طالبت أسبوعية دير شبيغل الألمانية سلطات بلادها بإجراء تحقيقات بشأن احتمال تورط مسؤولين ألمان سابقين بفضيحة فساد منظورة حاليا أمام القضاء الفرنسي، وتتعلق برشى قدمتها شركة أسلحة فرنسية لرجل أعمال إماراتي، ويشتبه في وصول جزء منها لمسؤولين إماراتيين بارزين لتسهيل إتمامهم صفقة دبابات فرنسية لبلدهم.
وذكرت المجلة في تحقيق استقصائي نشرته بعددها الصادر اليوم الأحد، أن هذه الفضيحة المتوقع امتدادها لتشمل مسؤولين حكوميين في الإمارات وألمانيا، تكشفت نتيجة مقاضاة رجل الأعمال الإماراتي عباس إبراهيم يوسف اليوسف لشركة جيات الحكومية الفرنسية للأسلحة، بسبب امتناعها عن سداد مبلغ 40 مليون يورو عمولة متبقية له من صفقة توسط فيها لبيع 436 دبابة لوكلير من إنتاج الشركة لبلاده.
وحسب دير شبيغل، فقد تمت صفقة الدبابات الفرنسية في التسعينيات، لكن الإمارات أرسلت دبابات لوكلير بأول مهمة في أغسطس/آب 2015 في الحرب التي تخوضها في اليمن.
وأشارت المجلة إلى أن 195 مليون دولار من قيمة صفقة لوكلير البالغة 3.6 مليارات يورو ذهبت عمولات لرجال الأعمال الإماراتي اليوسف بأرصدة سرية له بمصارف في جزر العذراء البريطانية وجبل طارق وإمارة ليشنشتاين.
خيط ألماني
وعرفت المجلة الألمانية اليوسف بأنه واحد من أثرى الأشخاص في بلاده، وينتمي لنفس قرية مؤسس الإمارات زايد آل نهيان، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع حاكم أبو ظبي والرئيس الفعلي الحالي للإمارات محمد بن زايد.
وأشارت إلى أن معلومات موثقة حصلت عليها مع موقع ميديا بارت الفرنسي وصحيفة لاريبوبليكا الإيطالية من موقع ويكيليكس، تدلل على عدم احتفاظ اليوسف بالعمولات التي حصل عليها لنفسه، وتمريره جزءا منها لمسؤولين حكوميين بأبو ظبي ليسهلوا هذه الصفقة.
وطالبت المجلة السلطات الألمانية بإجراء تحقيقات بشأن شفافية تصدير محركات وجنازير من شركتين ألمانيتين لتدخل كمكونات طلبها الإماراتيون في الدبابة الفرنسية، وبررت دعوتها باعتراف اليوسف بضغطه على جهات ألمانية عليا لم يسمها للموافقة على تصدير هذه المحركات والجنازير.
وتحمل الدبابة الفرنسية اسم لوكلير تخليدا لفيليب لوكلير أحد قادة القوات الفرنسية بحرب تحرير فرنسا من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وتتميز لوكلير بخفتها ومرونتها مقارنة بدبابات ليوبارد الألمانية وأبرامز الأميركية، وبتسليحها بمدفع عيار 120 مم يستخدم نظام التلقيم التلقائي للقذائف، وهو ما يجعلها تعمل بثلاثة أفراد بدلا من أربعة.
وقالت دير شبيغل إن رجل الأعمال الإماراتي اليوسف يعمل سمسارا لشركات الأسلحة الفرنسية منذ عام 1989، واشتبه في ضلوعه من خلال شركته أفينو في عمليات فساد أخرى منها فضيحة رشى بقيمة 19 مليون يورو، ظهرت العام الماضي مع شركة إيرباص الألمانية الفرنسية.
صفقة وفضيحة
ووفق المجلة الألمانية فقد امتدت خيوط فضيحة صفقة دبابات لوكلير الفرنسية إلى ألمانيا، لأن الإماراتيين أصروا بشدة على تزويد هذه الدبابات بمحركات وجنازير مماثلة للموجودة بدبابات ليوبارد الألمانية التي تصنع في شركتين ألمانيتين.
وأوضحت أن الطلب الإماراتي عقّد الصفقة، لأن تصدير هذه المحركات والجنازير يخضع لسلطة مجلس الأمن القومي الألماني المعني بالرقابة على صادرات الأسلحة.
واستغربت المجلة موافقة المجلس على تصدير هذه المعدات إلى مشتري الدبابات الفرنسية الذي هو الإمارات، رغم وقوع هذا البلد بمنطقة أزمات بالشرق الأوسط تمنع القوانين الألمانية تصدير أسلحة إليها.
وتساءلت دير شبيغل في تحقيقها الاستقصائي إن كان اليوسف قد حصل على العمولات من شركة الأسلحة الفرنسية لنفسه أم أعطى جزءا منها كرشى لمسؤولين إماراتيين، وأشارت إلى أن رجل الأعمال الإماراتي غضب من إيقاف جيات عام 2000 تسديد مبلغ 40 مليون يورو، واشتكاها لهذا السبب للقضاء الفرنسي.
وذكرت المجلة أن مسؤولي الشركة الفرنسية اعترفوا بمنح هذه العمولات لليوسف لتقديمها رشى لمسؤولين في بلاده ليسهلوا إتمام صفقة دبابات لوكلير.
الشركاء الألمان
ولا تجرم فرنسا -مثل ألمانيا- رشوة المسؤولين الأجانب، لكن باريس عدّلت عام 2000 قوانينها في إطار تشديد مكافحة الفساد، وأصبحت تهدد المتهمين بهذه الجرائم بالملاحقة القانونية والسجن.
ووفق مجلة دير شبيغل فقد نفى اليوسف استخدامه العمولات التي حصل عليها في رشوة مسؤولين إماراتيين، لكنه عجز عن تقديم أي مستند لأوجه صرفه لمبالغ هذه العمولات، وادعى اتلافه هذه المستندات للحفاظ على سرية معاملات شركة جيات، ولم يجب على سؤال المحكمة الفرنسية عن اسم المسؤولين الفرنسيين الذين تحدث معهم.
وأوضحت دير شبيغل أن اعتراف رجل الأعمال الإماراتي بممارسته ضغوطا على جهات عليا بألمانيا وفرنسا للحصول على موافقتها لتصدير محركات وجنازير للدبابات لوكير، يوجب الحصول منه على اعتراف بأسماء الجهات التي تواصل معها في ألمانيا.