بعد الخبز الفرنسي "لابغيت"، صنفت منظمة اليونسكو موسيقى الراي، التي ظهرت في الغرب الجزائري بداية القرن العشرين الماضي، ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، تقديرا لهذا الصنف الموسيقى الذي غزا العالم في غضون سنوات قليلة فقط. وغالبا ما تعبر أغاني "الراي" على المعاناة الاجتماعية والاقتصادية للشبان وانعدام الأفق أمامهم. لكن في نفس الوقت تواجه هذه الموسيقي مشكلة عدم احترام حقوق المؤلفين والملحنين فيها.
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إدراجها موسيقى "الراي" الجزائرية ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تصنيف موسيقى من منطقة شمال أفريقيا ضمن التراث العالمي. وتجتمع لجنة الحفاظ على التراث الثقافي وغير المادي التابعة لليونسكو منذ الاثنين 28 نوفمبر في مدينة الرباط المغربية، لاتخاذ قراراتها والكشف عن اختياراتها الجديدة.
وظهرت موسيقى "الراي" بداية القرن العشرين في الأحياء الشعبية بمدينة سيدي بلعباس غرب الجزائر، والتي تبعد حوالي 80 كيلومتر عن وهران، عاصمة الغرب الجزائري. ثم سرعان ما انتشرت في عموم الغرب الجزائري لتشمل مدنا أخرى كمستغانم وتلمسان ووهران وعين تموشنت ومدن محاذية للمغرب كمدينة مغنية وتلمسان التي ينحدر منها الفنان بلمو مسعود الذي أدخل للمرة الأولى آلة "السكسوفون" في موسيقى الراي.
وفي إحدى مقالاته، كتب الصحفي الجزائري السابق في أسبوعية "أخبار الجزائر" محمد بلحي والمختص في موسيقى "الراي"، بأن الأخيرة انحدرت من شعر "الملحون" الذي كان سائدا بين سكان البدو في الغرب الجزائري. كما كانت النساء اللواتي يلقبن بـ "المداحات" (مدح عبر الأغاني التقليدية والشعبية) أيضا تغنين الراي في المناسبات والأعراس بالقرى والأحياء الشعبية في الغرب الجزائري.
وسلطت الأضواء على موسيقى "الراي" في العشرينيات من القرن الماضي مع ظهور مغنيين جدد، كانوا يمزجون بين الغناء والعزف على آلات موسيقية، على غرار الشيخ حمادة والشيخ الخالدي والشيخة رميتي، التي تعد من بين أبرز مطربات "الراي"، والتي عرفت شهرة كبيرة في الجزائر وخارجها خصوصا بعد صدور ألبومها الأخير "أنا وغزالي نلقط في النوار".
تتعدد الرسائل التي يحملها "الراي".. فإذا كانت التقاليد تطغى على أغنياته في الأعراس والحفلات، فذلك الذي كان يشدو به رواد المقاهي والحانات الليلية غالبا ما يعبر عن معاناة الناس من الفقر والبطالة وأيضا عن المشاعر العاطفية الممزوجة غالبا بالحزن في سياق العشق والرغبات الجنسية.
وتعد الشيخة "ريمتي" من اللواتي أعطين صدى كبيرا لهذه الموسيقى عبر أغانيها الجريئة، كتلك التي تذكر علاقات جنسية، مستغلة هذا السجل للتطرق بصفة غير مباشرة إلى أزمة السكن التي يعاني منها الجزائريون، على غرار أغنية (مارسنا الجنس في كوخ قذر). كما تطرقت إلى قضايا أخرى، كتناول الكحول واليأس أمام تراكم المشاكل الإجتماعية والاقتصادية المتعددة.. وهي مواضيع كانت السلطات الجزائرية السياسية والدينية تقوم بإغفالها لتفادي الإحتجاجات الشعبية.
أما في الستينيات وبعد استقلال الجزائر، خرجت موسيقى "الراي" من بقعتها الأصلية وانتشرت في جميع أنحاء الجزائر، متسلحة بآلات جديدة في فرقها الموسيقية، كآلات السكسوفون والقيثارة الإلكترونية والأكورديون، فضلا عن آلتي الناي و"الدربوكا" التقليديتين.
وعرفت موسيقى الراي رواجا كبيرا في الثمانينيات مع ظهور مطربين جدد، على غرار الشاب خالد والشاب مامي والشابة فضيلة والزهوانية والشاب صحراوي وغيرهم. فيما قام النظام الجزائري آنذاك بدعم هذه الموسيقى وتطويرها. ويرى بعض المختصين أن ذلك كان رغبة منه في إسكات صوت الأغنية الأمازيغية التي كانت أكثر التزاما وانتقادا للوضع السياسي ومطالبة بالديمقراطية وبحرية التعبير.
وبرزت أغاني عديدة على الساحة الفنية الجزائرية أبرزها أغنية "كوتشي" لخالد من تلحين الموسيقار صافي بوتلة وأغنية "ليت مي راي"، أي "اتركني أغني الراي" للشاب مامي وأغنية "نبغيك ياعيني" أو "أحبك يا عيني" للشابة فضيلة.
أغاني أصبحت تسمع في المقاهي والحفلات وتردد من قبل الكثير من الجزائريين خصوصا الشباب منهم. وارتفعت شعبية موسيقى الراي مع دخول الشاب حسني الساحة الفنية، حيث سجل في غضون سنوات قليلة عشرات الألبومات، ومن بين أغانيه المعروفة "أغنية الفيزا" التي تروي حكاية الشباب الجزائري الذي يحلم جزء منه بمغادرة البلاد إلى أوروبا، أو أغنية "طال غيابك يا غزالي" التي عبر من خلالها عن صعوبة نسج علاقات غرامية بين الشبان والشبات في الجزائر أو أغنية "مازال الأمل..
كل هذه الأغاني أعطت زخما كبيرا لموسيقى الراي وجعلتها تنتشر في جميع أنحاء الجزائر بما في ذلك منطقة القبائل. كما شكل مهرجان موسيقى الراي الأول الذي نظمته بلدية "بوبيني" بمنطقة سان سان دوني الفرنسية عام 1986 انطلاقة لهذه الموسيقى نحو المشهد العالمي.
ويعتبر الشاب خالد من بين مغنيي الراي الذين أوصلوا هذه الموسيقى إلى العالمية، بفضل صوته القوي والجميل والآلات الموسيقية العصرية التي أدخلها إلى فرقته الموسيقية. كما غنى خالد أيضا باللغة الفرنسية، ما أعطى للراي انتشارا في الأوساط الفرنسية والأوروبية وأوصله إلى أكبر وأشهر قاعات الحفلات مثل قاعة "أرينا-بيرسي" حيث أحيا سهرة كانت الأولى من نوعها لمطرب عربي، وشارك فيها الثلاثي خالد ورشيد طه والشاب فضيل.