وقد أصبح النمو الاقتصادى العالى والمستقر لمنطقة آسيا والمحيط الهادي مرساة لاستقرار الاقتصاد العالمى الذي يعاني من الصعوبات فى السنوات الاخيرة. وتمثل حصة البلدان النامية في هذه المنطقة في الوقت الحاضر ثلث الناتج الداخلي العام في العالم ، أي أقل بقليل من الناتج المشترك للبلدان المتقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. وإذا استمرت المنطقة في النمو بالوتائر الحالية، فإنها ستشكل أكثر من نصف الإنتاج العالمي بحلول عام 2050. ومع تزايد دور "عوامل النجاح" التقليدية مثل التعليم والمستوى العالي للاستثمارات والمدخرات، من المرجح أن يزيد أيضا الاعتماد على الأسواق العالمية من خلال الصادرات.
ويجب أن يعتمد النمو الاقتصادي في المستقبل بشكل أكبر على زيادة الإنتاجية التي تتطلب بدورها المؤسسات الفعالة و أفضل الإدارة في كل من القطاعين العام والخاص على حد سواء.
تجدر الأشارة إلى أنه يجب التركيز أكثر على نوعية النمو الاقتصادي، كذلك على الجوانب الاجتماعية والبيئية. وقد كانت العقود من النمو الاقتصادي السريع في آسيا والمحيط الهادئ مكلفة جداً للناس والكرة الأرضية والتي تبينت في عدم المساواة المتزايدة وتدهور وضع البيئة.
ولا يزال يتميز معظم بلدان المنطقة بالمستوى العالي للفقر، مع تركيز الثروات في أيدي الطبقات العليا. ويمكن توصيف غالبية سكانها بعد لا ك"الطبقة الوسطى"، بل وعلى الأغلب ك"الطبقة الانتقالية"، وبالتالي انها معرضة للعودة إلى الفقر. ويقوض التفاوت الكبير في الدخل التضامن الاجتماعي ويضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل من خلال زيادة عدم المساواة في الفرص.
وفي المتوسط، تستخدم بلدان آسيا والمحيط الهادئ النامية من الموارد من الناتج المحلي العام لكل دولار أكثر بضعفين عن بقية العالم. إن تدهور البيئة وانبعاثات الكربون، التي لم يدرج في الناتج المحلي العام، تقوض الاستقرار الاقتصادي وتؤثر على المساواة بين الأجيال.
بهذا السبب بالذات في السنة الثانية من اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من قبل قادة العالم، تدعو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ إلى زيادة التركيز على نوعية النمو الاقتصادي الإقليمي وفي الوقت نفسه من خلال التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي هي في مركز الاهتمامات لخطة عام 2030.
ويدعو التقرير الرئيسي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ اليوم ، إلى استعراض الحالة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ لعام 2017 (الاستعراض الاستقصائي لعام 2017) ويطرح اليوم فكرة الإدارة الفعالة التي لها أهمية حاسمة بالنسبة لنوعية النمو الاقتصادي.
وعلى وجه التحديد، فإنه يحدد إدارة مجال الضرائب والميزانية كآلية الانتقال للتمكن من إنجاز أجندة خطة عام 2030.
يتلخص دور الإدارة في التعبئة الفعالة والتوزيع الفعال لموارد الميزانية وضمان الاستثمارات المربحة في البنية التحتية والتأمين الاجتماعي وكفاءة استخدام الموارد. وتؤثر نوعية الإدارة على مكونات أنفاق الدولة مردودها. وعلاوة على ذلك، قد تؤدي الإدارة الفعالة إلى تقليل من الانقطاعات الإنمائية داخل الأقاليم عن طريق تمكين البلدان الفقيرة من الاستفادة أكثر من التعاون والتكامل الاقتصاديين الإقليميين.
ويمكن للسياسة المالية أن تعالج عدم المساواة، سواء في الأجل القصير أو من خلال سياسة إعادة التوزيع وتوفير الحماية الاجتماعية، وعلى المدى القصير والمدى الطويل عن طريق الحد من عدم المساواة في الفرص. ولنوعية الأدارة أهمية حيوية لضمان الاستقرارالمالي العام عن طريق الإصلاحات
الضريبية الشاملة والإدارة الفعالة للديون.
لجودة الإدارة أهمية في إنجاز الإصالحات الهيكلية الناجحة والهادفة إلى زيادة الانتاجية إضافة على السياسة المالية في الضرائب والميزانية. وبالنظر إلى تنوع االاقتصادات في المنطقة، فالتركيز الدائم على فرض القيود الملزمة على الانتاجية هو نهج أكثر معقولاً من نهج "مقاس واحد يناسب الجميع" و"الانفجار الكبير".
ويمكن للإدارة الفعالة أن تقلل من عباء الأمراض غير المعدية في منطقة المحيط الهادئ، وأن تساهم في التنويع الاقتصادي في شمال ووسط آسيا، وأن توفر فرص العمل اللائقة في جنوب وجنوب غرب آسيا، وأن تقلل من الانقطاعات الإنمائية في جنوب شرق آسيا، وأن تسرع الابتكار البيئي في الشرق وشمال شرق آسيا.
تستهدف كيفية الاستثمار والابتكار لصالح المجتمع إلى أن يشمل الجميع وهذا يعتمد إلى حد كبير على نوعية الإدارة، وعلى مدى ثقة الناس في مؤسساتهم. وللإدارة أهمية حاسمة بالنسبة التعبئة الفعالة للموارد وكفاءة الإنفاق العام والإصلاحات الهيكلية. وعندما تكون المؤسسات ضعيفة، يزيد عدم المساواة كالمعتاد وتقل وتيرة الحد من الفقر. ونوعية الأدارة كذلك مهمة أيضا بالنسبة للنتائج البيئية، كما يتجلى، على سبيل المثال، في القدرة على وضع وتطبيق القواعد والضمانات البيئية.
وفي الوقت الذي لا تزال دول آسيا والمحيط الهادئ تتعرض للتغيلاات الهيكلية الكبيرة، فإن المنطقة على أعتاب توفير القيادة العالمية نحو التنمية أكثر شمولا وتحولا. وستلعب الإدارة الفعالة دوراً متزايد الأهمية في ضمان تواصل تنمية المنطقة على المدى الطويل في المستقبل.
الدكتورة شمشاد أختر، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ.