قمة شرم الشيخ للمناخ رحلة المليارات والتريليونات وما هو أهم

مقالات 01:00 05.11.2022
      أيام وتبدأ فى مدينة شرم الشيخ المصرية أعمال قمة المناخ وما يعقبها من اجتماعات ومشاورات، لإنقاذ العالم من أزمة تغيرات المناخ وتداعياتها التى تهدد وجود البشر والكائنات الحية، واختفاء جزر وضياع أراضٍ فى بقاع الكوكب غمرا بالفيضانات والأعاصير وجدبا للمزارع وحرقا للغابات ونحرا فى الشواطئ.
      وفى ظل أجواء عالمية شديدة الاضطراب مع تزايد الأزمات الجيوسياسية والحرب الدائرة فى أوكرانيا وأوضاع اقتصادية متدهورة خانقة لنمو الاقتصادات ومؤججة لارتفاعات الأسعار وقاذفة بدول نامية فى فخاخ الديون الخارجية، كان لزاما على القمة القادمة أن تنتهج سبيلا عمليا وشاملا فى التعامل مع أزمة المناخ وإنفاذ تعهدات اتفاق باريس الذى أبرمته الدول كافة فى عام 2015. ولا يُقصَد بالشمول هنا مجرد تناول محاور الاتفاق فى مجالات العمل المناخى المتعلقة بتخفيف الانبعاثات الضارة، والتكيف مع آثارها، والتعامل مع الملف الحرج للخسائر والأضرار التى تتكبدها المجتمعات والأصول المادية والطبيعة وتنوعها البيولوجى، وتدبير التمويل اللازم لها. فالشمول المقصود لن يتحقق إلا بالتمرد على الاختزال المتعمد لقضية الاستدامة بقصرها على أساليب تخفيف الانبعاثات الكربونية، فالانبعاثات الضارة تتجاوز تلك الكربونية منها رغم خطورتها. وهذا الشمول يستدعى بالضرورة وضع العمل المناخى فى إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى ينبغى إنجازها دون إبطاء قبل حلول عام 2030، وهو ما تعهد به قادة الدول فى قمة خاصة للأمم المتحدة عُقدت فى شهر سبتمبر من عام 2015.
      وبعد سبع سنوات من إبرام تعهدات المناخ والتنمية، نجد أن أوضاع العالم أكثر سوءا اليوم مما كانت عليه. فتذكِّرنا التقارير العلمية الصادرة عن اللجنة الحكومية الدولية المختصة فى إطار الأمم المتحدة بأن العالم لم ينجز ما لا يدعو إلا للذعر من الانحراف المتوالى عن مسار تخفيض الانبعاثات الضارة بالمناخ، فبدلا من تخفيضها بنحو 45 فى المائة حتى عام 2030 تجدها تزيد بمقدار 14%. وبدلا من تخفيض أعداد من يعانون من الفقر المدقع فقد زاد عددهم ارتفاعا ليصل إلى 719 مليون إنسان فى نهاية عام 2020. وهذا الرقم لا يتضمن أثر ارتفاعات أسعار الغذاء والطاقة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية أو باقى آثار جائحة «كورونا» وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. هذا هو الوضع الراهن للهدف الأول لأهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الفقر المدقع الذى كان يُرجى الوصول إليه مع حلول عام 2030، ومرة أخرى لن يكفى لوم مَشاجب الأزمات والصدمات الخارجية لتعلَّق عليها خيبة السياسات العامة وضعف مؤسسات العمل التنموى وإهدار الموارد مع تشتتها. فالعالم لم يكن على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة قبيل اندلاع جائحة «كورونا» وما تلاها.
      وفى إطار الإعداد لقمة شرم الشيخ عُقدت 3 حوارات كاشفة لأولويات العمل المناخى فى شهر أكتوبر الماضى مع خبراء متميزين فى التمويل والتنمية واقتصاديات المناخ أستخلص ما جاء فيها على النحو الآتى:
أولاً: أن التعارض بين التنمية والعمل المناخى محض افتراء على الدليل العلمى والممارسة العملية معا. ففى محاضرة متميزة للاقتصادى ستيفان هاليغات المستشار الأول بالبنك الدولى، عن التضافر والمقايضات بين المناخ والتنمية، ساق فيها الأدلة على أن أساليب العمل المناخى التى لا تأخذ فى الحسبان أوضاع الفقر والنمو فى صياغة السياسات العامة وتنفيذها ضررها بالغ على المناخ والتنمية معا، وأن من وقعوا فى براثن الفقر فى خمس دول أفريقية عانوا من ارتفاعات شديدة فى أسعار الغذاء ونقصان الدخول من النشاط الزراعى والكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف والأزمات الصحية. 
      كما أكد أن النهج الشمولى للنمو والتنمية من شأنه أن يزيد الاستثمارات فى التعليم والرعاية الصحية والإنتاجية الزراعية وتطوير البنية الأساسية المساندة للإنتاج والشمول المالى ودفع الاستثمارات الخاصة وتحقيق نظام أعلى كفاءة للحماية الاجتماعية. وذكر رقما ذا دلالة على أن زيادة الاستثمار فى بنية أساسية أكثر متانة ومقاومة للصدمات المناخية قد ترفع التكلفة بمقدار 3 فى المائة فى المتوسط ولكن العائد المتحقق للاقتصاد والمجتمع يعادل 4 دولارات لكل دولار يتم إنفاقه. ولكنه أكد أن الإنفاق على التكيف مع الآثار الضارة للمناخ يجب أن تتضافر معه استثمارات ضخمة فى تخفيف الانبعاثات الضارة ودفع الاستثمارات فى قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة بالاستعانة بالتكنولوجيا والابتكارات المتطورة بما يستوجب تعاونا دوليا. وهو ما شدد عليه هومى كاراس الاقتصادى بمعهد «بروكنغز» بأهمية تجاوز عقبات التمويل وبطء المشاركة فى ثمار المستجدات التكنولوجية والعلمية.
ثانياً: أن متطلبات العمل المناخى تستلزم تكاملا بين العلم والتمويل وتغيرا سلوكيا يحقق أولويات التنمية المستدامة وعلى رأسها القضاء على الفقر المدقع. وقد جاءت هذه الخلاصة المستفادة من تجارب عملية فى البلدان النامية ساقتها الاقتصادية الفرنسية الأمريكية إستر ديفلو الحائزة على جائزة نوبل فى الاقتصاد عن أعمالها التطبيقية فى اقتصاديات الفقر واستهداف مكافحته. وأوضحت ديفلو أن عبء الأزمة المناخية يقع على العشرة فى المائة الأكثر غنى فى العالم فهم المسئولون عن نصف الانبعاثات الضارة، كما أن الدول الأكثر فقرا يعيش سكانها فى أكثر المناطق حرارة فى العالم بما يعرِّضهم لأزمات وصدمات مستمرة تؤثر سلبا على حياتهم وصحتهم وأسباب معيشتهم. وبالتالى فإن أى عمل يتعلق بالانتقال العادل لنسق اقتصادى أفضل للمناخ والتنمية يستوجب استثمارا واستخداما كفؤا للبحث والتطوير استفادةً من العلم والتكنولوجيا المتاحة فى مجالات الرى والزراعة والحفاظ على الغابات بأمثلة عملية من الهند وبلدان أفريقية حققت نتائج ملموسة فى هذه المجالات، وشددت على أهمية إتاحة التمويل الملائم مع إحداث تغير سلوكى لجميع الأطراف الحكومية والمجتمعية وقطاع الأعمال عند التعامل مع أولويات العمل المناخى والتنمية.
ثالثاً: أن متطلبات التمويل السنوية للبلدان النامية تتجاوز عشرة أمثال المائة مليار دولار الموعودة منذ مؤتمر كوبنهاغن فى 2009، فعلى النحو الذى استعرضه الاقتصادى الهندى المرموق مونتيك أهلواليا، هناك تقديرات متباينة لحجم الاحتياجات السنوية لتمويل العمل المناخى وفقا لتقارير دولية ودراسات اقتصادية كان من أهمها ما يلى:
ــ تقدير اللجنة العلمية للأمم المتحدة لمتطلبات الطاقة: 2.8 تريليون دولار.
ــ تقدير وكالة الطاقة الدولية لاحتياجات قطاع الطاقة: 3.5 تريليون دولار.
ــ تقدير مؤسسة ماكنزى لاحتياجات الطاقة واستخدامات الأراضى: 4.5 تريليون دولار.
ــ تقدير صندوق النقد الدولى لاستثمارات الطاقة والقطاعات ذات العلاقة: 3.3 تريليون دولار.
ــ تقدير مبادرة سياسات المناخ: 3.7 تريليون دولار.
      ومع اختلاف هذه التقديرات وفتراتها الزمنية، فوفقا لدراسة لأهلواليا المشتركة مع أونكارش باتل، التى ستصدر فى كتاب لمعهد بروكنجز قريبا، فإن فجوة التمويل عالميا تتراوح بين 3 فى المائة و4 فى المائة عالميا. وباستبعاد الدول المتقدمة والصين لقدراتها المفترضة على تحمل أعبائها، فإن المتطلبات الإضافية للبلدان النامية فى قطاع الطاقة والمجالات ذات العلاقة تقترب من 1.3 تريليون دولار، أى 13 مثلا لتعهد كوبنهاجن ذى المائة مليار التى لم تصل بكاملها أبدا للبلدان النامية. افترض أهلواليا وآخرون من الاقتصاديين مثل عمار باتاتشاريا أن نصفها يمكن توليده من مصادر محلية داخل كل دولة، والنصف الآخر سيكون من مصادر خارجية عامة وخاصة على أن تقوم المؤسسات الدولية بأدوار ضخمة غير مسبوقة فى التمويل المباشر ومساندة الاستثمار الخاص وتخفيض مخاطره الاقتصادية والتحوط ضد التغيرات السياسية المؤثرة أيضا من خلال تقديم ضمانات متعارف عليها ذات تكلفة. وفى تقديرى أن هناك ضرورة حيوية لتعميم قواعد مؤسسة التنمية الدولية «IDA» فى التمويل الميسَّر طويل الأجل لتشمل البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض بالإضافة للدول الأقل دخلا، حتى تعمّ الفائدة على البلدان الأفريقية كافة وبلدان نامية أخرى، وفى هذا شرح ستشهده قاعات الاجتماعات والنقاش فى شرم الشيخ.
       من المنتظر أن تتناول قمة شرم الشيخ وجدول أعمالها الضخم هذه الموضوعات، وفقا لنهج عملى شامل، إذ آلت رئاسة القمة على نفسها أن تكون هذه القمة لإنفاذ التعهدات. واتَّبعت أسلوبا عمليا لإعداد قوائم بمشروعات جديرة بالاستثمار والتمويل بالتعاون مع الأقاليم الاقتصادية الخمسة للأمم المتحدة ورواد المناخ والمؤسسات الاستشارية والمالية المتخصصة، وركزت فى إعدادها لهذا النهج على توطين المشروعات وتوافقها مع أولويات المجتمع الذى يحتضنها، واستأنست بمقترحات لإصلاح البناء المالى العالمى الذى أفرط فى الاعتماد على أدوات الاستدانة على حساب الاستثمار والتمويل طويل الأجل. ومن هذه المقترحات ما جاء فى مبادرة بريدج تاون ــ عاصمة بربادوس، التى تتعهدها رئيسة وزرائها ذات الهمة ميا موتلى، بالدعم وحشد المساندة الدولية.
      تفصلنا أيام لما تتطلع إليه شعوب العالم عمّا ستسفر عنه قمة شرم الشيخ ومداولاتها من تحقيق وثبات فى مسيرة التعاون الدولى، رغم ما يعانيه عالمنا من عجز الثقة وفائض الأزمات، فما نحن بصدده من عمل لاستنقاذ الأرض يتجاوز فى خطورته وأثره نزاعات تحركها دوافع لاغتنام مكاسب وقتية استغلالا لثغرات فى نظام عالمى موروث من رحم الحرب العالمية الثانية. فقد حان الوقت ليُفسح المجال لترتيبات أكثر عدلا وأعلى كفاءة تمهد لنظام عالمى جديد يحفظ السلم ويحقق التقدم والنفع لعموم الناس فى عالم شديد التغير.
 
محمود محي الدين  
عن صحيفة الشروق 
 

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار