من الصعب التصوّر أن العراق سيعود من جديد بلدا آمنا ومناسبا لتربية الأطفال وتنشئتهم.
فتاريخ هذا البلد الحديث ليس إلا سلسلة من الحروب والاحتلالات والتسلط والعنف الطائفي، تركت كلها آثارا نفسية عميقة لدى العراقيين.
أما منشآته العامة والخدمية، فقد تدهورت ووصلت إلى حد الإنهيار نتيجة الإهمال والفقر المدقع وانعدام الخبرة والكفاءة.
ويقف الاقتصاد العراقي هو الآخر على حافة الانهيار، ويعاني كثير من العراقيين من الجوع.
ونتيجة لكل ذلك، فقدت الطبقة السياسية الحاكمة كل احترام.
اغرورقت عيناه لمشهد الأطفال الخمسة
وتعد ظاهرة الأطفال المتروكين والمهملين ظاهرة متنامية في عراق اليوم، فكثير من الأسر لا تقدر على إطعام أطفالها وهي مشكلة زادها تفاقما مقتل أو اصابة معيلي هذه الأسر نتيجة أعمال العنف التي استشرت في البلاد في العقدين الأخيرين.
هاتان القضيتان ليستا الوحيدتين اللتين تعامل معهما الرائد عزيز عند مصاحبتنا له. فقد أمره آمره بالتحقيق مع قاتل حكم عليه القضاء العراقي بالإعدام.
كان هذا قد قتل ابنة عمه أثناء عرس كانا يحضرانه في ألمانيا، وفر إلى العراق قبل أن تتمكن الشرطة الألمانية من إلقاء القبض عليه.
يقول القاتل إن ابنة عمه طعنت شرفه عندما رفضت الإقتران به، وتهدد أسرته الآن بالانتقام حسب العرف العشائري إذا نفّذ فيه الحكم. وتعطّلت المفاوضات بين أسرتي القاتل والقتيلة.
جهود لا تعرف الكلل
وتيرة عمل الرائد عزيز لا تعرف الكلل. فحادث سير بسيط وسط بغداد تسبب في ازدحام كبير أغلق الطرق. ويرفض كلا السائقين الاعتراف بالخطأ الذي سبّب الحادث.
هرع الرائد عزيز إلى مكان الحادث محاولاً فض النزاع بسرعة، وتبرع بدفع تكاليف تصليح السيارتين من جيبه الخاص. تنجح الحيلة، إذ يعتبر قبول المال في هذه الظروف وبهذا الأسلوب أمرا مشينا، ولذا انسحب سائقا السيارتين وحلّت أزمة السير.
تبرع الرائد عزيز بتحمل تكاليف تصليح السيارتين
يقيم الرائد عزيز اسبوعيا لقاءات باب مفتوح يستمر الواحد منها ساعتين ويتاح للمواطنين فيها الحديث معه وطلب مساعدته.
في واحد من هذه اللقاءات دنت منه عجوز ضريرة وطلبت منه مساعدتها. كانت هذه العجوز قد فقدت بصرها بعد مقتل خمسة من أبنائها الستة - أربعة منهم من رجال الشرطة - في أعمال العنف التي شهدها العراق في العقدين الماضيين.
أما ولدها الوحيد الذي ما زال على قيد الحياة، وهو رجل شرطة أيضا، فلا يقوى على إعالة أفراد الأسرة التي تشمل 37 من الأرامل والأيتام. تطلب الأم من الرائد عزيز أن يمنح ابنها اجازة براتب لكي يتمكن من إيجاد مصدر دخل ثان يطعم به ابناء أشقائه الأيتام.
أجابها الرائد عزيز "أتركي الأمر معي".
وبعد اسبوع واحد، قصدها الرائد عزيز ليزف لها الخبر السار - فقد قُبِل طلبها وسيمنح ابنها الإجازة التي يسعى إليها.
إخلاص وتفانٍ
هذا الإخلاص في أداء الواجب والشعبية الواسعة المتأتية عنه جلبت للرائد عزيز الكثير من الأعداء. فبعض من ضباط الشرطة الأقل كفاءة بدأوا يشعرون بالغيرة منه ومن الشهرة التي نالها.
وفي شهر أيلول / سبتمبر الماضي، أقيل من وظيفته. كان وقتا عصيبا، وكاد الرائد عزيز أن يبكي من هول الصدمة.
ولكن لحسن الحظ، تدخل أصدقاؤه والمتعاطفون معه في الموضوع لصالحه، وأعيد للخدمة.