بقلم: أحمد عبده طرابيك
تترسخ شيئاً فشيئاً علاقات الدول التركية مع بعضها البعض، سواء من خلال مظلة "منظمة الدول التركية"، أو من خلال العلاقات الثنائية الإستراتيجية بين الدول الأعضاء، فقد وقعت تركيا وأذربيجان "إعلان شوشا"، للتحالف الإستراتيجي بين البلدين في 15 يونيو 2021، والذي تضمن خارطة طريق في مجال التعاون المختلفة وخاصة تقنيات الصناعات الدفاعية والطاقة والنقل والإقتصاد والعلاقات الإنسانية.
خلال زيارته لأوزبكستان في 29 مارس 2022، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف علي اتفاق "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين البلدين، في قصر "كوك سراي" بالعاصمة طشقند، وذلك قبل عقد اجتماع مجلس التعاون الإستراتيجي الأوزبكي التركي رفيع المستوي، حيث يأتي توقيع هذا الاتفاق بينما يحتفل البلدان بذكرى مرور ثلاثين عاماً علي إقامة العلاقات الدبلوماسية، والذكرى الخامسة لتأسيس علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
تقوم الشراكة الإستراتيجية بين تركيا وأوزبكستان على الروابط الأسرية، كما عبر عنها الرئيس أردوغان، وهو ما يشير إلي انتماء الشعبين إلي أصولهم التركية الواحدة، حيث يسهم ذلك في تطور العلاقات بين الشعبين في جميع المجالات، في أجواء من الثقة والإحترام المتبادلي، حيث ساهم تبادل الزيارات الرسمية والاتصالات المنتظمة بين قادة البلدين في تعزيز الحوار السياسي البناء وفتح فرصاً واسعة لشراكة عملية مثمرة.
تطورت العلاقات التجارية والاستثمارات المتبادلة بين تركيا وأوزبكستان بشكل ديناميكي، فقد نمت التجارة المتبادلة 2.5 مرة، لتتجاوز 3.6 مليار دولار أمريكي، كما زاد عدد المشاريع المشتركة 5 مرات وتجاوز 2000 مشروع، ونمت مؤشرات التعاون في مجال الاستثمارات 70 مرة، ومن ثم تأني أهمية اتفاق الشراكة الإستراتيجية، حيث يتيح للطرفين التطرق بالتفصيل للمجالات ذات الأولوية لتوسيع التعاون، لا سيما في مجالات مثل التجارة والاقتصاد والاستثمار والنقل وصناعة النسيج والطاقة والزراعة والرعاية الصحية والتبادلات الثقافية والإنسانية، وتطوير علاقات التعاون في تنفيذ الإصلاحات التي وضعتها أوزبكستان، والتفاعل المنهجي في إدخال آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعميق التعاون في مجالات العلوم والتعليم والفنون والسينما والسياحة وتقنية المعلومات.
الاتفاقات التي تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس أردوغان، والتي تدخل ضمن اتفاق الشراكة الإستراتيجية من شأنها أن ترتقي بالتعاون بين أوزبكستان وتركيا إلى مستوى جديد، حيث تتضمن اتفاقيات التجارة التفضيلية، وتطوير التعاون في مجال البناء والتشييد، والرعاية الصحية، والعدالة، والتبادلات الجمركية، وهو ما يفسر حرص الجانبين علي رفع مستوي العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والذي تضمن التوقيع علي 9 اتفاقيات على مستوى الحكومات والوزارات والإدارات في البلدين، تنص على توسيع التعاون الأوزبكي التركي متعدد الأوجه، والذي يشمل: "اتفاقية التجارة التفضيلية، بروتوكول بشأن التبادل المسبق للمعلومات بشأن حركة البضائع والمركبات عبر حدود الدولة؛ مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال العمل والتشغيل، مذكرة تعاون في مجال الفحص الجنائي، مذكرة تفاهم في مجال البناء والتشييد، خطة العمل 2022-2023 بين وزارات الصحة، اتفاقية تعاون بين الوكالة الوطنية للإعلام في أوزبكستان ووكالة الأناضول التركية وآخرين.
تتمتع كل من تركيا بمزايا جيواستراتيجية، فأوزبكستان تقع على مفترق طرق طريق الحرير العظيم، منذ العصور القديمة كنقاط ربط رئيسية لطرق التجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، أما تركيا فتقع بين آسيا وأوروبا "بين الشرق والغرب"، وهذا ما يتيح للبلدين لعب دور هام ومحوري في عمليان التجارة والنقل واللوجستيات.
يقدم مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى مساهمة كبيرة في تطوير العلاقات الودية والتفاعل العملي بين الشعبين التركي والأوزبكي فعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين تركيا وأوزبكستان، إلا أن الإرتباط الوثيق بين الشعبين من حيث اللغة ولعقيدة والقيم الروحية والثقافية والجذور التاريخية، ففي العام الماضي 2021، أقيمت أيام الثقافة الأوزبكية في أنقرة وإسطنبول، ومن المقرر تنظيم أيام الثقافة التركية هذا العام في طشقند وسمرقند، كما يتزايد الإهتمام بتعلم اللغة التركية في أوزبكستان، وتعمل كلية التركولوجيا التابعة لجامعة ولاية طشقند للدراسات الشرقية بشكل فعال، ومن شأن تلك الروابط الثقافية والروحية والتاريخية، أن تسهم بدور كبير في تطوير العلاقات ليس بين الشعبين التركي والأوزبكي وحسب، بل بين شعوب العالم التركي، خاصة مع وجود آمال وتطلعات مشتركة، ومصالح متبادلة في إقامة تعاون وثيق في تطوير آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
خلال زيارة الرئيس أردوغان إلي أوزبكستان، تم تدشين محطة الطاقة الحرارية الحديثة في منطقة طشقند، بطاقة 240 ميجاواط، ومن المقرر أن تولد 2 مليار كيلوواط/ ساعة سنوياً. كما تم البدء في مشروع بناء محطة مماثلة في خافاست بمنطقة سيرداريا، بطاقة 220 ميجاواط ، ومن المقرر أن تولد 1.7 مليار كيلوواط/ ساعة من الكهرباء سنويا. إلي جانب تنفيذ العديد من المشروعات المختلفة التي تنفذها شركة "جنكيز انيرجي" التركية، حيث أصبحت هذه المجمعات تشكل تجسيداً واضحاً للتعاون بين أوزبكستان وتركيا، خاصة مع إطلاق 20 مشروعاً بقيمة 12 مليار دولار، بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي ستوفر 71 مليار كيلوواط/ ساعة إضافية من الكهرباء، وتوفير 12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، حيث يأتي إنشاء هذه المشاريع في إطار خطة أوزبكستان لتحديث قطاع الطاقة حتى عام 2026.
تشكل علاقات الشراكة الإستراتيجية بين أوزبكستان وتركيا خطوة كبيرة في تنمية العلاقات بين الدول الأعضاء في "منظمة الدول التركية"، حيث تتيح تلك الشراكة الإستراتيجية مجالات رحبة للتعاون الثنائي بين الدول التركية، كما أنها تراعي ظروف كل دولة علي حدة وفق خطط التنمية التي تضعها كل دولة، وهو ما يسهم بشكل كبير في تسريع عملية التعاون بين الدول التركية بشكل كبير في مختلف المجالات، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والإستثمار.
أحمد عبده طرابيك
باحث في شئون آسيا الوسطي والقوقاز