"أرض العسل": نموذج عن الانسجام بين الطبيعة والبشر

منوعات 10:00 12.02.2020
يتناول فيلم "أرض العسل"، الذي كان مدرجاً ضمن قائمة الأفلام الوثائقية المرشحة لجائزة الأوسكار، قصة أقرب إلى الخيال تدور حول حياة آخر امرأة في القارة الأوروبية تقوم بتربية النحل البري.
 
يحمل الشريط الوثائقي الذي تم تصويره على مدار ثلاثة أعوام دعوة قوية وواضحة إلى حماية البيئة والحفاظ عليها.
 
وما يجعل الفيلم أكثر مدعاة للدهشة والإعجاب أنه كان وليد الصدفة. كان المخرجان المقدونيان تامارا كوتيفيسكا وليبو ستيفانوف يبحثان في منطقة نائية في مقدونيا إمكانية إنتاج فيلم وثائقي قصير عن الطبيعة، فشاهدا قفير نحل خلف صخرة حيث كانا يقومان بالتصوير.
 
هناك تعرّفا على خديجة مرادوفا، آخر شخص يربي النحل البري في القارة الأوروبية برمتها، مستخدمة الأساليب التقليدية التي توارثتها أبا عن جد في قطف عسل النحل البري.
 
مغامرة مجنونة
كانت تلك بداية مغامرة مجنونة استمرت على مدار ثلاثة أعوام من التصوير خلال فصول الصيف الحارة والشتاء القارس.
ويوثق الشريط السينمائي مرحلة معينة من حياة خديجة، عندما تصادف أسرة جديدة تستقر في القرية لتنضم إليها ووالدتها العجوز في منطقة لا تتوفر فيها أي من مقومات الحياة، مثل الكهرباء والطرق والاتصالات والمياه.
 
ويقول مخرجا الفيلم إن التجربة التي عاشاها خلال السنوات الثلاثة غيرت حياتهما ونظرتهما إلى الحياة والعلاقات الإنسانية.
 
شعار خديجة في الحياة هو "لكم نصف المحصول ولي النصف"، وتردد هذه المقولة خلال رعاية النحل البري وقطف العسل في المنطقة الجبلية النائية. وهذا الموقف من الطبيعة يواجه الاندثار في عالمنا المعاصر.
 
تعيش خديجة في القرية المهجورة مع أمها الطاعنة في السن، وتعتمدان في معيشتهما على ما تحصل عليه خديجة من بيع العسل في العاصمة سكوبيا.
 
تقطف خديجة نصف العسل فقط، وتترك الباقي للنحل، إذ يعيش النحل على العسل خلال فصل الشتاء والجفاف.
 
وتعتمد على قاعدة بسيطة وواضحة في حياتها: الشراكة مع النحل والطبيعة، وهو سر بقائها على قيد الحياة، حسب وصف ستيفانوف.
 
لكن حياتها الهادئة والمستقرة تنقلب رأسا على عقب بوصول أسرة البدوي سام، التي تضم الأب والأم وسبعة أبناء، إضافة إلى شاحنتهم الصاخبة وقطيعهم الكبير من الأبقار والعجول.
 
ترحب خديجة بالأسرة في بداية الأمر، وتعلمها كيفية قطف العسل البري، لكن الوالد حسين لا يكتفي بنصف العسل البري، بل يريد قطف أكبر قدر ممكن من العسل بهدف زيادة أرباحه. يقطف حسين كل العسل في منحلته، ونتيجة لذلك يغير نحل حسين على نحل خديجة، ما يؤدي إلى فناء أسراب نحل خديجة، فينشب الخلاف بين الجارين الوحيدين في القرية.
 
وتقول المخرجة تامارا كوتفيسكا إنهما لم يسعيا إلى تصوير أسرة سام باعتبارها مصدر الخراب، بل مجرد "صورة عنا جميعا عندما نتخذ قرارات خاطئة" بدافع غريزة البقاء والحياة.
 
وتضيف كوتيفيسكا: "إن امتلاك القدرة على التواصل مع النحل لا يتطلب فقط الشجاعة للاقتراب منها، بل الجلد والصبر لجعله أليفا. والحياة بهذا الشكل تتطلب الحكمة قبل القوة".
 
وتوضح أن تربية خديجة للنحل البري خلق منها إنساناً فريداً ومميزاً. تختلط خديجة بالنحل وتتعامل معه دون أن ترتدي أي ملابس وقائية، ولا تتعرض للسع بتاتاً، إلى درجة تظن أن النحل يثق بها تماماً.
 
النحل هو محور حياة خديجة، وكل ما تتحدث عنه هو النحل، فقد عاشت كل حياتها مع النحل وكل تجارب حياتها تعلمتها من النحل.
 
خبرة متوارثة
عدد قليل من أبناء المنطقة لهم خبرة في تربية النحل البري، ولم تكن تربية النحل مصدر الدخل الأساسي لأبناء القرى.
 
وتوارث أبناء المنطقة تقاليد وخبرات تربية النحل البري.
 
تعلمت خديجة تربية النحل البري من جدها، وهي تتعامل مع أسراب النحل وكأنها أفراد أسرتها، وتهتم بها كما تهتم الأم بأبنائها. ورغم قسوة الظروف التي تعيشها، لكنها لا تشعر بالوحدة أبداً.
 
في أحد مشاهد الفيلم، تسأل خديجة والدتها عن سبب رفضها زواجها رغم تلقيها العديد من عروض الزواج، ترد الأم نظيفة بأنها لم ترفض زواجها، بل أن والدها الراحل هو الذي كان يرفض تزويجها.
 
وتقول المخرجة إن هناك تقليد راسخ وثابت في هذه المجتمعات الريفية الصغيرة، وهو أن أصغر البنات تظل برفقة الوالدين وتخدمهما حتى وفاتهما. وهذا التقليد متبع لدى أتباع مختلف الديانات في هذه المنطقة.
 
ومصير خديجة كان البقاء إلى جانب والديها حتى وفاتهما. وتعبر خديجة عن رغبتها في تكوين عائلة، فتنشأ علاقة بينها وبين أحد أبناء حسين.
 
وتوضح المخرجة أن الحب الذي كان يعتمل في قلب خديجة وتحتفظ به على أمل منحه لأسرتها المستقبلة، صار من نصيب النحل. ولا يقتصر الأمر على النحل، بل تجد خديجة السعادة في رفقة كل الكائنات الحية حولها. وسيظل الأمر كذلك إلى آخر يوم في حياتها.
 
ورغم أن أحداث الفيلم تدور في منطقة نائية من العالم، ويعرض أسلوب حياة لا يعرفه الكثيرون حول العالم المعاصر، لكن بمقدور الجمهور إدراك جوهر الفيلم عبر لغة أجساد الأبطال والعلاقات التي تربطهم والمشاعر التي تعرضها الشاشة.
حاجز اللغة
تتحدث خديجة وأسرة سام اللغة التركية طيلة الفيلم كونها لغتهم الأم. ويوضح المخرج أن المنطقة كانت تضم سابقاً عشر قرى يقطنها مواطنون من أصول تركية، لكن أغلبهم هاجر إلى تركيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
 
ويقدر عدد المواطنين المقدونيين من أصول تركية في الوقت الراهن بنحو 78 ألف نسمة، أي نحو أربعة في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 2.1 مليون شخص.
 
ويشير المخرجان إلى أن عدم معرفتهما باللغة التركية وصعوبة التواصل مع أبطال الفيلم مثل عائقا خلال عملية التصوير. لكنهما قررا في نهاية المطاف ترك الأبطال يتحدثون كما يشاؤون للحفاظ على عفوية الحوار، كما هو الحال خلال حياتهم اليومية.
 
"وعندما حان وقت المونتاج، بقينا في حيرة لمدة أسبوع أو أكثر. كنا نفكر لساعات عما يمكن أن نفعله بهذه المادة المصورة. وفي النهاية، توصلنا إلى أن أفضل حل ممكن هو المونتاج بدون سماع الأصوات. ومنحنا ذلك قوة القصة المصورة التي صنعناها".
 
"كان هذا الدرس الأهم بالنسبة لنا كمنتجين جدد للأفلام، وأصبحنا متمرسين في رؤية القصص من خلال الصورة".
 
وتقول كوتيفيسكا إن الكثير من الصعاب واجهتهم منذ بداية التصوير، لكن الأمر انتهى على ما يرام.
 
"دفعتنا هذه الصعاب للبحث عن حلول خلاقة، ونعتقد أن مثل هذه الحلول كانت شديدة التفرّد".
 
الشبه بين البشر والنحل
تقول خديجة إن أسراب نحلها تتميز بالإصرار الشديد، ويمكنها تحمل ارتفاع درجات الحرارة بشدة وانخفاضها، بعكس الكائنات الأخرى. ويُظهر الفيلم أن هذا الأمر ينطبق على البشر الذين يعيشون في المنطقة كذلك.
 
لكن التشابه بين البشر والنحل لا ينتهي عند هذا الأمر. فما جذب اهتمام المخرجين منذ البداية كان حياة خديجة وعلاقتها بأمها. تقول كوتيفيسكا إنها ذُهلت بمدى التشابه بين خديجة وعاملات النحل، وكيف أن أمها (نظيفة) تشبه ملكة النحل. في الفيلم، لا تغادر نظيفة المنزل أبداً، لكنها ترشد ابنتها بحكمتها في أوقات الأزمة.
 
كما أن الخلاف الذي نشب مع الجيران يشبه حياة النحل.
 
"فعائلة سام التي تظهر لاحقاً في القرية هي أسراب النحل الأخرى التي تغير على أسراب النحل الأصلية (خديجة وأسرتها). استمتعنا كثيرا بعقد هذه المقارنات أثناء التصوير".
 
ومن المعروف أن ذكور وإناث النحل يقومون بأدوار مختلفة تماما، لكن الفيلم يُظهر أن الجميع يقومون بنفس الدور.
 
فحسين وزوجته وأبناؤه يتشاركون في نفس الدور في ما يتعلق برتبية الماشية. وفي أحد المشاهد، يظهر أحد الأبناء الصغار وهو يساعد بقرة في الولادة، في حين يساعد آخر أبيه في حلب بقرة أخرى في الجوار.
 
ويقول ستيفانوف وكوتيفيسكا إنه على غرار رعاية النحل، يتشارك النساء والرجال بشكل متساوٍ في كل المهن في هذه البيئة القاسية.
 
"فالجميع عليهم القيام بنفس المهام لتستمر حياتهم. ويمكن رصد ذلك خلال الفيلم، من خلال الأسرتين، ولا يهم النوع الاجتماعي هنا، فالجميع يتولون بنفس المهام".
 
وتقول كوتيفيسكا إن الكثيرين يظنون أنها - كامرأة - كانت أقرب إلى خديجة، في حين كان ستيفانوف أقرب إلى أولاد الأسرة الأخرى. وفي الحقيقة، كان الوضع معكوسا.
 
"وشخصياتنا كبشر لعبت دوراً شديد الأهمية. ولم تكن مسألة جنس كل منا مطروحة على الإطلاق".
الإضاءة لا تناسب نجوم شمال مقدونيا
سافرت خديجة إلى هوليوود لحضور حفل توزيع جوائز الأوسكار، كما حضرت عددا من مهرجانات الأفلام في نيويورك وسويسرا وسراييفو وتركيا. لكن الانطباع الأول لدى كوتيفيسكا بخصوص لوس أنجليس كان، "لا أرى النجوم بسبب المباني الشاهقة".
 
وبفضل عائدات الفيلم، أشترى كوتيفيسكا وستيفانوف منزلاً لخديجة في قرية أخرى، قرب أسرة أخيها. لكنها ما زالت تقضي موسم النحل في قريتها القديمة.
 
ولا يوجد تباين أشد من التباين الموجود بين الطبيعة البكر حيث منزل خديجة، وأضواء المهرجانات.
 
وبعد هوليوود، ستعود خديجة إلى قريتها في الربيع لتشاهد النجوم من كوخها الحجري الصغير.
 

 

علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

الملك سلمان يدخل المستشفى لإجراء "فحوصات روتينية"
17:00 24.04.2024
بلينكن يزور الصين للمرة الثانية في أقل من عام
16:30 24.04.2024
علييف يتحدث عن حرب غزة
16:00 24.04.2024
قري قازاخ الأذربيجانية الأربع في الإعلام العالمي
15:00 24.04.2024
مصر ترحب بالقرار الأذربيجاني الأرميني
13:45 24.04.2024
الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
13:30 24.04.2024
تزايد الدين العام يهدد التصنيف الائتماني لفرنسا
13:00 24.04.2024
جامايكا تعترف رسميا بدولة فلسطين
12:30 24.04.2024
ذعر أممي من المقابر الجماعية في غزة... ومطالبات بتحقيق
12:00 24.04.2024
في زيارة علنية نادرة... مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران
11:00 24.04.2024
موسكو: تدريبات الناتو في فنلندا "عمل استفزازي"
10:30 24.04.2024
ميرزايف يتحدث عن حرق العلم الأذربيجاني والتركي في أرمينيا
10:00 24.04.2024
7 قتلى و15 جريحاً في حادث سير بالجزائر
09:30 24.04.2024
الصليب الأحمر: إجلاء مليون مدني من رفح "غير ممكن"
09:00 24.04.2024
تفعيل نظام مير الروسي في مصر.. انعكاسات مهمة على السياحة والتبادل التجاري
18:00 23.04.2024
مشروع مسام ينتزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع
17:30 23.04.2024
علي موسي إبراهيموف: الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل
17:07 23.04.2024
شنجن للخليجيين لمدة 5 سنوات من أول طلب
17:00 23.04.2024
مسجد باريس يعرب عن قلقه بشأن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي حول التسلل الإسلامي
16:00 23.04.2024
مصر تؤكد السيطرة على حدودها مع غزة
15:30 23.04.2024
وصول المعتمرين الإيرانيين المدينة المنورة بعد توقف 9 سنوات
15:00 23.04.2024
ميرزاييف: "السياسات الأرمينية العدائية قادتها إلى الهاوية"
14:00 23.04.2024
تورال إسماعيلوف : إيران تري أن أذربيجان تمثل تهديدًا لها
13:00 23.04.2024
تواصل جلسات الاستماع بشأن الدعوي التي رفعتها أرمينيا ضد أذربيجان" في محكمة العدل الدولية - مباشر
12:15 23.04.2024
وفد من البنتاجون يزور النيجر لمناقشة انسحاب القوات الأمريكية
12:00 23.04.2024
بدأ عملية تحديد إحداثيات الحدود الأذربيجانية الأرمينية
11:50 23.04.2024
سلطان عُمان يزور الإمارات ويبحث مع محمد بن زايد التعاون والعمل المشترك
11:45 23.04.2024
زيارة أردوغان للعراق. دلالات على مرحلة جديدة من التعاون
11:30 23.04.2024
إيران وباكستان تبحثان إصلاح العلاقات بعد توترات حدودية
11:16 23.04.2024
أمير قطر يبدأ اليوم زيارة لبنجلاديش لتعزيز التعاون الاقتصادي
11:00 23.04.2024
القمة الثلاثية في تونس تناقش تحديات أمنية واقتصادية مشتركة
10:46 23.04.2024
الشيخ مشعل الأحمد يبدأ زيارة دولة للأردن
10:30 23.04.2024
الرئيس الألماني يزور تركيا حاملاً 60 كيلوجراماً من الشاورما
10:16 23.04.2024
الإنفاق الدفاعي العالمي بلغ 2443 مليار دولار عام 2023 وسط 55 نزاعاً
10:00 23.04.2024
إطلاق صواريخ من العراق باتجاه قاعدة للتحالف الدولي بسوريا
09:45 23.04.2024
استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية
09:17 23.04.2024
بغداد وأنقرة تتجهان لطيّ صفحة الخلافات السياسية
09:00 23.04.2024
سيول تحتج على إرسال الزعماء اليابانيين قرابين لضريح ياسوكوني
18:00 22.04.2024
مشاهد قاسية لجثامين انتُشلت من مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي
17:30 22.04.2024
هل حان وقت احلال السلام في القوقاز؟
17:00 22.04.2024
جميع الأخبار