مبدأ سيادة القانون الأمريكى فى خطر

مقالات 16:21 26.08.2022
      لا يقلق أغلب المفكرين الأمريكيين من فكرة أو واقع لحاق الصين ببلادهم اقتصاديا وربما تخطيها كأكبر اقتصاد فى العالم خلال أعوام قليلة. ويثق الشعب الأمريكى كذلك فى غياب أى تهديد جدى مستقبلى لهيمنتهم العسكرية الحالية بالنظر لحجم وميزانية تسليح جيشها مقارنة بكل منافسيها مجتمعين.
      ويرحب أغلب الشعب الأمريكى بالمنافسة العلمية والتكنولوجية مع بقية دول العالم وعلى رأسها الصين، ويثقون فى قدرة مؤسساتهم العلمية والبحثية على استمرار ريادتها العالمية فى أغلب مجالات المعرفة الحديثة.
      إلا أن أكثر ما يتفاخرون به عند مناقشة المنافسة العالمية الصينية أو حتى الروسية هو مفهوم سيادة القانون. ويكرر بعض المفكرين أنه لا خوف على الحاضر والمستقبل الأمريكى طالما تحترم أمريكا مبدأ سيادة القانون فى الوقت الذى يغيب فيه هذا المبدأ فى كل من الصين وروسيا. ويذهب البعض الآخر إلى القول بأن أغنياء العالم الثالث، بما فيهم أغنياء روسيا والصين، يحرصون على وضع الكثير من أموالهم فى المصارف الأمريكية، ناهينا عن شراء عقارات وأسهم وسندات أمريكية لا لشىء إلا لثقتهم الواسعة فى منظومة القضاء الأمريكى المحايدة والعادلة فى مجملها. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الصناديق السيادية لمختلف الدول التى لديها فوائض مالية ضخمة، إذ أصبحت الولايات المتحدة وجهتها الأولى خلال السنوات والعقود الأخيرة.
      ويتهكم الأمريكيون على نخب العالم الثالث، التى تتطلع نسب كبيرة منها إلى اليوم الذى تُسيطر فيه الصين أو روسيا على السياسة العالمية ويقفون فى وجه الغطرسة الأمريكية. ومصدر التهكم ينبع من أن هذه النخب تتطلع فى الوقت ذاته إلى كل ما هو أمريكى سواء فى سعيها لاقتناء جواز سفر أمريكى إن لم يكن لهم مباشرة فلأولادهم كضمانة للمستقبل. وأصبح هناك شبكات واسعة ومنتشرة فى مختلف الولايات الأمريكية تسهل من وصول أغنياء دول العالم المختلفة وعلى رأسها الصين وروسيا لوضع أطفالهم فى الأراضى الأمريكية.
      ولا يخشى أى مستثمر أجنبى، سواء كان فردا أم صندوقا سياديا على أمواله أو بيته أو أصوله الموجودة فى الولايات المتحدة، وذلك للثقة فى إجراءات القضاء الأمريكى المستقل.
      تعد هذه الثقة فى النظام القانونى الأمريكى، أو ما يطلق عليه سيادة القانون أهم العوامل وراء الريادة الأمريكية الناعمة فى عالم اليوم مقارنة مع منافسيها المباشرين كالصين وروسيا. ففى الصين، دفعت هيمنة الحزب الشيوعى على كل أوجه الحياة بما فيها النظام القضائى إلى غياب الثقة فى نيل العدالة إذا تعرض أى شخص سواء كان زائرا أو مستثمرا لمشكلة أو لأزمة فى الصين خاصة إذا كانت ضد جهة أو مسئول حكومى، وهو ما يمثل النقيض فى الولايات المتحدة، فبصفة عامة لا يسعى أحد للمشاكل وخلق الأزمات، إلا أن اطمئنان الأشخاص فى أمريكا، مواطنين وزائرين ومقيمين، إلى وجود مبدأ سيادة القانون لا يجعلهم متخوفين من مواجهة السلطات أو أصحاب النفوذ فى ساحة القضاء إذا استدعت الضرورة.
      إلا أن كل ما سبق يتعرض لتهديدات غير مسبوقة مع اعتقاد الملايين من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب أن هناك عملية تسييس لمنظومة القضاء كان آخرها تفتيش «اقتحام» أكثر من 30 مفتشا تابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالية FBI منتجع ترامب فى ولاية فلوريدا، ونقل صناديق تحتوى على مواد سرية وغاية فى السرية تتعلق بالأمن القومى الأمريكى للأرشيف الوطنى.
      قد لا يعرف الشعب الأمريكى أبدا مضمون الوثائق التى تم استردادها من ترامب. كما أن قرار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى السابق جيمس كومى بعدم مقاضاة هيلارى كلينتون على سوء سلوك خطير مماثل إبان انتخابات 2016 يُعقد إلى حد كبير قرار وزير العدل ميريك جارلاند بشأن ما إذا كان سيتم توجيه تهم جنائية للرئيس السابق ترامب.
      وتنقسم آراء الفقهاء الدستوريين حول خطوة الـ إف بى آى فى اقتحام منزل ترامب. يذهب فريق لتبريرها حيث توفر سبب قانونى وجيه للتفتيش، إذ سمح أمر قضائى فيدرالى بمصادرة جميع الوثائق والسجلات المادية التى تشكل أدلة، أو ممنوعات، أو دلائل ارتكاب جرائم، أو غيرها من المواد التى تم حيازتها بشكل غير قانونى فى انتهاك للمادة 18 من القانون الاتحادى رقم 793 أو 2071 أو 1519 وتتعلق جميع هذه القوانين الجنائية الثلاثة بحيازة ومعالجة مواد سرية تحتوى على معلومات تتعلق بالأمن القومى، أو السجلات العامة، أو المواد ذات الصلة بتحقيقات فيدرالية. وعلى النقيض يؤكد فريق آخر من الفقهاء الدستوريين أن ما قام به ترامب من جمع آلاف الوثائق ونقلها لمنزله الخاص لا يخالف القانون. يرى هذا الفريق أن وثائق الرئيس ترامب مشمولة بقانون محدد، وهو قانون السجلات الرئاسية لعام 1978، وعليه تعامل الرؤساء من جورج واشنطن إلى جيمى كارتر مع أوراق البيت الأبيض الخاصة بهم على أنها ممتلكاتهم الشخصية، ولم يعترض الكونجرس ولا المحاكم على ذلك، لكن الأمر هنا يختلف لأن اسم الرئيس هو «دونالد ترامب».
      منذ اقتحام منزله، لم يعبر ترامب عن ثقته فى القضاء الأمريكى كما هو متوقع من أى سياسى فى هذه الظروف، بل ذهب ترامب ليشكك فى شرعية المحاكم الأمريكية، وسيادة القانون، ويقول إن نظامنا القانونى فاسد، القضاة مسيسون للغاية أو معرضون للخطر أو خائفون تماما.
      وتشير استطلاعات الرأى المختلفة إلى أن ما يزيد على نصف الناخبات والناخبين الجمهوريين فى مختلف الولايات يصدقون كذبة ترامب الكبرى بأن فوز بايدن كان مزورا، ويرون أن منظومة القانون فى أمريكا لم تعد عادلة ومحايدة! وهكذا يبقى الورم الخبيث الذى زرعه ترامب فى السياسة الأمريكية بالتشكيك فى سيادة القانون، وقد لا يمكن القضاء عليه فى أى وقت قريب.
 
الاقتباس:
قرار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى السابق جيمس كومى بعدم مقاضاة هيلارى كلينتون على سوء سلوك خطير مماثل إبان انتخابات 2016 يُعقد إلى حد كبير قرار وزير العدل ميريك جارلاند بشأن ما إذا كان سيتم توجيه تهم جنائية للرئيس السابق ترامب.
 
 
محمد المنشاوي 
كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن
عن صحيفة الشروق 
 
 
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

وزير الخارجية المصري يبحث الملفات الإقليمية والدولية مع نظيرته الجنوب أفريقية
14:00 20.04.2024
مباحثات تركية- مصرية تتناول جهود وقف النار في غزة
13:30 20.04.2024
دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأمريكي لعضويتها الأممية
13:00 20.04.2024
ثوران جديد لبركان روانغ في إندونيسيا. وخطر تسونامي لا يزال قائماً
12:30 20.04.2024
انفجارات أصفهان.. القصة الكاملة للهجوم الإسرائيلي على إيران
12:00 20.04.2024
انطلاق الانتخابات العامة في الهند... وحزب مودي الأوفر حظاً
11:30 20.04.2024
الأمم المتحدة تستنكر التحطيم المتعمد للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة
11:00 20.04.2024
أسطول الحرية مستعد للإبحار من تركيا لغزة. وتحذير لإسرائيل من أي هجوم
10:30 20.04.2024
إسرائيل تسعى إلى منع صدور أمر اعتقال بحق نتنياهو
10:00 20.04.2024
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و12 شهيدا
09:30 20.04.2024
ميرزايف : نشهد أحداثًا تاريخية
09:00 20.04.2024
أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
جميع الأخبار