تساءلت صحيفة لاكروا الفرنسية عن حقيقة من يدعون باللادينيين؟ وذلك لإلقاء الضوء على جماعة رأت كاتبة مقال الصحيفة ملينيه لوبريول أن علماء الاجتماع أهملوها في دراستهم، مع أنها فرضت وجودها بقوة في غرب أوروبا بعد نصف قرن من ظهورها، حتى أنها صارت تمثل أكثرية في فرنسا.
وقالت الصحيفة إن التقديرات تشير إلى أن هذه المجموعة تمثل الآن ما بين 50 و60% من الشعب الفرنسي، ولذلك لا ترى أنه من الجائز أن تختزل هذه المجموعة التي يتزايد أفرادها بشكل مطرد -منذ عدول الفرنسيين عن الديانة الكاثوليكية في منتصف الستينيات- في أشخاص غير مؤمنين ولا يولون أي اهتمام لما له علاقة بالدين أو بالعقيدة.
ومنذ البداية يصرح فيكتور غريز المؤسس المشارك لحركة الشباب "التعايش" (Coexister) ومؤلف كتاب حول قناعاته الشخصية، بأنه "من الخطأ الاعتقاد بأن الملحدين لا يؤمنون بشيء، لأنهم يؤمنون بأن الإله غير موجود". وحسب وجهة نظره فإن "كون المرء ملحدا لا يمنعه ذلك من أن يعيش حياة روحانية قوية".
وعندما كان في سن السابعة والعشرين، رد فيكتور على بعض المسلّمات والأفكار التي يراها خاطئة عن الملحدين، ومن ضمنها كون الملحدين يعيشون في ضياع وليست لهم قيم يدافعون عنها.
ويقول عالم الاجتماع وأستاذ العلوم السياسية الفخري في مدينة غرينوبل بيير بريشون، إن مجموعة اللادينيين التي أصبحت تشكل أغلبية في فرنسا تتكون من ثلاث مجموعات فرعية لكل منها مميزاتها الدقيقة، إذ هناك الملحدون المقتنعون اقتناعا كليا بالإلحاد، وهناك الملحدون البراغماتيون أو الحياديون في الشأن الديني، وهناك المهمشون فيما يخص المعتقد، وهم –حسب الصحيفة- الأشخاص الذين لهم عقائد غير مستقرة وغير ثابتة ولا تنسجم مع أي ديانة معروفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدراسات الاجتماعية كشفت عن أنه بالتوازي مع الانخفاض القوي في الانتماء الديني، هناك زيادة بينة في أنواع المعتقدات خاصة لدى الشباب.
وأوضحت أن نسبة 20% بين الفئة العمرية 18 و29 عاما يعتقدون في تناسخ الأرواح (عودة الروح بعد الموت مرارا إلى أجساد جديدة)، ونسبة 17% يعتقدون في الحياة بعد الموت، و20% يعتقدون في الجنة ونسبة 21% يعتقدون في النار، وذلك علاوة على رواج الكتب التي تهتم بالروحانيات أكثر من أي وقت مضى.
قضية أجيال
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس 8 كلود دارجينت إنه لاحظ أن الأفراد يبتعدون عن الدين بوصفه مؤسسة لا بوصفه مجرد دين، لذا يوجد كثير منهم يشعرون بإحراج كبير عند الانتماء لدين معين، لأن ذلك يمنعهم من الاختيار، وبما أن المجتمع الغربي فردي بامتياز فإنه يولي اهتماما كبيرا لحرية الاختيار ويرفض الانتماءات الموروثة.
ويرى بريشون أن زيادة عدد أفراد مجموعة اللادينيين في فرنسا أمر لا رجعة فيه، لأن القضية تتعلق بتطور الأجيال، ويتميز أفراد هذه المجموعة بكونهم شبابا ذكورا في الغالب حاصلين على شهادات عالية وينتمون سياسيا لحركات اليسار.
وتختم الكاتبة مقالها بعرض موقفين متباينين لأفراد هذه المجموعة، الموقف الذي يمثله الشاب روبين (29 عاما) الذي يقول إنه يشعر بنوع من الوحدة والإقصاء لكونه لا ينتمي لمجموعة دينية لها أتباعها.
أما الموقف الثاني فيراه ألكساندر لاكروا مدير تحرير مجلة لاكروا، وهو أن عدم الانتماء الديني يوفر الراحة والاطمئنان النفسي، حيث يقول إن "هناك عددا من الأشياء التي يجب تبريرها عندما يكون المرء متدينا، مثل وجود الله وعصمة البابا. أما الشخص اللاديني ذو الفكر الحر فيهتم بأشياء ذات بُعد إنساني".