يجمع بين روسيا وأوكرانيا الكثير من التاريخ والروابط المشتركة، حيث تعود تلك الجذور بين البلدين إلى عهد الدولة السلافية الشرقية الأولى، "كييفان روس"، وهي الإمبراطورية التي أسسها الفايكنج في القرن التاسع الميلادي، فقد تم تأسيس كييف قبل موسكو بمئات السنين، حيث كانت تتمتع بموقع مثالي على طرق التجارة التي تطورت في القرنين التاسع والعاشر، وازدهرت بفضل ذلك.
تتداخل وتتشابك الثقافتين الروسية والأوكرانية فيما بينها بشكل كبير، فهما يشتركان في نفس الديانة المسيحية والمذهب الأرثوذكسي، وهناك تشابه كبير أيضاً بين اللغتين الروسية والأوكرانية، حيث تنتمي كل منهما إلي جانب اللغة البيلاروسية إلي اللغة السلافية التي تعتبر أصل اللغات الثلاث. إضافة إلى ذلك، هناك تشابه كبير في العادات والتقاليد والقيم وحتى الأطعمة والملابس التقليدية، ورغم هذا التقارب، فقد كان مسار الأمتين الروسية والأوكرانية عبر التاريخ مختلفاً، فقد تطورت روسيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأصبحت إمبراطورية عظمي، ثم صارت بعد الثورة البلشفية عام 1917 جمهورية مهيمنة علي أربعة جمهورية أخري من بينها أوكرانيا تحت اسم الإتحاد السوفيتي.
في المقابل لم تنجح أوكرانيا في بناء دولة قوية علي غرار الدولة الروسية، ففي القرن السابع عشر، أصبحت أراضٍ شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية القيصرية، وبعد سقوط تلك الإمبراطورية عام 1917 علي يد البلاشفة، استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة، ولكنها سرعان ما خضعت لروسيا مرة أخري، بعد أن قامت روسيا السوفيتية باحتلالها مرة أخري، وأدخلتها ضمن منظومة الإتحاد السوفيتي، إلي أن انهار واستقلت جمهورياته المكونة له.
كانت كل من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا آخر الجمهوريات التي انفصلت عن الإتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، وذلك بعد أن سبقها 12 جمهورية إلي الإستقلال، ورغم ذلك فقد أرادت موسكو أن تحتفظ بنفوذها، عن طريق تأسيس "رابطة الدول المستقلة"، حيث كانت روسيا تعتقد أنه بإمكانها السيطرة علي أوكرانيا، وذلك من خلال بعض المساعدات الإقتصادية وخاصة مصادر الطاقة من النفط والغاز، وفي الوقت الذي استطاعت فيه موسكو أن تقيم تحالف وثيق مع بيلاروسيا، إلا أنها فشلت في استمالة أوكرانيا التي كانت تتطلع دائماً جهة الغرب، وهذا ما أزعج روسيا، ولكنها لم تصل إلي حد الصراع مع أوكرانيا، لأن الدول الغربية لم تكن في تلك الأثناء تسعي لدمج أوكرانيا معها، كما أن روسيا كانت تعاني من أزمات اقتصادية، إلي جانب الإنشغال بالحرب في الشيشان، ولذلك فقد اعترفت موسكو في عام 1997 بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، وذلك من خلال اتفاقية "العقد الكبير" الموقعة بين البلدين، وهذا ما يفسر أن ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا عام 2014 لا يعتبر قانونياً وفقاً لتلك الإتفاقية، ولذلك كان من بين مطالب روسيا لأوكرانيا الإعتراف لروسيا بضم القرم، أو بمعني آخر التنازل عن حقوقها في شبه جزيرة القرم التي تعد في الوقت الحالي وفق القانون الدولي أراضٍ محتلة.
انقلبت الأوضاع بين موسكو وكييف، حيث اندلعت أول أزمة بينهما في عهد فلاديمير بوتين، الذي قرر في خريف 2003 الشروع في بناء سد علي مضيق كريتش باتجاه جزيرة "كوسا توسلا" الأوكرانية، واعتبرت كييف أن ذلك محاولة روسية لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، ولكن بعد لقاء رئيسي البلدين، هدأت الأوضاع وتوقفت روسيا عن بناء السد. وقامت روسيا في العام التالي 2004 بدعم المرشح لإنتخابات الرئاسة الأوكرانية فيكتور يانوكوفيتش المقرب من موسكو، ولكن الثورة البرتقالية أطاحت به، وفاز بدلاً منه فيكتور يوشتشينكو المقرب من الغرب، حيث ساد حكمه توتر في العلاقات بين موسكو وكييف.
في عام 2008، حاول الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري، وقوبل ذلك باحتجاج بوتين، الذي أعلن بشكل واضح عدم تقبل استقلال أوكرانيا التام، ومن ثم تراجع الناتو عن تلك الخطوة بدعم من فرنسا وألمانيا اللتان كانتا تعارضان سياسة الرئيس الأمريكي في هذه التوجه خشية حدوث مواجهة مع روسيا، ومن ثم فقد حاولت أوكرانيا بعد ذلك الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الإتحاد الأوروبي. في صيف 2013، ولكن بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية، مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على كييف، فقام الرئيس الفائز في انتخابات 2010، فيكتور يانكوفيتش بتجميد الاتفاقية، ومن ثم اندلعت احتجاجات واسعة ضد قرار الرئيس الأوكراني، أدت لفراره إلى روسيا في فبراير 2014، فاستغل الكرملين فراغ السلطة في كييف، وعمل علي ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014، حيث شكل ذلك علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
بدأت روسيا في حشد قوات شبه عسكرية في منطقة دونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا، كما تم الإعلان عن قيام جمهوريتان شعبيتان في "دونيتسك، لوهانسك" في شرق أوكرانيا ذات الأغلبية الروسية، يترأسهما روس، وقد انتظرت الحكومة الأوكرانية حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في مايو 2014، وأطلقت عملية عسكرية تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، وفي يونيو، التقى الرئيس الأوكراني المنتخب، بيترو بوروشينكو، مع الرئيس فلاديمير بوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية، على هامش الاحتفال الذي تم بمناسبة مرور سبعين عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندي، حيث تم خلال الاجتماع اصدار بيان عرف باسم "صيغة نورماندي"، وفي نهاية أغسطس، تدخلت روسيا عسكريا بشكل كبير، واستولي المتمردون علي إيلوفايسك شرق دونيتسك، وفي سبتمبر 2014، تم التوقيع علي اتفاق مينسك لوقف إطلاق النار.
تحول الصراع في شرق أوكرانيا بعد اتفاق مينسك إلى حرب بالوكالة، حيث شن الإنفصاليون في مطلع 2015، هجوماً عنيفاً علي القوات الأوكرانية في مدينة ديبالتسيفي الإستراتيجية، وتدخل الغرب لوقف القتال، وتم التوقيع علي اتفاق "مينسك 2"، والتي تشكل أساس إحلال السلام، ولكن منذ قمة نورماندي التي عُقدت في باريس في ديسمبر 2019، لم يحصل أي لقاءات بين قيادتي البلدين، فالرئيس بوتين لا يرغب في لقاء الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، علي اعتبار أنه لا يلتزم باتفاق مينسك، ومنذ ديسمبر 2021، يطلب الرئيس بوتين، وبشكل علني من الولايات المتحدة عدم السماح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تلقى أي مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يستجب لمطالب روسيا، فكان قرار الرئيس بوتين بالتدخل عسكرياً لمنع تلك الخطوة بالقوة.
الرئيس بوتين يعرف جيداً أن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية لا ترغب بالدخول في حرب مع بلاده، كما أنه أيضاً كان لا يريد الصدام مع الغرب في ظل التداخل الكبير للمصالح بين الجانبين، وخاصة بين روسيا وأوروبا، لذلك فقد اتخذ الرئيس بوتين قراره بالغزو بهدف تدمير البنية التحية العسكرية والإقتصادية لأوكرانيا لتظل منهكة، ودعم تنصيب نظام حكم جديد يكون موالٍ لبلاده.