العالم نحو مصير غامض

مقالات 19:10 21.04.2022
أخمن أن الغموض يخيم على أحوال الأمم فى كل بقاع الكوكب وأنه باق لفترة قد تطول. لا أعنى إطلاقا أننى أتوقع تدهورا أشد فى العلاقات على قمة النظام الدولى كشرط تاريخى لقيام وضع جديد تماما. لا محل عندى للتشاؤم فى هذه اللحظة المفصلية فى تاريخ العلاقات الدولية. وأسبابى واضحة. فالتدهور الراهن شديد إلى درجة أتصوره صار كافيا لتلبية شرط التغيير كما صاغته العصور السابقة. هناك حرب عالمية ناشبة بالفعل، حرب متعددة الجبهات والأسلحة، حرب شاملة أصابت البعيد والقريب إلى حد لم تعرفه الحروب العالمية السابقة. ففى تلك الحروب كانت تدور بين الدول العظمى بشكل أساسى فى مواقع نشوبها ومصالحها ومناطق نفوذها الجيوسياسية. المثال على ما أقول هو الحرب العالمية الأولى أو مثال حروب أوروبا عبر العصور والحروب على أراضى الصين على امتداد التاريخ. توسعت الميادين فى الحرب العالمية الثانية بسبب مشاركة اليابان ولكن فى النهاية خرجت أقاليم كثيرة سليمة بدون ضرر شديد أو آثار حاسمة. ولهذا السبب، وأقصد كون ميادين الحرب أوسع من كل سابقاتها، أسفرت الحرب العالمية الثانية عن شكل جديد للعالم ونظام مبتكر لإدارته وقواعد لتنظيم سلوكيات أعضائه من دول وعقائد وتيارات.
     لا شك أن بعض هذه الترتيبات والأوضاع الناجمة عنها تطورت، بعد أقل من ثلاثة عقود، تلقائيا أو بفعل قوى فاعلة ومؤثرة فى اتجاه تعميق عناصر بعينها، وقد أسفرت التطورات عن نقلة حازمة وشاملة فى اتجاه عولمة العلاقات الدولية ومبادئ التعامل بين البشر؛ مثلما فى نظم التجارة والاتصالات والنقل وغيرها كثير. هنا صار ممكنا إتاحة الفرصة أمام الصين لتستفيد من حال عولمة الاقتصاد وأساليب الحشد الداخلى وحاجة الرأسمالية الغربية إلى أسواق جديدة واسعة، وبالفعل وفى سنوات معدودة انتقلت الدولة النامية الأكبر فى العالم إلى مصاف الدول الأغنى والأعظم.
     المثير فى هذه المرحلة الثورية فى تاريخ العلاقات بين الدول أن الدولة الأعظم التى قادت مسيرة العولمة وبدت مستفيدة منها فى كثير من نواحى القوة كانت هى الدولة التى قادت التمرد على العولمة عندما اكتشفت أن خسائرها ونواحى تدهورها فاقت كل مكاسبها. اكتشفت مثلا أن المعسكر الغربى ممثلا فى حلف الناتو وقواعد ومنظومة قيم ومصالح صار عبئا عليها. اكتشفت أيضا أن ميزان القوة فى القمة الدولية اختل لصالح الصين ولصالح فرصة متاحة تستعيد بها روسيا بعض ما فقدت من مكانتها فى تراتيب القمة وفى الهيمنة الإقليمية.  
     أتصور أن الاكتشاف الأهم حدث عندما حصلت الولايات المتحدة على فسحة زمنية تصورت النخبة الحاكمة الأمريكية وقتها أن أمريكا سوف تقود العالم منفردة لقرن كامل أو أكثر، وأن النظام العالمى صار ولأول مرة منذ عصور الإمبراطوريات العظمى كالأثينية والرومانية أحادى القطبية. كانت المفاجأة الصاعقة حين اكتشفت قيادات هذه الطبقة ومؤسساتها بعد سنوات معدودة أنها عاجزة عن ممارسة القيادة منفردة كما جاء فى الحلم الأمريكى. من ناحية كان الصعود الصينى يحدث بمعدلات غير مسبوقة، من ناحية أخرى كانت روسيا رغم ضعفها فى عديد المعايير تستعيد أيضا هيمنتها الإقليمية بسرعة تناسبها. من ناحية ثالثة، ولعلها الناحية الأهم والأسبق، كانت معدلات التدهور فى هياكل الدولة الأمريكية أكبر وأسرع مما كان فى توقعات قيادة الطبقة السياسية. من ناحية رابعة، كانت الشقوق داخل الحلف الغربى تزداد عددا وعمقا حتى صارت تهدد مكانة الولايات المتحدة فى مواجهاتها مختلف عناصر التهديد لزعامتها.   
      ظهر تدهور مكانتها واضحا فى عديد الصور، ظهر أولا: فى سباقها مع روسيا فى الشرق الأوسط، ثم انسحابها الجزئى ثم عودتها متعاونة. ظهر ثانيا: في عجزها عن الاستمرار فى نقل تركيزها الاستراتيجى من الشرق الأوسط إلى آسيا والشرق الأقصى بخاصة. ظهر ثالثا: فى التغير الملحوط فى استراتيجيات مفاوضاتها مع إيران، وما نتج عنه من انشقاق من جانب إسرائيل ودول الخليج اعتراضا ثم احتجاجا على الموقف الأمريكى. ظهر أيضا ورابعا: فى عجز واضح عن التعامل بحزم أو بتفهم مع الدول الأعضاء فى منظمة الأقطار المصدرة للنفط وبخاصة مع التقارب الخليجى الروسى فى التصدى لطلب أمريكا زيادة معدلات الإنتاج لخفض سعر الطاقة بالنسبة للمستهلك الأمريكى. ظهر خامسا: فى فشل القائمين على تنفيذ سياسة أمريكا الخارجية تجاه روسيا والأزمة الأوكرانية، فشلوا فى إقناع معظم دول العالم النامى وبعض دول الحلف الغربى فى سلامة مواقفهم وسياساتهم رغم عدالتها، نكأوا لدى دول العالم الثالث وبخاصة فى آسيا والشرق الأوسط جروحا لم تندمل خلال الغزوات والتدخلات الأمريكية فى شئونها الداخلية، تفادوا تحميل الأمريكيين الآثار الاقتصادية للحرب بينما ضغطوا لتحميل المواطنين الألمان والفرنسيين وغيرهم الكثير من الأعباء. تبنوا عدالة فى الموقف والمبدأ من الغزو الروسى ولكن لم يعدلوا فى توزيع الأعباء، خاصة وأنه صار يتضح كل يوم للرأى العام العالمى أن القضية برمتها وفى أساسها صراع من صراعات الدول العظمى اختارت أوكرانيا ميدانا له.   
      لا جدال أن الثقة فى العمل الجماعى الدولى تدهورت إلى حدود دنيا، بمعنى آخر سوف يكون صعبا أو معقدا استخدام مؤسسات ومبادئ الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو حماية حقوق الإنسان. لذلك يبدو منطقيا ما تلجأ له دول للاستغناء عن العمل الجماعى إلى إقامة تحالفات مرنة أو وقتية أو نوعية تفى بغرض محدد وتنفض على إثر تحقيقه. كذلك لا أستبعد أن ينتقل عدم الثقة فى التنظيم الدولى إلى التنظيم الإقليمى. أرى بكل الوضوح هذه العدوى وقد امتدت إلى جامعة الدول العربية. صرنا فى منطقتنا نمارس كل أنواع العمل الخارجى، نفضل العمل الثنائى والمتعدد ولكن المؤقت أو لغرض محدد، نفضله مع طرف غير عربى وربما مع طرف غير مؤتمن على الثقة أو التحالف، نفضله على علاقة شبه ميتة تحت مظلة التنظيم الإقليمى ومؤسساته. وفى رأيى أن هذا التفضيل وإن أثمر فوائد عاجلة أو محتملة كفيل بأن يسهم على المدى المتوسط فى تعميق حالة الفوضى فى العلاقات الدولية الناتجة عن فقدان الثقة فى مؤسسات الأمم المتحدة والقانون الدولى والمنظمات الحقوقية، والناتجة أيضا عن حالة السيولة فى النظام القطبى، وأقصد العلاقات المتدهورة بين الأقطاب فى عالم اليوم، وهى العلاقات التى لا تبشر بنهاية عاجلة للفوضى السائدة حالياً.   
     لن تتتوقف الفوضى إلا بعد أن تحصل الصين على مكانة تليق بها وتقبلها، وبعد أن تتوقف روسيا عن استخدام العنف لاستعادة نفوذها فى الإقليم، وبعد أن تستعيد أمريكا الثقة فى قدرات أبنيتها الداخلية وتعترف بأن زمن ريادتها أو هيمنتها كاد ينتهى.  
 
جميل مطر   
كاتب ومحلل سياسي   
عن صحيفة الشروق 
 
 
 
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
مارتن ليجون : فرض العقوبات علي إيران ليس حلًا
15:00 17.04.2024
دميتري سولونيك : هذا لن يساهم في استقرار المنطقة
14:00 17.04.2024
خبير سياسي: أرمينيا تسعي إلي أن تكون السعودية وسيطًا في أزمتها مع أذربيجان
13:00 17.04.2024
راي كريم أوغلو : الادعاءات التي قدمتها أرمينيا في محكمة العدل ليست إلا "أكاذيب"
12:25 17.04.2024
مصر وتركيا لترسيخ العلاقات بعد إنهاء القطيعة
12:00 17.04.2024
كيف تتعامل مصر مع تداعيات استمرار التوتر في البحر الأحمر؟
11:45 17.04.2024
سلطنة عمان: سيول تودي بحياة أكثر من 16 شخصا جلهم من التلاميذ
11:30 17.04.2024
رئيسي يتوعد برد واسع وموجع على أدنى عمل يستهدف مصالح طهران
11:15 17.04.2024
رئيس وزراء باكستان يستقبل وزير الخارجية السعودي
11:00 17.04.2024
تركيا تدير علاقاتها مع إيران وأمريكا بحذر
10:45 17.04.2024
فريق التوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة يجري دورات للتوعية بمخاطر الذخائر المنفجرة
10:36 17.04.2024
بوتين يبحث هاتفيا مع الرئيس الإيراني الأزمة في الشرق الأوسط
10:30 17.04.2024
العمانية للغاز توقع اتفاقية توريد مع جيرا اليابانية لمدة 10 أعوام
10:15 17.04.2024
السعودية وباكستان تبحثان تكثيف التعاون الأمني والاستراتيجي
10:00 17.04.2024
الأمم المتحدة تعثر على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل في مدارس بغزة
09:45 17.04.2024
الأمم المتحدة تدعو إسرائيل للتوقف عن المشاركة في عنف المستوطنين
09:30 17.04.2024
استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي
09:15 17.04.2024
أردوغان: نتنياهو هو المسؤول الوحيد عن أحدث توتر في الشرق الأوسط
09:00 17.04.2024
"ضد الهجوم الإيراني".. السعودية تعترف بمساعدة إسرائيل
22:12 16.04.2024
جميع الأخبار