الزعامة فى العالم العربى.. التجربة التونسية

مقالات 12:39 13.01.2022
      شهر يمر بعد شهر وشكوى الناس فى تونس من السياسة تزداد تردداً، جربوا الديموقراطية بعد مدة طويلة من حكم غير ديموقراطى. عشت معهم مرحلة من مراحل حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. لم أشكُ ولا كانوا يشكون. فواقع الحال كان يشهد بأن هؤلاء الناس لم يعرفوا من قبل نظاما غير هذا النظام ولا حاكما غير هذا الحاكم. خرجوا من الاستعمار ليجدوا الرجل فى انتظارهم وفى وعيه يتردد صدى قناعته أنهم خرجوا من الاستعمار على يديه. لولاه ما كان الإستقلال ولا كانت تونس الحديثة. كان زعيما مذهلا. خفيف الظل، يأخذ نفسه بمنتهى الجدية حتى وهو يسخر بنفسه على نفسه وعلى القريبين منه وعلى بعض المواقف فى مسيرته السياسية.   
     تعرفت على بعض هذه الجوانب فى شخصيته من خلال مناسبات مختلفة. سمعت عنه وقرأت قبل أول زيارة لتونس العاصمة وكانت قصيرة جدا. ذهبت إلى هناك فى صحبة الصحفى اللامع فعلا وواقعا محمد حسنين هيكل بعد أن ترك الأهرام مباشرة. سافرنا بدعوة من الرئيس شخصيا بعد أن أبلغه أصدقاؤه فى القاهرة عن كتاب يزمع هيكل كتابته عن العالم العربى على إثر مقابلات يجريها مع عشرين رئيس دولة عربية من ملوك وأمراء ورؤساء، استظرفت سيرة الزعيم قبل أن أسمعه يكرر أمامنا بكل الاعتزاز والسخرية الذاتية مواقف له ونوادر خلال رحلة كفاحه ونضاله من أجل تونس.    
      بدأ، وهكذا يبدأ فى العادة الزعماء من نوعه، بدأ بالهجوم. ففى رأيه أخطأ الأهرام فى حقه على امتداد عهد الثورة. لم تحظ مكانته كزعيم باعتراف الإعلام المصرى. قال ما معناه أنه كان واثقا من حب شعبه له حتى إنه دعا عبدالناصر لزيارة تونس، وأقام للحفاوة به فى مدينة بنزرت مؤتمرا شعبيا حضره عشرات الألوف. أضاف أن الناس كانت تهلل وظن عبدالناصر أن الهتافات وعبارات الترحيب الصادرة من الجماهير كانت له. وقال إن عبدالناصر لم يدرك ساعتها أنها كانت لزعيمها وليست له. لم ينس بورقيبة، كما لم ينس فى مقابلاته العديدة مع زوار عديدين، أن يحكى حكايته مع الجندى المصرى المكلف بحراسة حاجز المرور فى مدينة السلوم على الحدود مع ليبيا خلال مرحلة كفاحه ضد الاستعمار الفرنسى ولجوئه إلى مصر. أوقفه الجندى لعدم وجود ثبوتات شخصية. غضب بورقيبة بشدة وراح يصرخ فى وجه الجندى الذى لم يتعرف للوهلة الأولى على شخص "سى الحبيب بورجيبة" الزعيم الكبير. وطلب أن يتحادث هاتفيا مع وزير الداخلية الذى أمر الضابط المقيم بالسماح للمناضل التونسى بدخول الأراضى المصرية.   
      استشف الرئيس أننا لن نمانع فى شرب كأس ثانية من الشاى المرصع بالصنوبر. أمر أحد المساعدين بطلب الشاى وسألنا إن كنا ننهض ونمشى معه لنتفرج على صور وتماثيل صغيرة وكبيرة تحكى حكاية مسيرة نضاله، "التى وحسب معلوماته لم يقم بمثلها زعيم آخر فى البلاد العربية". توقفنا طويلا أمام تمثال برونزى للرئيس ممتطياً حصاناً، التمثال متقن الصنع إلى درجة أنه يذكر كل مصرى يراه بتمثال إبراهيم باشا فى ميدان الأوبرا فى وسط القاهرة. وفى المرتين اللتين زرت فيهما الرئيس بورقيبة استمعت إلى كامل حكاية الرئيس عن حياته فى القاهرة. ومنها أن الرئيس كان يتقاضى فى ذلك الوقت مكافأة شهرية قدرها أربعون جنيها مصريا تدفعها جامعة الدول العربية ضمن مكافآت عديدة تمنح للمناضلين العرب اللاجئين فى مصر. هناك كان يجلس فى الكازينو المطل على ميدان الأوبرا ساعات وساعات يتخيل نفسه محل ابراهيم باشا ممتطياً الحصان. النسخة التونسية للتمثال بنفس الحجم تزين الآن أهم شوارع العاصمة التونسية، شارع الحبيب بورقيبة، الشهير بجادة الشانزليزيه تشبها بقرينه فى باريس.   
     الحديث عن، أو مع، أول رئيس لتونس لا يمل. أذكره وهو يطل علينا من شاشة التلفزيون فى الثامنة إلا خمس دقائق كل ليلة. يحكى فى كل حلقة حكاية جديدة أكثر تشويقاً وصراحة من حكاية الليلة السابقة. اهتم بأمرين على وجه التحديد. اهتم بالنساء وحقوقهن وبالشباب وأحلامهم. أما النساء فعاش فخوراً بما صنع من أجلهن وللشباب يحضهن على التمرد، ومن أقواله المأثورة ما تضمنته الدعوات المتكررة على لسانه للشباب بالخروج مع السائحات اللائى يأتين إلى تونس بفضل تسهيلاته للسياحة وعلى وجه خاص الفرنسيات مذكراً إياهم بزوجته الفرنسية التى أنجبت له ابنه الوحيد. تزوج بعدها أو معها التى كثيراً ما كانت تحتج على ما كان يحكيه عن شئونهما الخاصة جداً أمام ملايين المشاهدين.  
      رحل بورقيبة وبقيت تونس. أزيح عن الحكم وكان لإزاحته ما يبرره. إذ تكررت شهادات زواره ومساعديه عن ضياع ذاكرته وفقدانه الصواب فى قرارات حكم عديدة. إلا أن للسياسة أحكاماً. جاء زين العابدين بن على. ظن أنه وقد حل محل زعيم محبوب فسوف يأتيه الحب طواعية. لم يأت الحب بل الشكوى. تراكمت الشكوى حتى صارت غضبا انفجر تمرداً ضد الحاكم وزوجته وعائلتها التى قيل إنها تغولت فساداً وضد نخبة الحكم بأسرها. تطور التمرد فصار ثورة سوف يسجل التاريخ لها أنها كانت كشرارة أشعلت سلسلة من الانتفاضات والثورات فى دول أخرى. جربت تونس امتداداً لثورتها نظاما ديموقراطى الشكل وليس الجوهر. هلل له العالم الغربى وبكثير من التطبيل فرضه نموذجاً لديموقراطية عربية يجب أن تعمم. كنت أحد القليلين الذين لم يطمئنوا لمستقبل هذه الديموقراطية، والسبب أنها جاءت محمولة على أكتاف جماعتين غير مدربتين على العمل الديموقراطى أو بالقول الصريح غير معروف عنهما نوايا طيبة تجاه النظام الديموقراطى الحقيقى. كانوا إما ذوى رؤى دينية متطرفة سياسياً أو من بين من نشأ وتربى سياسياً فى حضن النظام الفردى.  
      هؤلاء انتظروا ونالوا. أتى إليهم الحكم وأكثرهم غير مدرب أو فاسد حتى جاء من خارجهم رئيس منتخب لم يعجبه حال تونس فى ظل هذه الديموقراطية الجوفاء. كان قيس سُعيد يدرس فى الجامعة أسس وقواعد النظام الديموقراطى ضمن محاضراته فى أصول ومبادئ القانون الدستورى. ما وجده فى انتظاره لا يتطابق أو يتقابل مع الأصول والمبادئ التى كان يلقنها للطلبة. ولكنه، وللحق الذى يجب أن يقال، لم يكن يمتلك، عندما وصل إلى القصر فى قرطاج، ولو ذرة من خبرة العمل السياسى. والسياسة حرفة من لا يمتلك نواصيها ويعرف مواقع مطباتها ويجيد أساليبها يضيع فى مسالكها أو يتعب ويرهق فيغضب ويتأخر فينفض عنه الناس فى نهاية الأمر. عندئذ يكتشف الجميع أنهم الخاسرون. وعندئذ يلجأ كبار السن من التوانسة إلى ممارسة هواية المقارنة بين زعيم ساخر طول الوقت وخفيف الظل وطيب المعشر وغير منتخب ومستبد ولكن بنعومة وبين رجل منتخب لم يعرفه الناس من قبل، رجل لم يناضل أو يقود ولا يتحلى بسمات الزعامة، لا يوصف بخفة الظل ولا ينتمى بالعمر أو بالتجربة لعصر الدهاة من بناة الأمم. صادق ولكن فى زمن أغبر. هؤلاء، وقد تحدثت طويلا مع نفر غير قليل منهم، يكتشفون متأخرين أن الديموقراطية الحقة لا تأتى بالنوايا الطيبة وحدها ولكن معتمدة على تراث وخبرة وكلاهما للأسف غير متوافرين فى معظم إن لم يكن فى كل أنحاء العالم العربى.   
 
جميل مطر كاتب ومحلل سياسي
عن صحيفة الشروق 
 
 
       يجب الاستناد إلي Ednews (يوميات أوراسيا) في حالة استخدام المادة الإخبارية من الموقع  
 
علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

حزب الله ينفي مقتل نصف قادته
17:00 25.04.2024
ماكرون يحذّر: "أوروبا تموت
16:20 25.04.2024
انفجار وتصاعد للدخان جرّاء هجوم على سفينة قرب عدن
16:00 25.04.2024
أرمينيا تتهم أذربيجان بزرع ألغام في قراباغ
15:46 25.04.2024
السعودية والكويت ترحبان بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن الأونروا
15:30 25.04.2024
الجيش الأمريكي يتصدى لهجوم حوثي في البحر الأحمر
15:15 25.04.2024
الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة
15:00 25.04.2024
دافكوفا تتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمقدونيا الشمالية
14:45 25.04.2024
بين أفول نظام دولى وميلاد آخر.. سنوات صعبة
14:19 25.04.2024
وصول سفينة عسكرية تركية إلى ميناء مقديشو
14:00 25.04.2024
مركز تركي- عراقي ضد العمال الكردستاني
13:45 25.04.2024
استمرار الاكاذيب الأرمينية ضد أذربيجان في محكمة العدل الدولية
13:25 25.04.2024
علييف وجباروف يزوران مدينة أغدام
13:00 25.04.2024
غضب وعمليات توقيف في جامعات أمريكية باحتجاجات مؤيّدة للفلسطينيين
12:45 25.04.2024
علييف وجباروف يطلعان علي الخطة الرئيسية لمدينة فضولي المحررة من الإحتلال الأرميني
12:20 25.04.2024
جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة
12:15 25.04.2024
تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم في 2023 بسبب النزاعات
12:00 25.04.2024
رئيس قيرغيزستان يصل فضولي
11:46 25.04.2024
زيارة رئيس قيرغيزستان إلي أذربيجان
11:18 25.04.2024
حول زيارة رئيس طاجيكستان إلى إيطاليا والفاتيكان
11:00 25.04.2024
أردوغان لا ينبغي السماح لإسرائيل بإخفاء المجازر في غزة
10:45 25.04.2024
أمير الكويت يتلقى رسالة من رئيس وزراء باكستان حول العلاقات الثنائية
10:30 25.04.2024
السيسي يحذر من التداعيات الكارثية لأي عملية عسكرية في رفح
10:16 25.04.2024
الأردن يحدد 10 سبتمبر موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب
10:00 25.04.2024
الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل في التقارير عن مقابر جماعية بمستشفيين بغزة
09:45 25.04.2024
أردوغان يعلن وقف العلاقات التجارية المكثفة مع إسرائيل
09:30 25.04.2024
ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و262
09:15 25.04.2024
الصحفيين الأوزباك يزورون مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
09:00 25.04.2024
الملك سلمان يدخل المستشفى لإجراء "فحوصات روتينية"
17:00 24.04.2024
بلينكن يزور الصين للمرة الثانية في أقل من عام
16:30 24.04.2024
علييف يتحدث عن حرب غزة
16:00 24.04.2024
قري قازاخ الأذربيجانية الأربع في الإعلام العالمي
15:00 24.04.2024
مصر ترحب بالقرار الأذربيجاني الأرميني
13:45 24.04.2024
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
13:30 24.04.2024
تزايد الدين العام يهدد التصنيف الائتماني لفرنسا
13:00 24.04.2024
جامايكا تعترف رسميا بدولة فلسطين
12:30 24.04.2024
ذعر أممي من المقابر الجماعية في غزة... ومطالبات بتحقيق
12:00 24.04.2024
في زيارة علنية نادرة... مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران
11:00 24.04.2024
موسكو: تدريبات الناتو في فنلندا "عمل استفزازي"
10:30 24.04.2024
ميرزايف يتحدث عن حرق العلم الأذربيجاني والتركي في أرمينيا
10:00 24.04.2024
جميع الأخبار