محمود سعد دياب
ناقش عدد من الخبراء والباحثين كتاب "أذربيجان ومئوية التأسيس (1918-2018) - الجمهورية الديمقراطية الأولى فى الشرق الإسلامى"، لمؤلفه الدكتور إيميل رحيموف، قنصل سفارة أذربيجان بالقاهرة، والصادر عن وزارة الشئون الخارجية لجمهورية أذربيجان هذا العام، وذلك في ندوة نظمها مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية.
وقال الدكتور محمد طلعت، نائب رئيس المركز، إن الندوة تأتي احتفالا بمرور مائة عام على قيام الجمهورية الأذربيجانية الأولى فى الشرق الإسلامى منذ إعلان المجلس الوطنى الأذربيجانى برئاسة محمد أمين رسول زاده، فى عام 1918، عن استقلالها عن الإمبراطورية الروسية القيصرية.
في البداية، أكد الدكتور إيميل رحيموف، قنصل سفارة أذربيجان بالقاهرة، أن الكتاب يحمل بين دفتيه قصة دولة مرت بعديد من المراحل التاريخية على مدار مائة عام، شهدت خلالها تحديات جمة وصعوبات عديدة، إلا أنها نجحت فى أن تحتفظ لنفسها بمكانة متميزة فى عالم اليوم، مضيفًا أن أذربيجان كانت رائدة فى تقديم التجربة الثرية التى جمعت بين إرث الحضارة الإسلامية من ناحية، والعصرنة من ناحية أخرى، لتؤكد للجميع أن الإسلام لا يتعارض مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وإنما الإنغلاق الذى أصاب الأمة الإسلامية فى فترات تاريخها المظلم هو الذى يتعارض مع متطلبات العصر.
وأضاف، أن الكتاب أبرز المحطاتِ التاريخية والسياسية والاقتصادية التي مرت بها أذربيجان منذ استقلالها، كما ألقى الضوء على أبرز التحديات التي واجهتها، وأهم الإنجازات التي حققتها، كمحاولة لتقديم تجربتها في التحول الديمقراطى والتنمية الاقتصادية للعالم أجمع، وذلك كله تحت شعار: "أذربيجان: ماضٍ خالد.. حاضر فاعل... مستقبل واعد".
وأشار إلى الدور الذي لعبته الشخصيات البارزة للقادة داخل أذربيجان، حيث كان لهم دور مهم في هذه التجربة الرائدة، ونُقشت أسماؤهم بأحرف من نور في ذاكرة الشعب الأذربيجاني إلى الأبد، فخلال فترة الاستقلال الأولي للدولة (1918-1920)، كان هناك محمد أمين رسول زاده، مؤسس أذربيجان الديمقراطية، وفتح علي خان خويسكي، أول رئيس لحكومة أذربيجان الشعبية، وعلي مردان بك توبجوباشوف، رئيس البرلمان آنذاك، ثم بعد ذلك كان الاستقلال الثاني لأذربيجان في عام 1991؛ ليظهر دور حيدر علييف، القائد السياسى المحنك الذي أخرج أذربيجان من مرحلة الصعاب والتحديات في مطلع التسعينيات، لتخطو نحو صَوب مستقبل مزدهر... وجاء بعده الرئيس إلهام علييف، الذي كان خير خلف لخير سلف من قادة تاريخيين قادوا أوطانهم في لحظات مصيرية إلى التقدم والتطور.
وأكد أن أذربيجان تحظى بموقع جغرافى متفرد فى منطقة جنوب القوقاز، وهي منطقة مهمة فى مسار العلاقات الدولية، ذلك الموقع الذي جعلها تجتذب 3 مليون سائح فقط من دول الخليج عام 2017، كما تمتلك ثروات طبيعية واقتصادية وهبها الله إياها، حيث تتمتع باحتياطيات ضخمة من الغاز والنفط، فضلا عن نظام سياسي متنوع يتمتع بالتعددية السياسية يصنفه الدستور على أنه ديمقراطي علماني، ويقسمه لثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية.
وأضاف أن بلاده واجهت صعوبات كبيرة وتحديات في طريق حصولها على استقلالها الأول، عام 1918، حيث وقعت في هذه الفترة مذبحة 31 مارس 1918 على يد "استيفان شاوميان" وهو من البلاشفة من حزب الطاشناك، حيث أصدر تعليمات لعناصر حزبه بالهجوم على المسلمين في أذربيجان، واستمرت المذبحة لمدة ثلاثة أيام راح ضحيتها حوالي 50 ألف قتيل، وأن بلاده اعتبرت يوم الحادي والثلاثين من مارس يوم حداد وطني في البلاد، إلا أن رجال الدولة الأذربيجانية آنذاك نجحوا فى تحقيق الاستقلال، ولم يمنعهم أي تحدّيات وحققوا نجاحات لا يزال الأذريون يفخرون بها، ووضعوا اللِبنة الأولى فى تاريخ بناء الجمهورية المستقلة.
وأشار إلى أنه في 28 مايو 1918 أعلن المجلس الوطني الأذربيجاني برئاسة محمد أمين رسول زاده، استقلال أذربيجان، لكنها ورغم فترة عمرها المحدودة، إلا أنها نجحت في تحقيق نجاحات، أبرزها إعداد دستورها المبني على الحقوق المتساوية، وتأسيس البرلمان الأذربيجاني البالغ عدد أعضائه 120 عضوًا، ممثلين عن الأحزاب المتعددة (حزب المساواة، الاتحاد، الأحرار، المستقلين، الاشتراكيين، الأرمن، الطاشناك...وغيرها) حيث مثلت جميع الكيانات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسة، في البرلمان الوطني، ما يؤكد التزام أذربيجان بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات، فضلا عن تأسيس جيش وطني أذربيجاني، قوامه 40 ألف جندي على يد عدد من الوطنيين مثل سمد بك مهمانداروف، علي آغا شيخلنسكي، حسين خان ناختشوانسكي، إبراهيم آغا أوسوبوف، كاظم قاجار، جواد بك شيخلنسكي، حبيب بك سليموف... وغيرهم، حيث شكلوا قوات الدفاع الوطني، وإعداد الكوادر المتخصصة وتدريبهم، وإنشاء أسس عسكرية؛ حيث تمكن الجيش من تطهير مدينة باكو والمدن الأخرى من المسلحون الطاشناك.
وأوضح قنصل أذربيجان بالقاهرة، أن الاستقلال الأول لم يدم طويلا إذ وقعت اذربيجان تحت الاحتلال السوفيتى عام 1920، حيث أصبحت جمهورية سوفيتية اشتراكية (1920-1991)، مبينًا أن سياسة الاتحاد السوفيتى فى التعامل مع الجمهوريات التى وقعت تحت مظلته ومنها جمهورية أذربيجان، كانت سياسة "البُؤَر الصِّدامية"، فضلا عن محاولته المستمرة لمحو الهوية الأذرية مع الاستغلال الاقتصادى لثروات أذربيجان ومواردها، وقبيل الاستقلال عام 1991، مارس الجيش الأحمر كافة صور القمع والتعذيب بحق الشعب الأذري، وأنه لا تزال الذاكرة الوطنية تحتفظ بمأساة العشرين من يناير 1990، وأن الدولة عاشت مرحلة من التخبط حتى تم استدعاء الزعيم حيدر علييف عام 1993 لينقذ الدولة الجديدة من شَبَح الانهيار، ويُنتخب بإجماع القوى الوطنية كافة والشعب الأذربيجاني رئيسًا للبلاد.
وأكد أن علييف وضع أولى لبنات الدولة الحديثة اقتصاديًا وسياسيًا، وأسس جيشًا قويًا، واستكمل المسيرة من بعده إلهام علييف الذي رفع من مستوى الجيش، وتقوية قاعدته المادية التقنية، حيث بلغ حجم النفقات العسكرية عام 2018 إلى ما يقرب من مليار و700 مليون دولار، وأصبحت تصدر الأسلحة الأذربيجانية بما يقترب من 106 مليون دولار عام 2016، واحتل الجيش المرتبة 59 عالميا، وفقًا لتقدير "Global Firepower" للأمم المتحدة لعام 2017، والمرتبة الأولى والأقوى في جنوب القوقاز.
فيما أكد الدكتور عادل درويش، الأستاذ بجامعة حلوان، والملحق الثقافي المصري السابق في أذربيجان، أن شركة سوكار للبترول هي التي ساندت مصر منذ أشهر، ولبت احتياجاتنا من البترول وقت وقت إمدادات البترول من أرامكو السعودية، وأن أذربيجان نجحت في إنشاء مشروع خط أنابيب (باكو-تيبلسي-جيهان) الذي تم تأسيسه من أجل توصيل النفط الذي تنتجه من منطقة بحر قزوين إلى الأسواق العالمية الأوروبية عن طريق تركيا عام 2005، ويبلغ طوله 1,776 كم، ويمتد من العاصمة الأذربيجانية باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، ويمر الخط عبر الأراضي الجورجية، وأنه قد بلغت تكلفة بناء هذا الخط نحو 4,3 مليار دولار أمريكي، وتبلغ قدرته اليومية نقل 1 مليون برميل من النفط، حيث تعتبر القدرة القصوى للخط هي 10 مليون برميل نفط، ويوجد 8 محطات ضخ على امتداد مسار خط الأنابيب (2 في أذربيجان, 2 في جورجيا, 4 في تركيا).
وأضاف درويش، أنه في عام 2012 تم التوقيع على اتفاقية الطاقة مع الاتحاد الأوروبي، واتفاق مع تركيا بشأن مشروع للغاز عبر الأناضول (TANAP)، وفي عام 2013 أنشئ طريق التصدير الرئيسي للمشروع عبر البحر الأدرياتيكي (TAP)، واعتمد قرار الاستثمار النهائي بشأن مشروع Shahdeniz-2، كما أنه فى 20 سبتمبر 2014 تم وضع حجر الأساس لمشروع ممر الغاز الجنوبي.
وأضاف، أن أذربيجان تقع في موقع مهم من طريق الحرير الجديد الذي تدشنه الصين، وأنها افتتحت جزءًا منه، وهو خط سكة حديد (باكو - تبليسي – قارص) الذي تم افتتاحه منذ فترة قريبة، ويمتد على طول 846 كيلومترًا عبر أذربيجان وتركيا وجورجيا ويربط بين أوروبا والصين، وأنه قد وصلت تكلفة المشروع حوالي 4 مليارات دولار، ومن المتوقع أن ينقل هذا الطريق 17 مليون طن من البضائع، مضيفًا أن الإجراءات الاقتصادية في أذربيجان رفعت حجم استثماراتها خلال الفترة من (2003 : 2017) 231 مليار دولار نصفها استثمارات أجنبية والباقي محلية.
ولفت الدكتور عادل درويش، إلى أن مصر وأذربيجان تربطهما علاقات أيضًا على المستوى التعليمي، من خلال المنح التي تقدم للطلبة المصريين للدراسة بالجامعات الحكومية والخاصة هناك، بدرجات الليسانس والماجستير والدكتوراة، موضحًا أن أذربيجان خلال السنوات العشر الأخيرة شهدت تطورا كبيرا في نظام التعليم، حيث أنشأت نظاما معاصرا على مستوى المقاييس العالمية، وتستقبل 6 آلاف طالب من مختلف دول العالم للدراسة بها، رغم أن عدد السكان لا يتجاوز 10 مليون نسمة.
وأوضح أن إستراتيجية تطوير التعليم، تتضمن عددا من التغيرات منها إنشاء نظام التعليم الثانوي الكامل لمدة 12 سنة، وأنظمة أخرى للجماعات التي يصل عددها إلى 36 جامعة حكومية و15 جامعة خاصة، يدرس بها حوالي 200 ألف طالب، مضيفًا أن أذربيجان ظلت وجهة هامة للطلاب المسلمين من مختلف أنحاء الاتحاد السوفييتي سابقا.
وقد حضر الندوة عدد من الدبلوماسيين، مثل عزار عباس المستشار السياسي بسفارة أذربيجان، وبختيار أريسوف المستشار الثقافي بسفارة أوزبكستان، والدكتور سيمور نصيروف، رئيس الجالية الأذربيجانية في مصر، وأخرون.