عالم ما بعد الأزمة!

مقالات 11:05 14.04.2022
تقول النظرية إن الحرب نتيجة حتمية للسباق على القمة إن انطلقت بين قوة صاعدة وقوة عظمى مقيمة. غير مهم من أشعل الحرب وشكل الحرب وأنواع الأسلحة المستخدمة. المهم هو أن القوة العظمى المقيمة كانت قد رتبت أمور مستقبلها على أساس غياب قوة عظمى أخرى مشاركة فى القمة أو صاعدة فى الأجل المنظور. ما حدث فى حالة عالمنا بعيدا عن مدى انطباق النظرية عليه هو أن الدولة العظمى المقيمة وهى الولايات المتحدة أعلنت عند مطلع القرن الراهن على لسان رئيسها جورج بوش قيام نظام عالمى جديد حين أكدت له أجهزته الاستخباراتية والأكاديمية أن القوة العظمى الأخرى الشريكة فى القمة منذ نهاية الحرب العالمية وهى الاتحاد السوفييتى قد انفرطت نـتيجة هزيمتها فى الحرب الباردة على يد غريمتها وشريكتها فى القمة، الولايات المتحدة الأمريكية، ولن تقوم لها قائمة فى الأجل المنظور بشهادة خبراء الاقتصاد والمالية، وبعضهم أمريكيون، من الذين باشروا بأنفسهم فى عهد الرئيس يلتسين الإشراف على عمليات تفكيك الاقتصاد السوفييتى بعد انفراط الكيان السياسى للإمبراطورية السوفييتية.    
     كان أمثال هؤلاء الخبراء قد أكدوا للرئيس الأمريكى ولسابقيه من رؤساء أمريكا أن الصين لن تكون قوة عظمى فى الأجل القريب والمتوسط استنادا إلى المواقف المعلنة من جانب رؤساء الصين أنفسهم ومن واقع متابعة السياسات المتدرجة والهادئة التى اتبعها هؤلاء الرؤساء ابتداء من الرئيس دينج تشاو بينج مهندس الإصلاح الاقتصادى وصانع مراتب الصعود وأهدافه. هؤلاء نجحوا فى توظيف مصالح واستثمارات وتكنولوجيا أمريكية لصالح الاقتصاد الصينى. هكذا ساعدوا فى تأجيل مواجهة بدت عاجلة حين تأكدت واشنطن من حجم ونوع الزيادة فى القوة العسكرية للصين، وهى الزيادة التى لم يقدرها الخبراء الأمريكيون تقديرا سليما اعتمادا على مؤشرات غير دقيقة ومراعاة للعلاقة الاقتصادية بين البلدين.   
      بدا لنا من خارج الولايات المتحدة أن الرئيس ترامب قرر إطلاق السباق مع الصين وليس مع روسيا، وهو القرار الذى لم يكن متوقعا فى دوائر الاقتصاد والمال. ولا شك أن كوفيد 19 لعب الدور الأساسى فى إثارة حملة كراهية عنصرية أظن أنها كانت متعمدة فى جانب منها للحاجة إليها لتمهيد تربة خصبة يجرى فيها غرس بذور إحباط مساعى الصين لصعود أقل تدرجا وبقفزات أكبر. هذا فى حال قرر الحزب الشيوعى الصينى استخدام أسلوب القفزات فى السباق أسوة بالقفزات المعروفة التى سبق وجربها فى مختلف مجالات التنمية. وبالفعل كان هو الأسلوب الذى قرر الرئيس شى استخدامه منذ وصل إلى رئاسة الحزب.    
      لم يكن الرئيس دونالد ترامب منفردا أو فريدا فى تفضيله الإسراع بإطلاق حمى السباق مع طرف صاعد. جاء إلى الحكم بشعار أمريكا أولا واستعادة أمريكا العظيمة. جاء بعده الرئيس جوزيف بايدين من الحزب الديموقراطى بشعار أمريكا تعود. كلاهما عبرا فى حملتيهما عن حقيقة أن أمريكا لم تعد عظيمة كما كانت وعن حقيقة أن المنافسين من الناشئين والعائدين الصاعدين سواء كانت الصين أو روسيا أو أوروبا صاروا يهددون بتقليص المسافة التى كانت تفصل بين الأول بامتياز وبينهم. ترامب تفادى أن تكون روسيا المنافس فى السباق واختار الصين. أما بايدين فجاء وقد اختار روسيا بحكم تأُثره بظروف نشأته السياسية فى أحضان الحرب الباردة.    
     خطأ كبير إضاعة الوقت حول مسئولية إشعال الحرب فى أوروبا وتصعيدها. كنا فى انتظار حرب تنشب تعيد بنتائجها تعريف حدود القوة بين أطراف القمة. لم يعد ممكنا الاستمرار لمدة أطول فى حالة الميوعة السائدة داخل القمة. وفى الوقت نفسه لم يكن مسموحا أن تنشب حرب داخل مجتمع القمة بالنظر إلى ما كدسته القوى العظمى من أسلحة نووية وصواريخ بسرعات فائقة وقوة تدمير هائلة للذات والغير والعالم كله. الحرب فى الحالة الراهنة ضرورة. المهم أن تتفادى استخدام أسلحة الدمار النووى. مهم أيضا أن تستخدم بديلا لأسلحة الدمار الشامل كل أنواع الأسلحة الأخرى التى أبدع العقل فى خلقها أو تطويرها.
ليست سهلة قراءة كل ما تحقق من نتائج للسباق الجارى على القمة تحت اسم الحرب الأوكرانية وحواشيها. الحرب تجرى أحداثها فى أوكرانيا والدمار كبير وملموس إلى حد يعكس درجة من الوحشية لا يمكن التغاضى عنها. أن يقع هذا الدمار وهذه الخسائر وما نزال بعيدين عن نهاية لحرب مضى على نشوبها خمسون يوما وأحد طرفيها المباشرين دولة كانت عظمى والطرف الآخر دولة صغيرة كانت على امتداد قرون جزءا حميما من الوطن الروسى، لواقع يثير أسئلة وعناوين قضايا عديدة، منها على سبيل المثال:   
      أولا: دول صغيرة كبولندا ولاتفيا وإستونيا وليتوانيا ودول فى شمال آسيا لن تفكر فى حاجتها إلى الانضمام لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبى لضمان استقلالها عن النفوذ الروسى. أثبتت الحرب فى أوكرانيا أنها ستكون الخاسرة فى نهاية الأمر. واضح تماما أن الدول الغربية لن تتدخل أكثر إلا لحد معين، واضح أيضا أن قدرة الاتحاد الروسى على تحمل العقوبات والحصار كبيرة.    
      ثانيا: دروس التاريخ مستمرة وقليلون هم الذى يتعظون. حصار ألمانيا والانتقام منها والعقوبات التى فرضت عليها وشيطنتها، كلها لم تمنعها عن النهوض واستئناف الصعود رغم التدمير الكبير الذى حل بها. قدرة القطب المنهزم على كسر القيود واستعادة ما فقد قدرة غير محدودة. ها هى روسيا تواجه وحدها الغرب بأسره ولم تنهزم.    
     ثالثا: نهم أوروبا للانقسام والاختلاف والعنف لم يهدأ أو يجد ما يشبعه. سمعت من صديق قريب إلى مراكز النفوذ فى قيادة الاتحاد الأوروبى أن قادة أوروبا يتهامسون بالألم المشوب بالغضب من إغفال أمريكا، يبدو لبعضهم متعمدا، لمصالحهم ومشاريعهم نحو إنشاء قوة دفاع أوروبية منفصلة عن الناتو. بعض القادة الألمان لا يخفون غضبهم لما انتهى إليه قرار الانفتاح على الشرق، أى على روسيا، وكان حافزا مرفقا بإقامة ألمانيا الموحدة. كان لهذا الحافز فيما يبدو بعض الفضل فيما حققته ألمانيا اقتصاديا وسياسيا خلال السنوات الأخيرة. يتهامسون الآن بالقول أن أمريكا تحاول بكل قوتها إحباط هذه المبادرة والعودة بأوروبا إلى أجواء حائط برلين، أى إلى فرض الحصار مزدوجا، على روسيا وألمانيا فى وقت واحد.    
      رابعا: أظن أن الصين متيقظة لأدق تفاصيل ما يحدث مع روسيا وما أقدمت عليه والأخطاء التى ارتكبتها والشباك التى اصطادتها والكمائن التى نصبت لها. قرأنا أخيرا، من بين حملة مخيفة تشنها دوائر فى البنتاجون والكونجرس، عن الدعوات للإسراع بفرض حصار فى آسيا على الصين قبل أن تستوعب الدروس المستقاة من أزمة أوكرانيا وحملات شيطنة روسيا والعقوبات المفروضة عليها. شخصيا لا أستبعد أن يقدم الرئيس بايدين على الاستجابة لهذه الضغوط لتحسين صورته وصورة الديموقراطيين داخل أوساط اليمين المتشدد فى أمريكا. تكاد القوى الضاغطة تقول، ها نحن أطلقنا إشارة بدء السباق نحو الانفراد بالقمة، دعونا نستمر إلى النهاية فنضم الصين بالقوة إلى سباق سوف يستمر لمدة لن تكون قصيرة. أعود فأكرر أن عزل الصين عن بيئتها الآسيوية فكرة، فى ظنى، خائبة.    
     خامسا: أتصور، وقد أكون مبالغا، أن تتردى العلاقات الدولية إلى هاوية. إذ أنه عندما تتزعم أمريكا بصفتها القطب القائد فى الحملة ضد صعود روسيا الرأى القائل بضرورة إخراج روسيا، القطب الآخر فى السباق، من مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، فإننا فى الحقيقة نكون أمام احتمال نشوب فوضى شاملة فى العلاقات الدولية. سمعت وقرأت عن دعوة جادة لطرد روسيا من إحدى منظمات الأمم المتحدة وإحلال أوكرانيا محلها!! هى الفوضى بعينها أم هى من قواعد العمل المحتملة فى نظام دولى تجرى هندسته هذه الأيام.   
     هذه الأسئلة أو القضايا وغيرها كثير تؤكد اعتقادى أن أمريكا بقيادة الرئيس بايدين لا تتصرف بحكمة، وأنها فى الغالب متأثرة بضغوط من الداخل مستفيدة من استمرار الحرب. تؤكد أيضا قناعتى أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين سوف تستخدم درجة أعلى من العنف فى حرب نتيجتها النهائية تحدد موقع روسيا ومكانتها فى نظام جديد.    
     وفى غياب توقع عمل جاد من جانب الأمم المتحدة وفى وجود حلف الناتو المتهم بجرائم حرب فى عديد مراحله ومع استمرار الخلافات داخل معسكر الغرب يصعب علينا تصور مرحلة فى المستقبل المنظور يخيم فيها على العالم سلام ورخاء.   
 
جميل مطر  
عن صحيفة الشروق  
 
 
 
علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

حزب الله ينفي مقتل نصف قادته
17:00 25.04.2024
ماكرون يحذّر: "أوروبا تموت
16:20 25.04.2024
انفجار وتصاعد للدخان جرّاء هجوم على سفينة قرب عدن
16:00 25.04.2024
أرمينيا تتهم أذربيجان بزرع ألغام في قراباغ
15:46 25.04.2024
السعودية والكويت ترحبان بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن الأونروا
15:30 25.04.2024
الجيش الأمريكي يتصدى لهجوم حوثي في البحر الأحمر
15:15 25.04.2024
الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة
15:00 25.04.2024
دافكوفا تتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمقدونيا الشمالية
14:45 25.04.2024
بين أفول نظام دولى وميلاد آخر.. سنوات صعبة
14:19 25.04.2024
وصول سفينة عسكرية تركية إلى ميناء مقديشو
14:00 25.04.2024
مركز تركي- عراقي ضد العمال الكردستاني
13:45 25.04.2024
استمرار الاكاذيب الأرمينية ضد أذربيجان في محكمة العدل الدولية
13:25 25.04.2024
علييف وجباروف يزوران مدينة أغدام
13:00 25.04.2024
غضب وعمليات توقيف في جامعات أمريكية باحتجاجات مؤيّدة للفلسطينيين
12:45 25.04.2024
علييف وجباروف يطلعان علي الخطة الرئيسية لمدينة فضولي المحررة من الإحتلال الأرميني
12:20 25.04.2024
جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة
12:15 25.04.2024
تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم في 2023 بسبب النزاعات
12:00 25.04.2024
رئيس قيرغيزستان يصل فضولي
11:46 25.04.2024
زيارة رئيس قيرغيزستان إلي أذربيجان
11:18 25.04.2024
حول زيارة رئيس طاجيكستان إلى إيطاليا والفاتيكان
11:00 25.04.2024
أردوغان لا ينبغي السماح لإسرائيل بإخفاء المجازر في غزة
10:45 25.04.2024
أمير الكويت يتلقى رسالة من رئيس وزراء باكستان حول العلاقات الثنائية
10:30 25.04.2024
السيسي يحذر من التداعيات الكارثية لأي عملية عسكرية في رفح
10:16 25.04.2024
الأردن يحدد 10 سبتمبر موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب
10:00 25.04.2024
الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل في التقارير عن مقابر جماعية بمستشفيين بغزة
09:45 25.04.2024
أردوغان يعلن وقف العلاقات التجارية المكثفة مع إسرائيل
09:30 25.04.2024
ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و262
09:15 25.04.2024
الصحفيين الأوزباك يزورون مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
09:00 25.04.2024
الملك سلمان يدخل المستشفى لإجراء "فحوصات روتينية"
17:00 24.04.2024
بلينكن يزور الصين للمرة الثانية في أقل من عام
16:30 24.04.2024
علييف يتحدث عن حرب غزة
16:00 24.04.2024
قري قازاخ الأذربيجانية الأربع في الإعلام العالمي
15:00 24.04.2024
مصر ترحب بالقرار الأذربيجاني الأرميني
13:45 24.04.2024
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
13:30 24.04.2024
تزايد الدين العام يهدد التصنيف الائتماني لفرنسا
13:00 24.04.2024
جامايكا تعترف رسميا بدولة فلسطين
12:30 24.04.2024
ذعر أممي من المقابر الجماعية في غزة... ومطالبات بتحقيق
12:00 24.04.2024
في زيارة علنية نادرة... مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران
11:00 24.04.2024
موسكو: تدريبات الناتو في فنلندا "عمل استفزازي"
10:30 24.04.2024
ميرزايف يتحدث عن حرق العلم الأذربيجاني والتركي في أرمينيا
10:00 24.04.2024
جميع الأخبار