اليهود بين الوطن التاريخي والتاريخ الوطني

منوعات 17:00 07.10.2018

نشر موقع RT قبل ساعات فحوى رسالة بعثتها ناديا كوهين، أرملة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، للرئيس السوري بشار الأسد، تناشده إعادة رفات زوجها ليدفن في “أرضه” إذ أعدم بدمشق عام 1965.

عندما يكون وطن اليهودي اختياريا

إيلي كوهين.. المواطن الإسرائيلي إلياهو بن شاؤول كوهين، لاعب الدور الرئيس في المهمة الشهيرة التي تم تجنيده فيها للتجسس على سوريا، بصفته مهاجراً سورياً يُدعى كامل أمين ثابت العائد من الأرجنتين إلى وطنه الأم، الذي يُقال إنه كاد يتولى سُدة الحكم فيه، ليُفتضح أمره ويتم اعتقاله، بناء على إخبارية من السفارة الهندية عن تشويش في الاتصالات، تبيّن أنه بسبب الاتصالات التي كان يجريها الجاسوس ليفيد بتقاريره الاستخباراتية إلى تل أبيب.. وليعترف لاحقاً: “أنا إيلي شاؤول كوهين من تل أبيب، جندي في الجيش الاسرائيلي”.
أكثر ما يلفت الانتباه في رسالة السيدة ناديا هو كلمة “أرضه”، إذ أنها تؤمن فعلاً أن إسرائيل أرض زوجها كما هي أرضها، علماً بأنها من يهود العراق، وبأن إيلي كوهين وُلد في الاسكندرية بمصر لوالدين مهاجرين من حلب السورية.

وهل تكون الكنافة نابلسية بلا فستق حلبي؟

ثمة قوس من الضروري أن يُفتح هنا، وذلك بالإشارة إلى المغني الفرنسي الشهير إنريكو ماسياس، وهو من أصول يهودية جزائرية، الذي لطالما عبّر عن الحنين للجزائر وعن رغبته الجامحة بزيارة مسقط رأسه مدينة قسنطينة (Constantine)، التي  صدح صوته بأغنية تحمل اسمها. بناء على ما تقدم، وبالعودة إلى إيلي كوهين، إذا كان الحنين إلى “أرضه” لا يزال يداعب شغاف قلب إنريكو ماسياس، ألا يعني ذلك، ضمناً، أن إيلي كوهين دُفن في “أرضه” هو أيضاً.. بالنظر إلى أصوله السورية؟

قد تبدو حالة الانتماء للوطن هذه مُربكة في حال المقارنة بين كوهين وماسياس.. بل هي مُربكة فعلاً في حالة ماسياس وحده، الذي يعزف العود ويغني باللغة العربية ويتغنى ببلدان عربية، وفي الوقت ذاته يغني نشيد إسرائيل “هاتيكفاه” بما يجعلك تتفاعل معه حتى وإن كنت غير مُلم بالعبرية ولا تعرف كلمات النشيد.

في الحقيقة يبدو الأمر وكأنه تجسيد لتناقض واضح، على الرغم من أن نظرة اليهودي إلى إسرائيل ليست نظرة أي مواطن عادي لدولة عادية، إذ أنها، أولاً وأخيراً، تمثل دار الأمان بالنسبة لليهود، في حال جار عليهم الزمن.. كما هي العادة من حين لآخر.

كثيراً ما يُشار إلى تناقض الإسرائيليين بالإشارة إلى أن غالبية الشعب الإسرائيلي لا يؤمن باليهودية على الرغم من أن إسرائيل تأسست استناداً إلى الرواية الصهيونية القائمة على فكرة “أرض الميعاد”. ليس هناك تناقض هنا أيضاً انطلاقاً من الدافع نفسه، وهو أن اليهودي يظل يهودياً في نظر العالم، حتى وإن ألحد وصح إلحاده، ما يعني أن هذا الأخير يستشعر الحاجة الدائمة في “دار الأمان” الذي قد يضطر للاحتماء به، ومجدداً، في حال جار الزمن عليه.. كما هي العادة من حين لآخر.

وفي هذا الصدد يُروى أن صحفياً أمريكياً أجرى لقاءً مع الجنرال الإسرائيلي رفائيل إيتان، وأنه بعد انتهاء اللقاء سأله الجنرال عن معتقده الديني فأجاب الصحفي بأنه ملحد، ليرد رفائيل إيتان: “حسناً حسناً.. لكن هل أنت ملحد مسيحي أم ملحد يهودي؟”.

عند الحديث عن انتماء اليهودي إلى “وطن”، يصعب تحديد المعنى المقصود من هذا المفهوم، الذي يبدو واضحاً وغير قابل للنقاش عند الحديث عن أي شعب آخر.

تشير الوثائق التاريخية المتعلقة بالحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) إلى أن اليهود السوفييت الحاصلين احتلوا المركز الرابع من حيث العدد، العدد لا النسبة، ضمن مواطني البلاد الحاصلين على أوسمة التكريم وميداليات البطولة في القتال، وذلك بعد الروس والأوكرانيين والبيلوروس الذين تراجعوا عن المركز الثالث ليشغله اليهود في هذه القائمة. ابتداءً من 1 يونيو/حزيران 1943.

إذاً لم يهاجر هؤلاء اليهود إلى فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني في حينه، كالكثير من أبناء جلدتهم الآباء المؤسسين للدولة العبرية، وظلوا في بلادهم واستبسلوا في الدفاع عنها.

هناك الكثير من يهود البلاد العربية، ممن يفضل البعض أن يطلق عليهم مُسمّى “اليهود العرب”، فضّلوا أيضاً البقاء في بلادهم العربية، وصدحت أصواتهم بالإعلان عن انتماءاتهم لبلادهم هذه، وربما أشهر هؤلاء الأديب المغربي الراحل إدموند عمران المالح، الذي كان يرفض بشكل قاطع ترجمة أعماله إلى اللغة العبرية، تعبيراً عن رفضه للصهيونية وعن عدم اعترافه الشخصي بدولة إسرائيل. كما يُذكر من بين هذه الأسماء المحامي المصري الراحل شحاتة هارون، الذي كان يعرب عن تعاطفه التام مع الفلسطينيين وكان يقول: “أنا مصري حين يُضطهد المصريون، ويهودي حين يُضطهد اليهود، وفلسطيني حين يُضطهد الفلسطينيون، وأسود حين يُضطهد السود”.

لكن مشكلة تحديد الهوية واجهت، وربما لا تزال تواجه، الكثير من اليهود، ومن هؤلاء الممثل ،المخرج الفلسطيني الراحل جوليانو مير خميس، الذي كان يعرّف نفسه بقوله “أنا فلسطيني مائة في المائة، يهودي مائة في المائة”، وذلك في مقابل الموسيقار، المايسترو الإسرائيلي دانييل أورون، الذي وُلد لأب عربي (من يافا) وأم يهودية، كخميس، إلا أنه يعرّف نفسه بأنه يهودي فقط.

لو لم تكن هناك دولة إسرائيل لربما كان من الطبيعي أن يرى اليهودي، المواطن الروسي مثلاً أنه يهودي روسي وينتهي الأمر. لكن حالة الارتباط العضوي بين اليهود وإسرائيل التي تفرض نفسها، شئنا أم أبينا، تجعل مسألة تحديد الهوية أمراً شائكاً، ما يعيد إلى الأذهان مقولة انتشرت بين اليهود السوفييت المهاجرين إلى إسرائيل، أو العائدين إلى أرض الميعاد، مطلع تسعينات القرن الماضي وهي: “كنّا يهوداً في روسيا لكننا أصبحنا روس في إسرائيل”.. وذلك في مقابل مقولة ثانية وردت على لسان الإعلامي كيريل نابوُتوف: “سُتقام مباراة بين روسيا وإسرائيل.. أنا أشجع بلدي”.

فهل هؤلاء يهود من أصول روسية أم هم روس من أصول يهودية؟

يمكن إسقاط  السؤال ذاته على كل اليهود، سواء المقيمين في البلدان التي وُلدوا فيها أم في إسرائيل، بمن في ذلك “اليهود العرب”، لا سيما من اليمن والمغرب والعراق، الذين لا يزالون يعبّرون عن مشاعر الانتماء والشوق إلى بلدانهم، التي قد يصعب على أحدهم وصفها بأنها الأصلية، وإن كان هذا الانتماء وجدانياً وعلى المستوى العاطفي، وذلك بأغانٍ فلكلورية تسمع فيها نبرة حنين طاغية إلى الجذور.. أم تُرى هي “الجذور”؟

إذاً.. هل إسرائيل وطن فعلاً أم هي “دار أمان” فقط لبعض من اليمنيين والعراقيين والمغاربة وغيرهم؟.. مع تقبل المجتمع الإسرائيلي لأن يصف هؤلاء أنفسهم من منطلق الانتماء للبلاد التي جاؤوا هم أو أجدادهم منها.

في هذا السياق.. يبدو غريباً أن تصدر تصريحات عن مسؤول إسرائيلي كبير، كرئيس الكنيست الإسرائيلية الأسبق أبرهام بورغ، يصف نفسه فيها بأنه “يهودي فلسطيني”، إذ ولد في مدينة حبرون، (المدينة الفلسطينية المحتلة حالياً والمعروفة عربياً باسم الخليل)، مسقط رأس والدته. من الملفت أن مصطلح “يهودي فلسطيني” غير منتشر في داخل إسرائيل، ويُشار غالباً إلى يهود البلاد هؤلاء بالسفارديين، وذلك لخصوصية حالة العداء بين إسرائيل وفلسطين المحتلة.. علماً بوجود يهود فلسطينيين في حركة النضال العربي ضد إسرائيل، يُذكر منهم الراحل إيلان هاليفي الذي كان يشغل موقع ممثل منظمة التحرير في أوروبا، كما  شغل مقعد ممثلها في الدولية الاشتراكية ، بالإضافة إل أنه تبوأ منصب مستشار في وزارة الخارجية الفلسطينية عقب تأسيس السلطة.

الحديث عن الوطن ذو شجون بالنسبة لكثيرين. أما بالنسبة لكاتب هذه لسطور، فالحديث عن الوطن لا يعني أكثر من محاولة لفهم شيء هلامي مُبهم يُقال لنا إنه مُقدس، تُنتهك باسمه المقدسات الحقيقية، حتى أنه لم تعد تتبادر إلى الذهن بسببه أي انطباعات سوى أنه شركة، تُستغل لتحقيق أهداف بعض على حساب بعض آخر. الوطن، كما أراه، هو امرأة باهظة الثمن، يتمناها الجميع وينالها قلة، فيما يجلس المواطن الدرويش ليشاهدها ويحلم بها ويتحسر على نفسه.. فيما هي تضاجع غيره.

واحدة من أشهر أغاني الفنان اليهودي الجزائري، أو الجزائري اليهودي، سليم هلالي (بفتح الهاء) هي Moi, je suis d'un pays، التي يقول فيها.. Mon pays c’est l’amour، أي.. “وطني هو الحب”.

أليس هذا هو الحل الأنسب لليهود.. ولغير اليهود أيضاً؟

ولكن.. وبالعودة إلى الأرض لمواجهة الواقع الذي يفرض نفسه،  وبالنظر إلى رسالة السيدة ناديا كوهين، ثمة سؤال يطرح نفسه.. إذا فشل الجاسوس إيلي كوهين بتبوّؤ منصب الرئاسة في سوريا، تُرى كم جاسوسا إسرائيليا نجح في هذه المهمة.. وترأس هذا البلد أو ذاك.

علاء عمر

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار