بعد عملية تحرير الرهينتين الفرنسيتين في بوركينا فاسو، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن فرنسا "لم تنس" صوفي بيترونين آخر الرهائن الفرنسيين والتي اختطفت في مالي في ديسمبر/كانون الأول 2016. عن الأسباب التي حالت دون تحريرها وتساؤلات حول مصيرها يجيب وسيم نصر، صحافي فرانس24 مختص في الحركات الجهادية.
"فرنسا لم تنس صوفي بيترونين"، المُختطفة منذ كانون الأول/ديسمبر عام 2016، هذا ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 14 مايو/أيار خلال مراسم التأبين الوطنية للعسكريين من القوات الخاصة اللذين قتلا خلال عملية تحرير رهينتين فرنسيتين شمال بوركينا فاسو. وقال ماكرون إن "فرنسا أمة لا تتخلى أبدا عن أبنائها مهما كانت الظروف وإن كانوا في أقاصي الأرض".
وإن كانت هذه الكلمات قد تعطي بعض الأمل لابن الرهينة الفرنسية بيترونين، الذي يسعى لتحريرها منذ فترة، إلا أن وضعها يختلف كثيرا عن وضع الرهينتين اللتين حررتا بالقوة مؤخرا.
فالمرأة السبعينية التي اختطفت في مدينة غاو شمال مالي في 24 كانون الأول/ديسمبر 2016، هي اليوم مُحتجزة من قبل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي". الجماعة تحتجز كذلك أربع رهائن غربيين آخريين هم أسترالي وروماني وكولومبية وسويسرية. كما أن الجماعة المتطرفة التي لم تعد تتحدث "علانية" عن الرهائن منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، يرجح أنها تحتجز رهينتين غربيتين أخريين لم يعلن عنهما رسميا.
وحسب قائد القوات المسلحة الفرنسية، الجنرال فرانسوا لكوانتر، فإن "الرهينتين اللتين تم اختطافهما شمال بنين كانتا في طريقهما نحو مالي ليتم استلامهما من قبل كتيبة ماسينا" وهي المكوّن الفلاني داخل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" وبقيادة إياد أغ غالي وهو من الطوارق.
أما لبينيديكت شيرون المؤرخة المختصة بقضايا الدفاع فإن "سابقة بيترونين تفسر التحرك السريع للقوات الخاصة الفرنسية التي دفعت ثمن ذلك بفقدان عسكريين خلال العملية. لأنه في حال دخول الرهينتين الفرنسيتين في سياق مدة احتجاز طويلة فلكان ذلك معقدا للأمور لهما كما للسلطات الفرنسية في خضم الحرب الدائرة على مستوى الساحل ككل".
هل غيرت فرنسا سياستها اتجاه قضية الرهائن؟
بغض النظر عن كل ما سبق، من الواضح أن هنالك تغير في السياسة الفرنسية تجاه التعاطي مع الرهائن. ففيما كانت الدولة الفرنسية تفاوض وتدفع فدية أحيانا، كما كان عليه حال رهائن أرليت في النيجر عام 2013 مثلا، وإن كان بطريقة غير مباشرة، فهي باتت اليوم ترفض ذلك، أقله حتى الساعة. وذلك خصوصا بسبب الضغوطات الأمريكية والبريطانية في هذا الاتجاه، فسلطات البلدين ترفضان ذلك قطعا معتبرتين أن ذلك "يغذي التنظيمات الإرهابية ويرفع من قيمة الرهائن المادية ما يزيد من خطر اختطاف المواطنين الأجانب المتواجدين في مناطق مضطربة".
إلا أن وضع بيترونين الصحي في تدهور مستمر وهذا ما ظهر جليا في آخر إصدار فيديو في شهر يونيو/حزيران 2018، حيث اتهمت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" فرنسا "بعرقلة الوصول إلى حل يضع مخرجا للقضية".
من ناحيته توجه ابن الرهينة الفرنسية، سيباستيان، عدة مرات للسلطات الفرنسية متهما إياها "بالتخلي عن والدته ورفضها مفاوضة الخاطفين" مناشدا الرئيس الفرنسي بالتحرك.
فيما أكدت مصادر من داخل تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" أن التنظيم "لم يكن لديه مانع في أن يسمح لابن الرهينة بزيارتها كونها تعاني من مرض عضال، كما أنه سعى لذلك لكنه وفي اللحظات الأخيرة وبعد قدوم الابن لمالي تم إجهاض المحاولة". وحسب التنظيم فإن ذلك يعود إلى أن "الابن كان مراقبا من قبل الجيش الفرنسي الذي كان يريد تحرير الرهينة بالقوة". وإن صح ذلك، نرى أنه حتى في حالة بيترونين لم يتخل الجيش الفرنسي عن محاولة تحريرها بالقوة.
لكنه في نفس الوقت لا يجب التغاضي عن أن العمليات العسكرية لتحرير الرهائن فيها مجازفات كبيرة، بالنسبة للعسكريين وهذا طبيعي، لكن أيضا بالنسبة للرهائن أنفسهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي ما يخص فرنسا، نذكر عملية تحرير الرهائن على متن قارب قبالة شواطئ الصومال حيث قتل أحد الرهائن خلال تبادل إطلاق النار مع القراصنة عام 2009، أو محاولة تحرير عنصر من المخابرات الفرنسية من يد حركة الشباب في الصومال والتي أدت لمقتل الرهينة وأحد العسكريين الفرنسيين عام 2013، أو في نفس العام محاولة تحرير ميشال جيرمانو والتي أدت لقتله من قبل خاطفيه في مالي.