في مؤتمر صحفي مطول ألقاه مباشرة من قصر الإليزيه، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الإجراءات التي اتخذها بعد دراسة نتائج الحوار الوطني الكبير للخروج من أزمة "السترات الصفراء" التي تشهدها فرنسا منذ نحو ستة أشهر. ووعد ماكرون بتخفيض كبير لضريبة الدخل سيتم تمويله من خلال سد الثغرات وتقليص الإنفاق الحكومي "لكن على الفرنسيين أيضا أن يعملوا أكثر". وتمسك ماكرون بموقفه فيما يتعلق بأغلب الإصلاحات التي نفذتها حكومته خلال العامين الماضيين.
كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس في مؤتمر صحفي عقده بقصر الإليزيه عن الإجراءات التي اتخذها لحل أزمة "السترات الصفراء" التي تعرفها فرنسا منذ ما يقرب من ستة أشهر.
حاول ماكرون تقديم فهمه لأسباب الأزمة والمتمثلة في عدد من المشاعر السلبية التي اجتاحت المجتمع الفرنسي مثل: الشعور بالظلم الاجتماعي وعدم المساواة، شعور المواطنين بالتهميش وتجاهل الإدارات والمصالح الحكومية لآمالهم وتطلعاتهم ومشاكلهم، والشعور بعدم الثقة بين النخبة.
الدستور والإصلاح الإداري
دافع ماكرون عن القرارات الاقتصادية التي اتخذها منذ وصوله للسلطة قبل عامين، وأكد مدى جدواها في معالجة أزمات المجتمع الفرنسي على المدى الطويل. ورغم ذلك اعترف ماكرون بالحاجة الملحة للإصلاح على عدد كبير من المستويات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية وفي السياسة الداخلية ومركزية القرارات. وقال إن من أهم ما اتخذه من قرارات في هذا االمجال ما يلي:
- إصلاح دستوري ستتم مناقشته في الربع الأول من العام 2020.
- دعم اتخاذ القرارات لا مركزيا وإعطاء المزيد من الصلاحيات للمجالس الإقليمية.
- إلغاء المزيد من المناصب الحكومية في الإدارة المركزية.
- التفكير جديا في إلغاء المدرسة العليا للإدارة وتمكين المزيد من شرائح المجتمع من الوصول للمناصب السامية.
- رفض فكرة إدراج التصويت ببطاقات فارغة في الحسبان عند إعلان النتائج ولكن إنشاء آلية أكثر مرونة لتسهيل إقامة استفتاءات بناء على مبادرات شعبية.
- تحديد عدد الفترات للنواب البرلمانيين وكذا إطلاق مفاوضات لتخفيض عدد النواب بنسبة 20 بالمئة على الأقل.
- دراسة إلغاء 120 ألف وظيفة حكومية إذا كان ممكنا.
- إنشاء مكتب حكومي في كل إقليم فرنسي لاستقبال الشكاوى والعمل على إيجاد الحلول محليا يسمى "فرانس سيرفيس" (خدمات فرنسا)
الضرائب والعمل
وفي الشق الاقتصادي، قال ماكرون إنه يتعين على الفرنسيين أن يعملوا أكثر احتذاء بسكان دول الجوار لأن العمل هو ما يؤدي إلى تراكم الثروات، وإنه قد اتخذ القرارات التالية لتشجيعهم على تنفيذ هذه السياسة وزيادة كفاءة العاملين:
- تخفيض ملموس للضرائب على الدخل بالنسبة للعاملين (ما يقرب من 5 مليارات يورو) ويتم تمويلها من خلال سد الثغرات الضريبية الناتجة عن الإعفاءات وزيادة ساعات العمل وتخفيض النفقات الحكومية.
- رفض مد السن القانونية للتقاعد (62 عاما حاليا) إلى 64 عاما والعمل على حل مشكلة البطالة.
- إجراءات لتحفيز العاطلين على القبول بالوظائف وتوفير التدريب المهني المناسب لهم.
- دعم آلية التفاوض بين الشركات والموظفين للوصول إلى العدد الأمثل لساعات العمل.
- رفض فكرة إلغاء عدد من أيام العطلات الرسمية.
التعليم والصحة
كما استجاب ماكرون لقلق الكثير من السكان الفرنسيين وخاصة في الأقاليم الذين بدأوا يعانون من نقص الخدمات الحكومية الأساسية الناتجة عن إغلاق المدارس والمستشفيات في قراهم ومدنهم نتيجة العجز في الميزانية، لذا فإنه قرر الآتي
- وقف إغلاق المستشفيات والمدارس في الأقاليم بدون الحصول على موافقة المسؤولين المحليين (العمدة أو من في منصبه) حتى العام 2022.
- التعهد بأن يكون العدد الأقصى للتلاميذ في الفصل في مرحلة رياض الأطفال والسنوات الأولى للمرحلة الابتدائية 24 تلميذا.
التقاعد
ولم ينس ماكرون عاملا من أهم العوامل التي فجرت أزمة السترات الصفراء ألا وهو الضرائب المفروضة على معاشات المتقاعدين. وكان قد أعلن في السابق إعفاء المعاشات الأقل من 2000 يورو من الضرائب المفروضة على الشرائح الأكبر لكنه اليوم ذهب بعيدا وقرر
- ربط المعاشات الأقل من 2000 يورو بنسبة التضخم الاقتصادي.
- إصلاح صناديق ونظم المعاشات لضمان حصول الفرنسيين على 1000 يورو كحد أدنى لمعاش التقاعد.
المناخ
البيئة وأزمة التغير المناخي التي يمر بها العالم كانت في محور القرارات التي اتخذها ماكرون، وقرر إشراك المزيد من الشرائح المجتمعية في سياسة التحول البيئي عبر
- وضع عقد "ميثاق مواطني" بداية من يونيو/حزيران المقبل بعضوية 150 مواطنا يختارون بالقرعة مهمتهم العمل على إيجاد حلول ملموسة لمعالجة المشاكل البيئية.
- العمل على إنشاء مجلس الدفاع البيئي الذي يضم رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بالتحول البيئي برئاسة ماكرون نفسه تكون مهمته تنفيذ التحول البيئي واتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تساعد على هذا التحول.
الهجرة
بالطبع لا تزال مسألة الهجرة وقبول المهاجرين ودمجهم في المجتمع على رأس أولويات الرئيس الفرنسي خاصة وأنها الموضوع الذي يلعب اليمين المتطرف على أوتاره لاجتذاب أصوات الناخبين في جميع الانتخابات، ويرتئي ماكرون وضع حلول جذرية لهذه المشكلة ليس على المستوي الوطني فقط وإنما على المستوى الأوروبي أيضا عبر
- إعادة النظر في سياسة الهجرة على المستوى الأوروبي وتشجيع التعاون مع إفريقيا للحد من الهجرة إلى أوروبا.
- العمل على وضع حدود أوروبية واضحة وموحدة وأيضا سياسة هجرة متفق عليها وتعزيز فضاء شينغن مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
العلمانية
تحدث ماكرون أيضا عن العلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية التي تشكل الأساس لدولة القانون في بلد متعدد الأعراق والثقافات والأديان كما فرنسا، وأكد أهمية القوانين العلمانية في حماية المجتمع ولحمته والابتعاد به عن التمزق الطائفي وشدد بالتالي على النقاط التالية
- قانون العام 1905 الخاص بفصل الدين عن الدولة هو مرتكز مجتمعي وإجراء مشاورات مع ممثلي الديانات لإدخال إصلاحات عليه وزيادة الشفافية في تمويل أماكن العبادة.
- العلمانية هي الإيمان بالتعايش المشترك سواء اتفقنا في الرأي والمعتقد أم اختلفنا.
-لا تهاون مع مشروع الإسلام السياسي الذي يسعى للانفصال عن قيم الجمهورية.
ونهاية قال الرئيس الفرنسي بأنه يبغي من وراء هذا المؤتمر الصحفي إعطاء الفرنسيين الانطباع بأنه لم يفهم فقط المشكلات التي يعانون منها بل وأيضا يشعر بها كما يشعرون تماما وأنه يود إعطاءهم إجابات شافية على أسئلتهم. وقال أيضا إن هذا المؤتمر فرصة ليشعر الفرنسيون بأنهم يشاركون في اتخاذ القرارات وإنه نادم على الانطباع الذي أخذه الفرنسيون عنه في بداية حكمه بأنه "قاس وظالم أحيانا".