهي الصحوة التي تفترض فيمن يمارسون الدعوة الدينية إتقان اللغة العربية لأنها لغة القرآن، في الواقع لم يكن يوجد لدينا هذا الربط الميكانيكي بين العروبة والإسلام، بل كنّا نقدّر الدور الكبير الذي به قام المسيحيون المشارقة العرب في النهوض باللغة العربية كثقافة جامعة بين شعوب المنطقة، وحفظت الذاكرة الجمعية المصرية على سبيل المثال الدور الجليل الذي أدّاه صالون مي زيادة بالنسبة لكل الناطقين بلغة الضاد، فكان من رواده فطاحل الأدب شعرًا ونثرًا من أمثال عباس محمود العقاد وأحمد شوقي وطه حسين وكانت لهم فيه صولات وجولات. ثم أن نصوص القراءة في مقرراتنا لم تكن لطيفة ولا مسليّة دائمًا، بالعكس كانت فيها مساحة كبيرة للشعر الجاهلي الغليظ غير المفهوم، ومَن تراه ينسى معلّقة امرؤ القيس الشهيرة التي تغنّى فيها بخصال جواده المذهلة فوصفه بأنه "مكّر مفّر مقبل مدبر معًا.. كجلمود صخر حطّه السيل من علٍ"؟ ولم يخفف علينا صعوبة هذا النوع من الشعر إلا دخول شعراء المهجر على الخط بحنينهم الجارف إلى الوطن وأبياتهم الشعرية بالغة العذوبة. ومن حكايات أمي عن ذكرياتها في مدرسة الراهبات بمدينة طنطا في نهاية مرحلة الثلاثينيات علمتُ أنه كان ممنوعًا على التلميذات استخدام اللغة العربية في أثناء الفسحة من أجل تعويد اللسان على الفرنسية، ومَن تخالف كانت تدفع غرامة مالية، صحيح كانت رمزية لكنها كانت كافية لضمان احترام التعليمات. والقصد أن الطريق لم تكن مفروشة بالورود أمام انتشار اللغة العربية لا في الستينيات ولا قبلها، ولا كان المناخ العام كله منحازًا لهذه اللغة، ففي الخلفية كانت هناك كالعادة تلك المعركة الأبدية بين الفصحى والعامية وحوارات العروبة والمتوسطية. ومع ذلك فإننا كنّا كتلاميذ نحب لغتنا الجميلة ونحرص على التفوق فيها، وكنّا نستعذب المبالغة خفيفة الظل للباشا سليمان نجيب في فيلم "غزل البنات"، وهو الأب الذي استاء من الرسوب المتكرر لابنته ليلى في اللغة العربية فما كان منه إلا أن تعاقَد مع مدرّس اللغة العربية نجيب الريحاني أو الأستاذ حمام حتى يجعل ليلى "تعطس" باللغة العربية!  
     كنّا نحب اللغة العربية لأن مدرسّيها اهتموا بها واستطاعوا أن ينقلوا لنا صدق هذا الاهتمام، والصدق أفضل موصّل للمشاعر. كانوا ينظمون لنا مسابقات القراءة باللغة العربية ويشجعونا على النظرة النقدية للأعمال الأدبية لكبار الكتّاب ويناقشونا فيها، وكانوا يفاجئونا بين الحين والآخر بهدايا بسيطة تُطمئننا على أن لكل مجتهد نصيب. وبينما نجد اليوم أن الكل يخطئ في قواعد اللغة العربية من أول الصحفيين والأدباء وحتى خطباء المنابر وشيوخ الفضائيات مرورًا بالمسؤولين السياسيين في مواقع مختلفة فإن مدرسينا كانوا مالكين لناصية اللغة العربية تمامًا، واحتاج منّا الأمر نحن تلامذتهم وقتًا طويلًا حتى نقلّد مخارج ألفاظهم ونتدرّب على تفخيم الضاد وعدم خلط السين بالثاء والذال بالزين، فنجحنا وفشلنا. وبطبيعة الحال سنجد مَن يقول لنا إن انحسار الاهتمام بتدريس اللغة العربية هو انعكاس لتدهور مكانتها المجتمعية بشكل عام، فسوق العمل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والأفلام والألعاب تقدم فرصًا وتواصلًا وعلمًا وترفيهًا لأولئك الذين يتقنون اللغة الإنجليزية لا للمتمكنين من اللغة العربية، ومدرس اللغة العربية هو في النهاية بشر وإن شعر أن بضاعته غير رائجة فإنه لن يتفنن في تدريسها، وهذا المنطق صحيح لكنه خطير. هو صحيح لأنه يعكس واقع الحال فهناك تراجُع ملحوظ في مكانة اللغة العربية واستسهال للخطأ فيها وربما تفاخُر بهذا الخطأ باعتباره مظهرًا من مظاهر الأرستقراطية. لكن هذا المنطق خطير في الوقت نفسه لأنه يتعامل مع المدرس كتاجر وليس كحامل رسالة، ومع اللغة كسلعة وليس كأحد أبرز مقومات الهوية، فماذا لو جاء اليوم الذي يختفي فيه الطلب على اللغة العربية فهل سيعني ذلك اندثارها؟ سؤال مدهش لكن بعض الدهشة مطلوب لإثارة الاهتمام.   
     إن اختزال مشكلة النفور من اللغة العربية في المدرس وحده لا يتسّم بالموضوعية بالتأكيد فهناك عوامل أخرى كثيرة تؤثّر، لكن المدرس هو الشارح والوسيط وأداة الوصل وبصمته الشخصية تدوم لأنه المتغيّر الأهم في العملية التعليمية، وعلى امتداد مشوارنا الدراسي سنجد كثيرين منّا أحبوا علومًا ولم يحبوا علومًا أخرى على وقع علاقتهم بمدرسيهم صعودًا وهبوطًا. لذلك ونحن نحتفي بيوم اللغة العربية فلعلنا نبدأ بالاهتمام بمدرسيها الذين نأتمنهم على تعليمها، وإذا كان كل عصر يطرح على هذه اللغة تحديات مختلفة فإن الفارق بين عصر وآخر يكمن في مدرس يتحمس لمواجهة التحدي ومدرس آخر لا يتحمس.   
 
نيفين مسعد- كاتبة بصحيفة الشروق   
عن صحيفة الشروق 
 
 
       يجب الاستناد إلي Ednews (يوميات أوراسيا) في حالة استخدام المادة الإخبارية من الموقع  
 
علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

علييف وجباروف يزوران مدينة أغدام
13:00 25.04.2024
غضب وعمليات توقيف في جامعات أمريكية باحتجاجات مؤيّدة للفلسطينيين
12:45 25.04.2024
علييف وجباروف يطلعان علي الخطة الرئيسية لمدينة فضولي المحررة من الإحتلال الأرميني
12:20 25.04.2024
جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة
12:15 25.04.2024
تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم في 2023 بسبب النزاعات
12:00 25.04.2024
رئيس قيرغيزستان يصل فضولي
11:46 25.04.2024
زيارة رئيس قيرغيزستان إلي أذربيجان
11:18 25.04.2024
حول زيارة رئيس طاجيكستان إلى إيطاليا والفاتيكان
11:00 25.04.2024
أردوغان لا ينبغي السماح لإسرائيل بإخفاء المجازر في غزة
10:45 25.04.2024
أمير الكويت يتلقى رسالة من رئيس وزراء باكستان حول العلاقات الثنائية
10:30 25.04.2024
السيسي يحذر من التداعيات الكارثية لأي عملية عسكرية في رفح
10:16 25.04.2024
الأردن يحدد 10 سبتمبر موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب
10:00 25.04.2024
الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل في التقارير عن مقابر جماعية بمستشفيين بغزة
09:45 25.04.2024
أردوغان يعلن وقف العلاقات التجارية المكثفة مع إسرائيل
09:30 25.04.2024
ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و262
09:15 25.04.2024
الصحفيين الأوزباك يزورون مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
09:00 25.04.2024
الملك سلمان يدخل المستشفى لإجراء "فحوصات روتينية"
17:00 24.04.2024
بلينكن يزور الصين للمرة الثانية في أقل من عام
16:30 24.04.2024
علييف يتحدث عن حرب غزة
16:00 24.04.2024
قري قازاخ الأذربيجانية الأربع في الإعلام العالمي
15:00 24.04.2024
مصر ترحب بالقرار الأذربيجاني الأرميني
13:45 24.04.2024
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
13:30 24.04.2024
تزايد الدين العام يهدد التصنيف الائتماني لفرنسا
13:00 24.04.2024
جامايكا تعترف رسميا بدولة فلسطين
12:30 24.04.2024
ذعر أممي من المقابر الجماعية في غزة... ومطالبات بتحقيق
12:00 24.04.2024
في زيارة علنية نادرة... مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران
11:00 24.04.2024
موسكو: تدريبات الناتو في فنلندا "عمل استفزازي"
10:30 24.04.2024
ميرزايف يتحدث عن حرق العلم الأذربيجاني والتركي في أرمينيا
10:00 24.04.2024
7 قتلى و15 جريحاً في حادث سير بالجزائر
09:30 24.04.2024
الصليب الأحمر: إجلاء مليون مدني من رفح "غير ممكن"
09:00 24.04.2024
تفعيل نظام مير الروسي في مصر.. انعكاسات مهمة على السياحة والتبادل التجاري
18:00 23.04.2024
مشروع مسام ينتزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع
17:30 23.04.2024
علي موسي إبراهيموف: الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل
17:07 23.04.2024
شنجن للخليجيين لمدة 5 سنوات من أول طلب
17:00 23.04.2024
مسجد باريس يعرب عن قلقه بشأن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي حول التسلل الإسلامي
16:00 23.04.2024
مصر تؤكد السيطرة على حدودها مع غزة
15:30 23.04.2024
وصول المعتمرين الإيرانيين المدينة المنورة بعد توقف 9 سنوات
15:00 23.04.2024
ميرزاييف: "السياسات الأرمينية العدائية قادتها إلى الهاوية"
14:00 23.04.2024
تورال إسماعيلوف : إيران تري أن أذربيجان تمثل تهديدًا لها
13:00 23.04.2024
تواصل جلسات الاستماع بشأن الدعوي التي رفعتها أرمينيا ضد أذربيجان" في محكمة العدل الدولية - مباشر
12:15 23.04.2024
جميع الأخبار